تشكل العقدة الدرزية واحدة من العقد المستعصية التي لا تزال تعترض مسعى الرئيس المكلف سعد الحريري إلى تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، بفعل إصرار رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة انطلاقاً من كون الانتخابات النيابية اظهرت أنه الزعيم الدرزي الأقوى وصاحب الحيثية التمثيلية الأوسع في طائفته.
وما زاد من تمسك جنبلاط بهذا الطرح هو تداعي علاقته مع رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» الوزير طلال أرسلان وصولاً إلى القطيعة التامة بين الرجلين بعد فترة طويلة من التعايش تحت سقف تنظيم الخلاف وحماية وحدة الطائفة ومصالحها، وهي معادلة كانت قد أفضت في الماضي إلى أن يترك جنبلاط مقعداً شاغراً لأرسلان في الانتخابات النيابية، ويتساهل في مسألة حصوله على مقعد وزاري عبر الحكومات المتعاقبة.
لكن تحرر أرسلان من الحاجة إلى التحالف مع جنبلاط بعد اعتماد النظام النسبي قاده إلى التعاون مع «التيار الوطني الحر» في إطار لائحة واحدة فاز منها أربعة نواب، الأمر الذي يعتبره كافياً لتوزيره في الحكومة المقبلة وهذا ما يرفضه رئيس «الحزب التقدمي» بقوة حتى الآن، خصوصاً عقب اصطفاف أرسلان إلى جانب رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوزير جبران باسيل، بكل ما يعنيه ذلك من محاولة لإنتاج توازن جديد في عرين جنبلاط في الشوف وعاليه.
كما أن حادثة مقتل أحد كوادر الحزب التقدمي في منطقة الشويفات، قبل مدة، تحت وطأة التوتر الذي رافق الانتخابات النيابية، ألقت بظلالها القاتمة على العلاقة بين الشخصيتين الدرزيتين، وسط اتهامات موجهة من قبل جنبلاط إلى أرسلان بحماية المتهمين ورفض تسليمهم إلى الدولة للتحقيق معهم، ما دفع جنبلاط إلى المزيد من التشدد في الاعتراض على توزير «المير».
تحذير من الاحتكار
يعتبر المقربون من أرسلان أن دخوله إلى الحكومة الجديدة هو أمر طبيعي، استناداً إلى نتائج الانتخابات النيابية على الساحة الدرزية، مشيرين إلى أن أرسلان حالة موجودة في الطائفة الدرزية، شاء البعض أم أبى.
ويحذر المتحمسون لأرسلان من خطورة أن يحتكر الحزب التقدمي الاشتراكي تمثيل الطائفة الدرزية في الحكومة، لأن من شأن ذلك أن يترك آثاراً سلبية وخطيرة على مجمل البلد وإدارة الدولة، معتبرين أن منح وليد جنبلاط مثل هذه الوكالة الحصرية يعني أن ميثاقية الحكومة ستصبح معلقة به، وبالتالي يصبح أي غياب لوزرائه كفيلاً بإسقاط ميثاقية اجتماع الحكومة ويصبح اعتراضهم على أي بند كفيلاً بتعطيله.
ويشير مؤيدو أرسلان إلى انه لم يحصل كون الحضور الدرزي في حكومات ما بعد اتفاق الطائف من لون سياسي واحد، لافتين الانتباه إلى أن أرسلان عُين وزيراً تسع مرات تقريباً، وفي كل مرة كان هو النائب الدرزي الوحيد الموجود خارج كتلة جنبلاط، فلماذا يريدون الآن استبعاده، على رغم أنه لم يعد وحده بل أصبح يترأس كتلة نيابية تضم الفائزين على لائحة أرسلان–«التيار الوطني الحر» في الجبل؟
معيار واحد
ويكشف المقربون من أرسلان عن أنه أبلغ رئيس «التيار»، الوزير جبران باسيل استعداده للقبول بأن يحصل جنبلاط على المقاعد الدرزية الثلاثة في الحكومة تحت شعار أنه الأقوى في طائفته، إنما شرط أن يتم تعميم معيار «الأقوى» كأداة قياس وحيدة لتشكيل الحكومة، بحيث يُحصر التمثيل المسيحي في الحكومة بـ«التيار الوطني الحر»، والتمثيل الشيعي بثنائي «حركة امل»–«حزب الله»، والتمثيل السني بسعد الحريري، والتمثيل الأرمني بحزب «الطاشناق».
ويرى أنصار أرسلان انه إذا كان جنبلاط مصراً على أن من حق «اللقاء الديمقراطي» المكوّن من تسعة نواب أن ينال ثلاثة وزراء، فهذا يعني أن تكتل «لبنان القوي» الداعم للعهد والمؤلف من 29 نائباً يجب أن يحصل على 10 وزراء، بمعزل عن حصة رئيس الجمهورية.
حجم ورمزية
يلفت المتحمسون لأرسلان إلى أن جنبلاط يواجهه بقوة غيره، على قاعدة أن اثنين من النواب الدروز فازا بفضل دعم من يُفترض أنهم حلفاء أرسلان على مستوى الخيارات الاستراتيجية، وتحديداً في حاصبيا وبيروت حيث ساهمت أصوات الثنائي الشيعي بشكل حاسم في فوز النائبين أنور الخليل وفيصل الصايغ.
ويعتبر المحيطون بأرسلان أن جنبلاط يرفض التسليم بمبدأ الشراكة الحقيقية في الطائفة الدرزية، ويسعى إلى إبقاء هيمنته على الجبل وقراره السياسي، «فهو لم يتحمل انخفاض عدد نواب «اللقاء الديمقراطي» في مقابل زيادة حجم منافسيه بعد اعتماد النسبية في الانتخابات، محاولاً عدم تكريس هذه المعادلة في توازنات الحكومة الجديدة، ولذلك يصر على اختصار المقاعد الوزارية الدرزية بحزبه».
ويؤكد هؤلاء أن نسبة ما يمثله أرسلان من الدروز عموماً خارج نطاق وليد جنبلاط هي أكبر مما تمثله على سبيل المثال، الجهات السنية خارج «تيار المستقبل» والجهات المارونية خارج «التيار» و«القوات» والجهات الشيعية خارج «حزب الله»، مستغربين أن يُبحث في كيفية تمثيل هذه الأطراف في الحكومة بينما يوضع «فيتو» على رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني كأن الساحة مستباحة عند الدروز.
ويشدد المحيطون بأرسلان على أنه لا يتوسل وزارة ولا يتهافت على سلطة، لأن رمزيته وتاريخ بيته السياسي هما أكبر من أي موقع نيابي أو وزاري، مشيرين إلى أن همّه الحقيقي هو أن يحمي حقوق من يمثل، وأن ينال ما يستحق وفق حجمه، حتى لا يعتقد البعض أن بإمكانه فرض مزاجيته على الآخرين، وأن يُزيّن الخلل ليصبح قاعدة سياسية.
Leave a Reply