كنا ولا زلنا كبشر مجبولين بكل أنواع المشاعر؛ فترانا فرحين ساعة، وحزانى ساعة اخرى؛ ترانا نحب الحياة ونقبل عليها فينة، ونكرهها أو ننفر منها فينة أخرى.. ولا نتذمر.
ترانا نتخبط في مشاعر تختلف مع اختلاف أهوائنا، ونغفل ان هناك ما يجمعنا عند فراق عزيز؛ فراقا ابدياً. عندها نتألم، نبكي، نلبس السواد، ونمارس كل طقوس الحزن..
وفي خضم هذه الحياة يفارقنا كثيرون؛ منهم القريبون كالاصدقاء والأحباب، ومنهم البعيدون عنا كأناس يوافقوننا؛ او يخالفوننا الرأي. ونحزن على الجميع بـ”طبعنا البشري”.
وفي معظم هذه الحالات يكون هذا الحزن مشروعا تكفله لنا الحياة، وفي حالات نادرة تتدخل بعض عناصر هذه الحياة لتمنعنا من الحزن.
ونكون نحن (كمجتمع مدني) في مقدمة الممانعين، وذلك مرده لثقافة تشربناها أو شربناها. ويقوم ذالك المجتمع “المدني”؛ ودون ان ندري؛ برسم خطوط وهمية، ليكون الحزن مسموحاً دونها. يقول لنا ان فلانا او علانا خارج تلك الخطوط؛ فلا يجوز لنا الحزن عليهم؛ وان كنا نراهم ينبضون في هذا المجتمع كالقلب في أجسادنا؛ فهم من أخذوا على عاتقهم عملية البحث والتفكير لياخذوا بنا الى حياة افضل؛ ومع كل هذا يحظر علينا ان نحزن على رحيلهم.
لم نستطع ان نحزن على نصر حامد ابو زيد عندما قام بعض المجتمع المدني،؛ وبمؤازرة سلطته القضائية؛ بطرده من وطنه وبارتكاب الفظائع بحقه، ولماذا؟. لان قلمه أخذ بإعادة رسم نبراس الحرية، ولان كلماته مهدت لنا الطريق الى العقل.
وذهب نصر ليلمس الوطن بعيداً؛ في الغربة؛ ليسمعنا أصداء كلماته في الحارات والزواريب، ليقرأ علينا كلماته في زوايا المكتبات العتيقة.. واخذنا نترقب عودته مع كل اذان.
ويعود نصر إلينا بين العصر والمغرب.. ولا نأبه.. ويموت قبل العشاء.
ويحزن الكثير منا “داخلياً” لأننا لم نعطه حقه حياً؛ وتحزن القلة لانها لم تستطع ان تحزن عليه ميتاً. لانه لم تستطع ان تقول له:
كم ستترك وراءك من أوراق بيضاء.. وستظل بيضاء.
نصر حامد ابو زيد، ومع اختلاف آرائنا فيك؛ لا بد لنا من وقفة إنسانية مع الذات؛ تلك الذات التي حاولت انت ان تصقل ذاتها.. فلندعها تحزن.
وبما اننا غارقون في الحزن؛ فلا مانع من ان ندع اوكتافيا نصر من ان تحزن بسلام (وان حرمها مجتمعها المدني من السلام)؛ فقد يكون كفرها أتى قبل التفكير.
او بالأحرى، اوكتافيا لا تحزني.. لأننا لن نبكيك.
Leave a Reply