تعهد ملك السعودية سلمان بن سعود بمعاقبة مرتكبي الهجوم الانتحاري الإرهابي الذي استهدف مسجداً للشيعة فـي منطقة القطيف مما أسفر عن استشهاد ٢١ من المصلين فـي الجزء الشرقي من المملكة يوم ٢٢ أيار (مايو ) الماضي. ووصف سلمان التفجير الذي تبناه تنظيم «داعش» التكفـيري، والذي يتبنى الفكر الوهَّابي التكفـيري وهو الذي نفسه يدين به آل سعود، ويصفه بـ«الهجوم الإرهابي الشنيع».
غير أنَّ هذه الإدانة السعودية الرسمية تنطوي على مجرد كلمات جوفاء لا ترتقي إلى حجم ردة فعل عملية إزاءه، فالتفجير الإرهابي ليس ابن ساعته بل نتيجة تراكمات وفقاً للواقع على الأرض من الحقد والكراهية والعنصرية والازدراء والتحريض ونتيجة، التكفـير الحكومي الرسمي الذي مورس على أبناء الطائفة الشيعية وتغذية الفتنة المذهبية فـي منطقة الشرق الأوسط منذ إنشاء مملكة آل سعود.
فوسائل الإعلام السعودية، والتي تمثل وجهات نظر العائلة الحاكمة ولا تجرؤ على نشر آراء انتقادية للسياسات الحكومية، لكونها منصة لرجال الدين الذين يفتون بهدر دماء الشيعة ويدعون علناً لإلحاق الأذى بهم وسبيهم وتكفـيرهم وإخراجهم من الإسلام.
فقد خاطب أحد النقاد السعوديين، «خالد الغامدي»، الشيعة فـي إيران ولبنان واليمن والعراق فـي العام الماضي متعهداً «بزحف الجيوش إليكم وأكلكم وأنتم على قيد الحياة». وأشاد الغامدي أيضاً بهجمات تنظيم «داعش» الإرهابي فـي العراق قائلاً للحكومة العراقية «ما شاهدتموه منا حتى الآن هو قطرة من مطر العاصفة».
الغامدي هو واحد فقط من المعلقين الذين لا يعدون ولا يحصون و«علماء» الدين الذين يتقيأون بانتظام حقدهم وكراهيتهم وفتنتهم المذهبية على موجات الأثير السعودية. ففـي نيسان (إبريل) الماضي، توقع كبيرهم الذي علمهم السحر «رجل الدين» السعودي المشهور، محمد العريفـي، فـي تغريدة له على موقع «تويتر»، توقع أنه «سيتم القضاء على الشيعة قبل يوم القيامة» لأنه وفقاً لأبحاثه (القيمة) «فإنَّ الروافض ليس لهم أي دور فـي نهاية العالم».
وقد أطلقت الأحداث الأخيرة، وخاصة الحروب المدمرة فـي سوريا والعراق واليمن، الطائفية من عقالها وأشعلت فتيل الفتنة بين المسلمين فـي جميع أنحاء المنطقة ولم تكن السعودية بريئة من ذلك. فالتعصب والتحريض المستمران ضد الشيعة ليسا ظاهرتين جديدتين فـي المملكة السعودية، بل تمتدان إلى زمن محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهَّابية، وهي عقيدة متحجرة ظلامية لا مكان لها بين المذاهب الاسلامية، تبنتها السعودية كدين رسمي ومصدر للتشريع فـي المملكة، وكتبرير عقائدي لكره الشيعة واعتبارهم مصدراً للفساد والانحراف فـي الإسلام.
فـي عام ٢٠٠١ نشرت جامعة الملك فـيصل بحثاً كتبه محمد مال الله أيد فـيه كتاب عبد الوهاب المسمَّى «رسالة فـي الرد على الرافضة». حيث ينسب عبد الوهاب إلى النبي محمد (ص) «حث المسلمين على قتال الرافضة عند ظهورها». مؤسس الوهابية كتب أيضاً أن الشيعة يتحولون إلى خنازير وقرود بعد وفاتهم، وهذا نموذج من الافتراءات التي يحفل بها هذا الكتاب الأسود.
لذا عندما اقدم انتحاري على تفجير نفسه فـي مسجد فـي قرية القديح فـي منطقة القطيف الشرقية فـي ٢٢ ايار (مايو)، استشهد ٢١ مدنياً بريئاً على يد التعصب والجهل والكراهية التي تصدر من حكومتهم لا غير. فهذه المملكة همشت الأقلية الشيعية سياسياً واتخذت إجراءات قمعية صارمة ضد قادتها ونشطائها لمنع أي حراك ديمقراطي سلمي بسبب خوفها ورعبها من المسار الديمقراطي. ولأجل ذلك وضعت قادتهم فـي السجون وحكمت على أرفع رجل دين عندهم هو الشيخ نمر آل النمر بالموت فـي العام الماضي وكانت تؤجل تنفـيذ الحكم كل مرة خوفاً من انتفاضة شعبية كبيرة.
الملكيات تقوم وتنهض على أساس الاستقرار لا الخوف والقهر وهذا درس من دروس التاريخ التي يتجاهلها أمراء وحكام آل سعود. وربَّما كان الملك سلمان صادقاً حين أدان الجريمة ووعد بملاحقة الجناة المجرمين من «داعش» فـي السعودية. ولكن كما يقول المثل الأميركي «الدجاج يأتي الى قنه لكي يبيض». ومملكة آل سعود لا يمكن أن تتوقع صرف المليارات من أجل نشر فكر وحشي لتنظيمي «القاعدة» و«داعش» وغيرهما من دون تعرضها لهجوم من قبل نفس التكفيريين الإرهابيين الذين سعت لولادتهم وزرعت فـي عقولهم الكراهية والعنصرية والتطرف. فهؤلاء المسلحون لا يردعهم أحد ولا يتقيدون بأوامر أحد بعد ان يشتد عودهم ولن يعود بالإمكان السيطرة عليهم وهذا درسٌ تاريخي آخر كان يجب أنْ يتعلمه آل سعود من حرب أفغانستان وصعود تنظيم «القاعدة» الذي خرج من رحم وهابيتهم.
ومن المدهش رؤية وسائل الإعلام السعودية والقطرية، وخاصة فضائيات «الجزيرة» و«العربية»، وهي تتغنى وتتباهى وتمجد وتحتفل بتمدد «داعش» فـي العراق وسوريا. دون أن تنتبه إلى أنه سيأتي يوم يهاجم «داعش» وأشباهه حكام قطر والسعودية فهؤلاء ليس عندهم خطوط حمراء، كما تبيَّن من تفجير مسجد الشيعة فـي القديح. بل إنهم أعربوا عن نيتهم علناً بأن الزحف «الداعشي» ليس إلى بغداد هذه المرَّة بل الى عمّان فهي قريبة على خط الرمادي، رغم ان الأردن قدم لهم كل ما يحتاجونه لحربهم الإجرامية فـي سوريا.
ولكن هل ستبقى وسائل إعلام قطر والسعودية تتغنى عندما تصل سكاكين «داعش» لذقون حكامهما؟!
وعلى الرغم من هذه المعمعة، فإن «داعش» والمصفقين له لا يمثلون الإسلام السني، وبنفس المقياس فإنَّ المتطرفـين الذين أحرقوا المباني التي تنتمي إلى أهل السنة فـي حي الاعظمية ببغداد قبل اسبوعين لا يمتُّون للإسلام الشيعي بصلة.
وسائل الإعلام والحكومات التي تشعل نار المذهبية هي عدوَّة العرب والمسلمين وقد وصلت نيران التفرقة الى مستويات خطرة لا رجعة فـيها ومن شأنها أن تحرق كل شيء، بما فـي ذلك أولئك الجهلة الذين يوقدون هذه النار ويسعرونها ضد باقي المسلمين.
فـي المحصلة النهائية نصيحتنا للجالية أن تتطابق مع نصيحة أحد العقلاء من علماء المسلمين، (الحبيب علي الجفري)، الذي قال بعد هجوم ٢٢ ايار (مايو) فـي القديح «لا تقولوا قتل سني شيعياً أو قتل شيعي سنياً. بل قولوا إنَّ مجرماً قتل إنساناً».
Leave a Reply