ديربورن – علي حرب و سامر حجازي
تفاعلت قضية الإعتقال التعسفي الذي تعرض لها الشاب علي بيضون (28 عاماً) على يـد شـرطة ديـربـورن دون أي مراعاة لحالته العقلية، ما وصفه الحقوقيون بانتهاك خطير لحقوق الشاب اللبناني الأصل.
وكانت «صدى الوطن» قد نشرت قبل أيام شريطاً مصوراً للحادثة مأخوذاً عن كاميرا سيارة الشرطي الذي أوقَف بيضون عند الساعة 4:47 فجر السابع من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حيث كان الأخير متوجهاً إلى منزله عائداً من مقهى «مانغو» حيث يعمل فيها بجلي الصحون.
وزاد الطين بلة رد فعل بلدية ديربورن الذي يلوم الضحية ويمتدح ضباط الشرطة الذين استخدموا «الإجراءات المرعية والملائمة» على حد زعم بيان البلدية الذي أضاف أن بيضون بدا مشبوهاً وهو يقود دراجته في أحد الأحياء التي شهدت مؤخراً حوادث سرقة سيارات».
إلا أن مسحاً أجراه مكتب «سيريل هول» للمحاماة والذي تولى إقامة دعوى قضائية ضد بلدية ديربورن في المحكمة الفدرالية، أظهر أن الشارع الذي حصل فيه إعتداء الشرطة، هو شارع غولد ولم تقع فيه أية حوادث سرقة مؤخراً. كما أن شريط الفيديو دحض زعم البلدية حول إقتداء ضباط الشرطة بالبروتوكول المناسب حيث يظهر الضابط جون بالاوسكي وهو يحاول إجراء تفتيش جسدي لبيضون الذي بدا مذعوراً وخائفاً وقاوم هذا الإجراء لفظياً مما حمل بالاوسكي على جره من خناقه وطرحه أرضاً ثم دعا إلى المساندة فحضر ضباط آخرون وبدأوا باستخدام القوة ضده بينما كان بيضون يبدو حائراً وخائفاً ولا يعلم ما يدور حوله.
وقد رفع مكتب «سيريل هول»، دعوى قضائية ضد شرطة ديربورن بدعوى انتهاك حقوق بيضون المدنية بتوقيفه دون أي مبرر قانوني، إضافة الى استخدام القوة مع شخص يعاني من مشاكل عقلية.
وفي معظم أوقات الفيديو (٤٣ دقيقة) الذي نشرته «صدى الوطن»، يمكن سماع صوت بيضون، وهو يصرخ قائلاً «لا.. لا.. لا..»، كما سُمع وهو يستنجد بأمه أثناء وجوده في المقعد الخلفي لسيارة الشرطة مكبل اليدين. وبعد اكتشاف الشرطة لأخطائها تم إيصال بيضون إلى مستشفى «أوكوود» لتلقي العلاج من جروح في وجهه وجسمه نتيجة الركل والضرب الذي تعرض له بعد جره بعيداً عن مجال تغطية كاميرا سيارة الدورية.
وأبلغ رون سكوت رئيس «إئتلاف ديترويت ضد وحشية الشرطة»، «صدى الوطن»، بأن الحادث الذي تعرض له بيضون يجب أن يثير التساؤلات حول ما إذا كانت قوات الشرطة مدربة بما فيه الكفاية للتعامل مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية، لافتاً إلى أن «الإئتلاف» سبق أن واجه عدة حالات مماثلة استخدمت فيها الشرطة القوة المفرطة في مدن منطقة ديترويت.
وأشار سكوت الى وجود «نهج متنام» لدى دوائر الشرطة في أنحاء الولاية يظهر أن مشكلة التعامل مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية تحتاج الى معالجة جذرية، مشيراً الى أنه يعتزم القيام بحملة ضغط على دائرة الصحة النفسية في مقاطعة وين من أجل فرض معايير سليمة للتعامل مع هؤلاء. وأردف الناشط الحقوقي أن «كل دوائر الشرطة بحاجة إلى المزيد من التدريب، لأننا نواجه الكثير من القضايا المتعلقة بالأشخاص المضطربين عقلياً»، وأضاف أنه من مسؤولية رجال الشرطة أن يكونوا قادرين على السيطرة على الناس والمواقف، ولكن في العديد من الحالات يفشلون في ذلك ويتسببون في تصعيد الموقف، مشيراً الى أن هذه التدريبات ضرورية ليس فقط من أجل سلامة الأفراد بل حتى رجال الشرطة لأنهم قد يتأذوا من هذه المواقف الخطرة في حال خرجت الأمور عن السيطرة.
ودعا سكوت دوائر شرطة ميشيغن للإقتداء بشرطة مدينة ممفيس (تينيسي) التي وظفت مرشدين إجتماعيين لمرافقة ضباط الشرطة أو الحضور الفوري إلى مسرح الجريمة إذا استدعت الضرورة ذلك.
عنصرية؟!
ومن ردود الفعل على الإعتداء الذي طال بيضون، طفت إتهامات بالعنصرية ضد شرطة ديربورن، حيث أكد المدير التنفيذي لفرع مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) داوود وليد، أن التصرف الفظ للشرطة كان بدوافع عنصرية، مشيراً الى أنه لو كان بيضون أميركياً أبيضاً ما كان ليتم التعامل معه بنفس الطريقة.
وكان المجلس قد تقدم بشكوى ضد بلدية ديربورن لدى دائرة الحقوق المدنية في وزارة العدل الأميركية، وقال وليد «أنا أجزم أنه لو كان راكب الدراجة رجلاً أبيضاً وتعطلت دراجته في الشارع فإن ضباط الشرطة لن يكونوا بهذه الدرجة من العداوة»، كما انتقد وليد بيان بلدية ديربورن التي سارعت الى تبرير تصرفات الشرطة باعتبار أن ملابس بيضون كانت مثيرة للشبهات كونها كانت خفيفة مقارنة ببرودة الطقس، وقال «لا يجب للشرطة تحت أي ظرف من الظروف استهداف شخص ما بسبب لباسه»، وأضاف وليد أن «بعض المزاعم التي أوردتها الشرطة في البيان كانت غريبة ومستهجنة تماماً كالحادث الذي سجلته الكاميرا… لقد قالوا إنه لم يكن يرتدي ثياباً كافية إلا أنه كانت عليه ثياب أكثر من الضابط الذي أوقفه… إن كل الذي جرى لم يكن ضرورياً أبداً».
ليس عنفاً مفرطاً!
رئيس «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية»، المحامي نبيه عياد، قال لـ«صدى الوطن» إنه شاهد الفيديو ولم يلحظ أي استخدام للقوة المفرطة، لكنه وافق على أن ما تعرض له بيضون تمييزٌ عنصري.
وقال «القوة المفرطة هي عندما تكيل الضربات للشخص وتطرحه أرضاً وتوجه له اللكمات أو تخنقه.. وعندما تقول لك الشرطة أن تفعل شيئاً فعليك أن تمتثل رغم إعتقادك بأنها مخطئة في ذلك، والضابط المذكور في الحادث لم يكن يعلم أن بيضون كان لديه قصور عقلي وأظن أن الضباط عندما لاحظوا هذا الأمر قرروا عدم توجيه أية تهمة إليه».
واعتبر عياد أن مطالبة الشرطة بإجراء تدريبات خاصة للتعامل مع الأشخاص المضطربين عقلياً ستكون خطوة غير فعالة لأن هذه الحالات نادرة الحدوث. واستطرد عياد بالقول «لا يمكنني أن أتوقع تدريب كل شرطي على كل أنواع الحوادث التي تقع وإذا نظرنا إلى قائمة الإعتقالات التي تجريها الشرطة فإن ٠,٠١ بالمئة منها فقط تتعلق بالمعوقين عقلياً». إلا أن عياد رغم عدم وضوح حالة استخدام القوة المفرطة لديه، أكد أن ماحصل مع بيضون هو حالة تنميط واستهداف عنصري ضد عربي أميركي.
ردود فعل
وفي الوقت الذي تنقّل فيه فيديو الإعتداء على مواقع التواصل الإجتماعي من «فيسبوك» إلى «تويتر» إلى «يوتيوب» وحصد حوالي ٢٠ ألف مشاهدة خلال فترة اسبوع واحد، برزت جملة تعليقـات متراوحة بين إدانـة الشـرطة لفظاظتها أو لـوم الضحية.
وفي أبرز التعليقات، قال دان أدينغر معلقاً على الفيديو عبر «يوتيوب»، إن «أولئك الذين يظنون أن قوات الشرطة قامت بعمل مبرر، عليهم أن يستعلموا أفضل عن حقوقهم فالضابط لا يحق له أن يمضي إليك فجأة ويطلب تفتيشك من دون الإشتباه الملموس والمعقول بأن جريمة إرتكبت أو على وشك الإقتراف. إقرأوا قضية «تيري ضد ولاية أوهايو» التي نظرت فيها المحكمة العليا».
كذلك زارت عائلة بيضون مواقع التواصل الإجتماعي مقدمة توضيحاً لسلوك ابنها ومستنكرة أفعال الشرطة وقال أحد أقارب العائلة «علي هو ابن عمي وقد أصيب منذ الصغر بتدهور في وظائف دماغه وهو لا يتذكر شيئاً إذا لم يكن جزءاً من أجندته اليومية ولهذا فإنه لا يعرف حتى رقم عنوان سكنه وما فعله رجال الشرطة له يصيبني بالغثيان ويوّلد لدي رغبة بمعاملتهم بالمثل، حتى أرى كيف سيشعرون.. أقسم بأني كلما سمعت صوته وهو يصرخ طالباً المساعدة تجتاحني موجة من البكاء».
أما آخرون فقد أشاروا إلى أن شرطة ديربورن على ما يبدو تمارس سياسة «التوقيف والتفتيش العشوائي» المثيرة للجدل والتي تعتمدها دائرتا الشرطةفي نيويورك وديترويت.
وعلى المقلب الآخر، علّق إيفان هايسي، قائلا «كانت النتيجة سيئة إلا أن الأولوية لدى كل شرطي هي سلامته الشخصية وأول ما يقوم به في مكان ما، هو التأكد من أنه غير مهدد بأي شكل من الأشكال، والشخص (بيضون) أثار الشبهات من خلال مقاومته وعدم خضوعه للتفتيش، وأنا أعتقد أن هناك صعوبة في معرفة ما إذا كان الشخص يعاني من إعاقة عقلية لا سيما بوجود معيق لغوي. من المؤسف أن الشاب قد تأذى لكن كان عليه ألا يقاوم ولو أنه استسلم منذ البداية لكانت عنده قضية واضحة ضد وحشية الشرطة غير أن مجرد قيامه بالعراك أصبح عمل الضابط مبرراً..».
وقد طالب آخرون شرطة ديربورن بتوفير مترجمين فوريين يجيدون اللغة العربية التي يتحدثها جزء كبير من سكان المدينة، وذلك لتفادي مواقف مثل هذه، مع الإشارة الى أن دائرة ديربورن تضم سبعة شرطيين عرباً من أصل ١٨٥.
Leave a Reply