«صدى الوطن»
يبدو أن زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى موسكو، الثلاثاء الماضي، ولقاءه بنظيره الروسي وسيد الكرملين، والتفاهمات التي خرج بها من العاصمة الروسية ستشكل منعطفاً حقيقياً فـي الأزمة السورية على وقع استمرار الحملة البرية التي يشنها الجيش السوري بمساندة الحلفاء على معاقل المسلحين فـي أرياف دمشق وحلب واللاذقية.
بوتين خلال استقباله كيري في الكرملين الثلاثاء الماضي.(رويترز) |
وفـي ترجمة أولى للزيارة اتخذ مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي بالإجماع قرارا يلزم الدول بمكافحة تمويل الإرهاب ومنع تقديم أي مساعدة أخرى لتنظيمي «داعش» و«القاعدة»، وأي شخص أو مجموعة أو شركة أو منظمة مرتبطة بهما.
ويطالب القرار الملزم للجميع، المستند على البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كذلك بـ«التجميد الفوري» لموارد التنظيمين وأرصدتهما المالية، ولا يسمح بتوريد «مباشر وغير مباشر» للسلاح لهما، ويدعو كذلك الى «اتخاذ تدابير نشطة وجذرية لوقف تدفق الأموال والأصول المالية الأخرى والموارد الاقتصادية الموجهة للأفراد والمنظمات».
وأكد مجلس الأمن أن من يدعم «داعش» أو «القاعدة»، «يخضع لضمه فـي قائمة العقوبات»، أما «المذنبون فـي تنفـيذ أو تنظيم أو دعم الأعمال الإرهابية، فـيجب معاقبتهم».
تفاهم قوي
ووصول المساعي الروسية-الأميركية إلى مستوى إصدار قرار دولي ملزم بشأن سوريا، يعني أن العاصمتين متفاهمتان على المسائل الأساسية فـي سوريا، وأن التباينات المتبقية لا ترقى إلى مستوى الخلاف وفـي مقدمتها الخلاف بشأن مصير الرئيس السوري الذي بات خارج طاولة البحث حالياً، وفق كلام كيري نفسه بعد سنوات من مطالبة واشنطن بتنحي الأسد كشرط للتوصل الى حل للأزمة التي تعصف بسوريا منذ قرابة خمسة أعوام.
ويبدو التفاهم الروسي-الأميركي أقوى مما كان منتظراً، إلى الحد الذي يدفع الطرفـين إلى التفاهم فـي زمن قياسي، يوم الثلاثاء الماضي، ليس على مجرد بيان وإنما على قرار جوهري حول سوريا للمرة الأولى منذ أربعة أعوام، بعد معارك كبيرة استُخدِم فـيها حق النقض (الفـيتو) أربع مرات ضد مشاريع القرارات الغربية. ويبدو القرار مهماً، لا سيما أنه يأتي بعد أسبوع من التهديدات الروسية بمقاطعة اجتماع نيويورك، وأن صيغة القرار أميركية بنسبة غالبة، وأن الأميركيين هم الذين اقترحوا طريق الحل، والروس وافقوا عليه دون تردد، كما كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وجاءت زيارة كيري الى موسكو ولقاؤه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمدة ثلاث ساعات، بعد أن خيمت الخلافات بين الطرفـين عقب مؤتمر الرياض، حيث وجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نقدا قويا للولايات المتحدة بالتزامن مع إشارات رفض لاختيار نيويورك مكانا لعقد اجتماع المجموعة الدولية.
لكن لقاءات كيري مع قادة الكرملين، وتصريحاته بشأن نتائج مؤتمر الرياض فـيما يتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد أراحت الروس. وقال كيري «موقف مؤتمر الرياض غير مرتبط بالمفاوضات بالتأكيد.. ويجب التركيز الآن ليس على خلافاتنا فـي شأن ما يمكننا أو ما لا يمكننا فعله على الفور بخصوص بشار الأسد.. السوريون هم من يقرر مستقبل سوريا»، قال كيري.
وبذلك يصبح الموقف الأميركي أقرب إلى الموقف الروسي، فواشنطن لم تعد بصدد إسقاط نظام الحكم فـي سوريا، وهو ما عبر عنه كيري صراحة: «الولايات المتحدة وحلفاؤها لا يسعون إلى ما يسمى تغيير «النظام السوري»، وليست بصدد المضي قدما مع حلفائها الإقليميين لجهة رفع وتيرة الصراع العسكري والدخول فـي مواجهة مع الروس، فالأولوية الآن لمحاربة داعش».
ويشكل الموقف الأميركي هذا أول ضربة لمؤتمر الرياض حول عقدة الأسد، لتبقى مسألة تمثيل المعارضة فـي مفاوضات جنيف المقبلة، وهي النقطة التي ستكون مثار بحث على طاولة المجموعة الدولية، إضافة إلى مسألة تصنيف المنظمات الإرهابية التي كلف الأردن بوضعها.
وفـيما منحت الرياض شرعية لبعض الفصائل المسلحة (أحرار الشام، جيش الإسلام)، بدأ الخطاب السياسي الروسي فـي الآونة الأخيرة يقترب من موقف دمشق، على اعتبار كل من يحارب الجيش السوري هو فصيل إرهابي، باستثناء «الجيش السوري الحر» وما تم وصفه بالمعارضة السورية الوطنية المسلحة، فـي وقت يميل الموقف الأميركي نحو الغموض حيال هذه المسألة، ولا يعرف حتى الآن ما هي الصيغة التي ستتفق عليها الأطراف فـي اجتماع نيويورك.
ويتوقع ديبلوماسيون غربيون أن تبادر الأمم المتحدة، بعد صدور القرار الدولي الجديد، إلى دعوة الحكومة السورية وممثلي المعارضة إلى اجتماع مطلع العام 2016 فـي جنيف لاستئناف المفاوضات، على ضوء خريطة الطريق التي سيقرها مجلس الأمن واجتماع نيويورك.
الأسد ووفد المعارضة
من جانبه، أكد الأسد أن أغلب التقارير الدولية حول سوريا مسيّسة وعديمة المصداقية وهي ممولة من القطريين والسعوديين أو تستند إلى روايات شخصية.
وأوضح الرئيس الأسد فـي مقابلة مع القناة الثانية فـي التلفزيون الرسمي الهولندي أن السياسة الغربية تجاه ملف مكافحة الإرهاب غير موضوعية وغير مستقرة ولذلك فهي غير مثمرة وتحدث أثرا عكسيا.
وبين الرئيس الأسد أن محاولات تسويق الأزمة على أنها متعلقة بوجود الرئيس هي لتضليل الرأي العام مشددا على أن الشعب السوري وحده فقط يحدد من يبقى أو لا وأي كلام من الخارج حول ذلك لا نكترث له أيا كان الطرف الذي صدر عنه.
أفادت وكالة «رويترز» أنّ المعارضة السورية اختارت رئيس الوزراء السابق المنشق رياض حجاب ممثلاً عنها فـي مفاوضاتها مع دمشق. وقال المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا: «إن أطراف اللقاء الدولي ستساعد المعارضة السورية فـي تشكيل وفد موحد لمحاورة الحكومة».
وتفتتح أعمال اللقاء الجديد لمجموعة دعم سوريا فـي نيويورك، حيث يخطط المشاركون فـيه لمواصلة العمل على وضع قائمة لمنظمات متفق بين الجميع على أنها إرهابية، إلى جانب تشكيل وفد عن المعارضة السورية لإجراء مفاوضات مع دمشق الرسمية.
إلى ذلك، أكد مصدر فـي وزارة الخارجية الروسية أنّ الأردن سلّم الجانب الروسي قائمة بنحو 160 تنظيماً مشتبهاً فـيه بالتورط فـي الأنشطة الإرهابية فـي سوريا.
ميدانياً، يستمر الجيش السوري وحلفاؤه فـي التقدم فـي أرياف اللاذقية الشمالي، وحلب الجنوبي والشرقي،، أما الإنجاز الابرز فكان مؤخراً، فـي الغوطة الشرقية لدمشق، حيث بسطت وحدات من القوات السورية سيطرتها على قرية مرج السلطان فـي الجهة الجنوبية الشرقية من «الغوطة»، الأمر الذي يضيق الخناق على التنظيمات المسلحة على مساحات واسعة من تلك المنطقة. كما حسم الجيش السوري معركته فـي جبل النوبة الاستراتيجي بعد سيطرته على التلال الخمس المتوزعة على مساحة 2 كلم، والتي يمر منها طريق سلمى-اللاذقية، والمشرفة على طريق حلب-اللاذقية القديم، فـيما تضيق وحدات الجيش والقوى الحليفة الخناق على محافظة إدلب مع اقتراب القوات السورية من السيطرة على ريف حلب الجنوبي بالتوازي مع تقدمها فـي الريف الشرقي باتجاه بلدة دير حافر التي تمهد الطريق نحو مقر «داعش» فـي الرقة.
Leave a Reply