ثالث اعتداء أمني خطير يقع فـي سوريا
الوضع الأمني غير المستقر فـي شمال لبنان وتجمع الأصوليين فيه يقلق الأسد
الحوادث الأمنية التي عرفتها سوريا هذا العام، ليست قليلة ولا هي عادية، بل هي كبيرة بحجمها والأشخاص الذين استهدفتهم، فمن اغتيال أحد قادة المقاومة الإسلامية» الشهيد عماد مغنية في 12 شباط 2008 في دمشق، إلى إطلاق نار على العميد محمد سليمان في مقر إقامته في اللاذقية وهو ضابط كبير يحمل مسؤوليات عليا في الجيش السوري، وأحد المسؤولين الامنيين والعسكريين المقربين والمستشارين للرئيس السوري بشار الاسد، ويتابع ملفات استراتيجية لها علاقة بالمقاومة في لبنان، اضافة الى ما كشفه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد برادعي من ان العميد سليمان كان يتابع معه موضوع ما تزعمه اميركا قيام سوريا ببناء مفاعل نووي.
وجاء الانفجار الذي استهدف احد احياء دمشق على طريق المطار والذي اودى بحياة 17 مواطناً واكثر من 30 جريحاً، ليكشف مدى الضغط السياسي والامني الذي تتعرض له سوريا، وهي تمر بالمرحلة التي مرت بها في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي عندما قامت جماعة «الاخوان المسلمين» بسلسلة تفجيرات استهدفت مراكز امنية ودبلوماسية وأحياء سكنية، مما اضطر قوات الأمن لأن تخوض معركة اجتثاث لهذه المجموعة الاسلامية المتطرفة، وتمكنت من القضاء عليها والسيطرة على الوضع الامني، ومحاصرتها و فرّ عناصر منها الى طرابلس، وتغلغلوا في احيائها.
يبدو ان هذا الانفجار الذي قدر حجم العبوة فيه بحوالى مئتي كيلوغرام، هو الاقوى في سلسلة العمليات الارهابية التي حصلت هذا العام، وهي تذكر بما حصل قبل ربع قرن، عندما تم تفجير احد مراكز للخبراء السوفيات في شاحنة تحمل مئات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة، وهذا ما فتح المعركة مع «الاسلاميين الاصوليين»، حيث تزامن هذا الانفجار مع المعارك التي كان يخوضها السلفيون ضد الوجود السوفياتي في افغانستان بدعم اميركي وسعودي، مما أنتج ما سمّي بـ«العرب الافغان» الذين توزع بعضهم على الدول العربية وبعض الدول الاجنبية، وتم انتاج تنظيم القاعدة برئاسة اسامة بن لادن الذي كان يمول من أمراء السعودية وحكامها، والذي يدين بالفكر الوهابي الذي أسسه الداعية محمد عبد الوهاب، ويدعو الى التطرف والغاء الآخر، وتكفيره سواء كان مسلماً او غير مسلم، وقد شكلت مرحلة الثمانينينيات احياء الفكر الاسلامي الاصولي وتنظيمه، الذي دعا الى استخدام العنف واللجوء الى السلاح الذي شجعت اميركا والسعودية على توجيهه الى من تعتبرهم ملحدين ويحملون الفكر الشيوعي ويعتنقون الماركسية، لكن هذا السلاح ارتد الى الدول التي دربت وسلحت ومولت المجموعات الاصولية، وبدأت عملياتها ضدها، وتحديداً بعد الانسحاب السوفياتي من افغانستان والهزيمة التي اصابت الجيش السوفياتي، والانهيار الذي لحق بالاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية التابعة له، فرأى الاسلاميون ان الساحة فرغت لهم، لمنازلة اميركا والدول الاوروبية التي تعتبر حربها معها حرباً ضد القوى الصليبية والكافرة، والتي تحتل ارضاً اسلامية من خلال وجود قواتها فيها، لا سيما في الدول الخليجية، التي تمركزت داخلها واتخذت قواعد لها في السعودية التي هي «دار الإسلام» ومنها انطلقت الرسالة الاسلامية.
فالجماعات التكفيرية، لاقت دعماً سعودياً وغربياً، وتم توجيهها ايضاً نحو الدول التي تقف في صف المقاومة لإسرائيل والممانعة للمشاريع الاميركية في المنطقة، وقد نالت سوريا حصتها منها، هذه الجماعات لا سيما «الاخوان المسلمين» كانت تستظل دولاً اوروبية وتحديداً المانيا وبريطانيا، اضافة الى رعاية عربية وتحديداً من الاردن، ومن بعض المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات الذي كان على خلاف سياسي مع سوريا التي كانت ترفض الحلول الجزئية للمسألة الفلسطينية او للصراع العربي-الاسرائيلي.
وعندما اعلن الرئيس السوري بشار الاسد، عن تنامي الحالة الاصولية في الشمال، وان لا استقرار في لبنان مع وجودها، كان يعني ما يقصد، لان مسلسل التفجيرات التي وقعت فيه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، والتي اكدت تقارير لجنة التحقيق الدولية تورط اسلاميين اصوليين في هذه الجريمة، يشير الى ان الهدف من وراء ذلك، كان فتح الساحة اللبنانية امام الفوضى والإنفلات الامني وفرط الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية، وهذا ما حصل بعد اغتيال الحريري باستهداف ما سمّي النظام الامني اللبناني-السوري المشترك، وان المطالبة بإخراج القوات السورية من لبنان وفق القرار 1559 الذي صدر عن مجلس الامن الدولي في مطلع ايلول 2004، من اجل ان تتغلغل المخابرات الاسرائيلية والاجنبية، والتي كشفت عن دور لها في عمليات اغتيال وتفجيرات. والشمال ساحة خصبة لنمو وتغلغل الحركات الاسلامية الاصولية، وهو الملجأ الذي احتمى فيه «الاخوان المسلمون» الذين فروا من سوريا، واقاموا «امارات اسلامية» في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، تمكنت القوات السورية اثناء وجودها في لبنان من إنهائها، وجاءت معارك مخيم نهر البارد بعد اعلان الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» ايمن الظواهري، ان لبنان اصبح «ارض رباط» لمواجهة الكفرة والصليبيين والرافضة الشيعة، ما يعزز ان الاصوليين نقلوا المعركة الى لبنان، وان من ذهب منهم الى العراق قد عاد الى لبنان مع مجموعات اخرى، ظهرت في اثناء احداث نهر البارد، الى اعتقال مجموعة الـ 13 التي تضم اشخاصاً من جنسيات عربية، ومن بينها خالد طه المتهم بأنه جنّد ابو عدس الذي ذكرت التحقيقات انه كان في السيارة التي انفجرت بموكب الحريري.
فالقيادة السورية متوجسة مما يجري في الشمال ومن الحوادث التي شهدتها طرابلس والمعارك التي دارت بين باب التبانة وجبل محسن، والتفجيرات التي استهدفت باصين للجيش اللبناني وسقط فيهما شهداء من العسكريين والمدنيين، وهو الاسلوب الذي استخدم في تفجير باصي عين علق واكدت التقارير الامنية والتحقيقات القضائية ان «فتح الاسلام» تقف وراءه، كما لا تستبعد ان تكون هي وراء عملية اغتيال اللواء فرنسوا الحاج.
لذلك فإن تحذير الرئيس السوري من تنامي الاصولية الاسلامية في كنف جماعات اسلامية ناشطة في الشمال، ولها ارتباطات مع النظام السعودي الذي يدعمها تحت عنوان تقديم مساعدات مالية لمؤسسات خيرية ومدارس دينية، وهي كانت سابقاً محظورة، الا انها بعد سيطرة قوى 41 شباط على الحكم، واستلامها الاجهزة الامنية، عادت هذه المجموعات الى العمل العلني بعد صدور عفو عن مجلس النواب عن عناصر اسلامية شاركت في قتل عناصر من الجيش اللبناني في الضنية، ومجموعات اخرى من مجدل عنجر متهمة بأعمال تفجير، وكان وراء العفو «تيار المستقبل» الذي قرر ان يدعم القوى الاصولية، للوقوف بوجه «حزب الله» وهذا ما اعلنه سعد الحريري، مهدداً بأنه اذا لم يتم الحوار والتعاون مع «التيار الاسلامي المعتدل»، فسنواجههم بالمتطرفين الاسلاميين، وهو ما كشفته التقارير الامنية، عن دعم لـ«جند الشام» من مسؤولين في «تيار المستقبل» الذي وفّر الاجواء السياسية والاعلامية المشحونة طائفياً ومذهبياً، للتطرف في الساحة السنية التي كانت مكاناً لنمو الفكر القومي، والنضال الوحدوي، والقتال ضد الاستعمار.
لكل هذه الاسباب، بدأت سوريا تنظر بقلق الى خاصرتها الشمالية، لا سيما مع توجيه الصراع على انه سني ـ علوي، وقد قررت ان تتشدد في مراقبة الحدود بعدما وردت تقارير عن تسرب اصوليين اليها، قد ينقلون المعركة الى الداخل السوري، فحشدت قواتها، فاعتبرتها قوى 41 شباط انها تتحضر للدخول الى لبنان، وان الكلام الاخير للرئيس السوري يوحي بذلك، وان ثمة مناخ دولي قد يعيد سوريا الى لبنان.
ووقع الانفجار على طريق مطار دمشق، ليثبت صحة ما كان الرئيس الاسد حذر منه في القمة الرباعية التي جمعته مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وامير قطر حمد بن جاسم آل ثاني ورئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان، من خطر الوجود الاسلامي المتطرف في الشمال، الذي يتزامن خطاب من قبل رجال دين سنة ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي الذي تحدث عن الخطر الشيعي على السنة، و«غزو شيعي للمجتمعات السنية» ومحاولة تشييعها، مما يكشف عمق الصراع الذي يجري تحويله الى فتن مذهبية ضد المقاومة في لبنان (حزب الله) والى سوريا من خلال افتعال صدام سني-علوي.
في ظل هذه الاجواء، جاء التفجير الاخير في دمشق، الذي تحدثت تقارير اولية عن احتمال ان تكون قوى اصولية وراءه، دون ان يغفل اسرائيل، لا سيما ان اغتيال مغنية يؤكد على هذا الدور، وهو كان مستهدفاً من العدو الاسرائيلي وان تقارير صحافية تحدثت عن مشاركة عربية ودور للأمير بندر بن سلطان.
والتقارير الأمنية الاولية من دمشق تحدثت، عن ان السيارة فجرها انتحاري وهو من مجموعة اصولية تكفيرية سبق للأجهزة الأمنية اعتقال عناصر منها، كما تم إلقاء القبض على آخرين بعد التفجير قدمت من خارج الحدود ومن دولة عربية مجاورة، وان مصدرها قد يكون لبنان او العراق، وسبق للأجهزة الامنية السورية ان كشفت اكثر من مرة، عن تسرب سيارات مفخخة، وراقبت الحدود مع لبنان وشددت الاجراءات عليها، وهي نشرت قوات على الحدود مع الشمال، وقبل الانفجار بأيام، لمواجهة عمليات التهريب وتسلسل عناصر معادية، وقد تكون السيارة دخلت قبل هذه الاجراءات، وتم تفجيرها لارسال رسالة الى الحكومة السورية، ان يد المجرمين تطال اي مكان في سوريا، حيث تحدث المسؤولون السوريون مؤخراً عن دعم بعض الانظمة العربية والسعودية تحديداً مع اميركا للمعارضة السورية التي تضم «الاخوان المسلمين» وعبد الحليم خدام وفريد الغادري الذي ذهب الى اسرائيل ويقيم في واشنطن.
Leave a Reply