نيويورك – هيمن ملفا الأزمة السورية والحوار الإيراني -الغربي على كلمات ولقاءات المسؤولين في أكبر تجمع سنوي لزعماء العالم، في نيويورك، حيث بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء الماضي بحضور زعماء وقادة من 193 دولة ويستمر انعقادها أسبوعاً كاملاً ينتهي في بداية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وقد كانت كلمتا الرئيسين الأميركي والإيراني باراك أوباما، وحسن روحاني، محل اهتمام العالم، رغم عدم حدوث لقاء بين الزعيمين برفض إيراني عاكس الرغبة الأميركية.
كيري وظريف في لقاء مجموعة ٥+١ في نيويورك. (رويترز) |
لكن المقعدان المتقاربان وتبادل الابتسامات واللقاء المغلق بين وزيري خارجية البلدين جواد ظريف وجون كيري، كانت كافية لتؤشر إلى أن تطورا قد تحقق بالفعل، في الاجتماع المباشر بين ايران والولايات المتحدة الأول على هذا المستوى منذ سنوات، بحضور وزراء خارجية روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا والاتحاد الاوروبي.
والى جانب الاعلان السريع عن استئناف المفاوضات النووية بين ايران ومجموعة «5+1» في جنيف في 15 و16 تشرين الاول المقبل، فان الشكليات الديبلوماسية كان لها مغزاها ايضا. دخل ظريف، وزير الخارجية الايراني، إلى قاعة الاجتماع في نيويورك، وجلس الى مقعده المخصص بين كيري ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين آشتون، ما كسر من صورة النفور السياسي المستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود بين واشنطن وطهران. ثم عقد لقاء مغلق بين كيري وظريف.
وتوالت التصريحات بعد اللقاء الموسع، حيث قالت آشتون إن «الدول الست وإيران اتفقت على إجراء محادثات في 15 و16 تشرين الأول المقبل في جنيف»، مضيفة أن «12 شهراً فترة جيدة للتفكير في تنفيذ الإجراءات النووية من جانب إيران». وأضافت «كان اجتماعاً مكثفاً والأجواء كانت جيدة».
وكان أوباما، خلال كلمته، إلى خطاب الدبلوماسية مع إيران بشأن ملفها النووي، مطالباً طهران بـ«أفعال». وقال إن بلاده «تشجعت» بانتخاب روحاني رئيساً لإيران، معتبراً أن الأخير تلقّى «تفويضاً ليسلك طريقاً أكثر اعتدالاً» من سلفه محمود أحمدي نجاد. وعدم لقاء أوباما بروحاني لم يمنع الاميركيين والايرانيين من تبادل الكلام المعسول من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة. اوباما متفائل باللهجة الايرانية الجديدة وباحتمالات الخيار الديبلوماسي ومستعد للخوض فيه، بما قد «يفتح الباب امام علاقة مختلفة قائمة على المصالح والاحترام المتبادل»، والايرانيون يؤكدون على استعدادهم لتبديد الهواجس النووية حول برنامجهم السلمي، وإنما من خلال الاحترام وبعيدا عن لغة التهديد بالقوة والضغوط. وبدا أن الرئيس الأميركي، وبالإضافة إلى تركيزه على الملفات الأساسية ومنها الازمة السورية والعلاقات مع إيران، أعطى في خطابه حيزاً كبيراً للشرق الأوسط، حيث حذر من أن الولايات المتحدة تبقى مستعدة للجوء إلى القوة في حال تهددت مصالحها في الشرق الأوسط، ورفض أي تخل أميركي في المنطقة، معتبراً أن هذا الأمر سيؤدي إلى «فراغ لا يستطيع أي بلد آخر أن يملأه». وتابع الرئيس الأميركي «بما أن الرئيس روحاني التزم التوصل إلى اتفاق، طلبت من (وزير الخارجية) جون كيري، إدارة هذه الآلية مع الحكومة الإيرانية بتعاون وثيق مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا والمانيا وروسيا والصين».
ورأى أنه «قد يبدو من الصعب جداً تجاوز العقبات الا انني مقتنع بأنه لا بد من تجربة الطريق الدبلوماسية»، مقرّاً بوجود «جذور عميقة» من الحذر بين البلدين. وقال «إنني متأكد أننا في حال تمكنا من حل مسألة البرنامج النووي الإيراني فان ذلك يمكن أن يفتح الباب أمام علاقة مختلفة قائمة على المصالح والاحترام المتبادل». إلا أنه أضاف أنّ الولايات المتحدة اذا كانت تفضل خيار الطريق الدبلوماسية «فاننا نبقى مصممين على منع تطوير سلاح نووي» إيراني.
في الموضوع السوري، رأى أوباما أن «النظام السوري قام بما في وسعه من أجل حماية نفسه»، مشيراً إلى أن «الأزمة السورية وزعزعة الاستقرار في المنطقة تقع في لب المشكلة التي تواجهها الأسرة الدولية». واستطرد الرئيس الأميركي قائلاً إن الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأسلحة الكيميائية السورية، يجب أن يساهم في تفعيل الجهود الديبلوماسية بشأن الملف السوري. وإذ رأى أوباما أن التصور بأن سوريا يمكن أن تعود إلى وضع ما قبل الحرب هو «خيال»، جدد التأكيد على موقف بلاده بضرورة تخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، مرحباً في الوقت نفسه بجهود كافة الدول لتحقيق التسوية في سوريا، مؤكداً أن «الشعب السوري يحدد من يحكمه وليس نحن».
وجدد أوباما تمسكه بروايته حول استخدام السلطات السورية للكيميائي، وأجرى مرافعة دفاع عن قراره التلويح بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا قائلا إنه اتخذ انطلاقا من «مصالحنا القومية ومصالح العالم». لكن اوباما اشار الى انه ناقش الازمة السورية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين طوال عام، وان واشنطن كانت تؤيد دائما التسوية الديبلوماسية للازمة السورية، مشيرا الى ان الولايات المتحدة ترفض تحويل سوريا الى ملاذ للارهابيين. ولفت أوباما إلى «اننا على استعداد لاستخدام كل الوسائل بما فيها العسكرية لتأمين مصالحنا في المنطقة»، مؤكداً «اننا لن نقبل أبداً بتطوير او استخدام اسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط».
وجدد أوباما تمسكه بروايته حول استخدام السلطات السورية للكيميائي، وأجرى مرافعة دفاع عن قراره التلويح بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا قائلا إنه اتخذ انطلاقا من «مصالحنا القومية ومصالح العالم».
وفي الموضوع المصري، أثار موقف الرئيس الأميركي بعض الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية بمصر، حيث اعتبرها البعض نوعا من التخلي من قبل الإدارة الأميركية عن دعم جماعة «الإخوان المسلمين». وكان أوباما قد قال بأن الرئيس المعزول محمد مرسي انتخب بطريقة ديمقراطية، لكنه فشل في إدارة أمور البلاد والحفاظ على الديمقراطية، مضيفاً أن الحكومة التي تولت المسؤولية عقب عزله تجاوبت مع مطالب المصريين، كما أكد أوباما أن دعم إدارته لمصر مرهون بالتقدم الديمقراطي. وقال أوباما: إن الحكومة المؤقتة التي حلت محل مرسي «استجابت لرغبات ملايين المصريين المعتقدين بأن الثورة ذهبت باتجاه خاطئ، ولكنها أيضاً اتخذت قرارات لا تتماشى مع الديمقراطية مثل قانون الطوارئ وتقييد حرية الصحافة، وفي الحقيقة أن الولايات المتحدة تجنبت عن عمد عدم الوقوف مع أي جانب». وأضاف الرئيس الأميركي: «سنواصل العلاقات البناءة مع الحكومة المؤقتة التي تدعم مصالحنا مثل اتفاقية كامب ديفيد ومكافحة الإرهاب، وسنواصل الدعم في مجالات التعليم التي تخدم الشعب، ولكن في نهاية الأمر فإن تقديم أي أنظمة عسكرية أو مساعداتها من هذا النوع سيتوقف على تقدم مصر على طريق الديمقراطية».
انفتاح إيراني
وكان وزير الخارجية الإيراني أعلن قبيل المحادثات أن إيران منفتحة على لقاءات على أعلى مستوى مع الولايات المتحدة. وقال ظريف إن «عقد لقاء ليس هدفاً بحد ذاته ولا من المحرمات، كان يمكن أن يكون ذلك بداية جيدة، ولم يكن للرئيس روحاني مشكلة حول مبدأ» لقاء مع الرئيس الأميركي باراك أوباما.
وفي وقت سابق، دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تدمير جميع الأسلحة النووية في العالم، مقترحاً تسمية يوم 26 أيلول من كل عام بـ«اليوم العالمي لتدمير الأسلحة النووية»، وذلك خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث ألقى روحاني كلمة في «مؤتمر نزع السلاح»، أكد فيها ضرورة انضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ودعا إلى عقد اجتماع طارئ لجعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية لتجنب أي تداعيات نووية غير مطلوبة. وطلب الرئيس الإيراني بالنيابة عن «حركة عدم الانحياز» من الدول التي لديها ترسانات نووية، الالتزام بتعهداتها بتدميرها، مشدداً على أن «نزع السلاح النووي يجب ألا يتأخر أكثر من هذا الوقت أو اخذ عدم انتشاره كمبرر، وإنما يجب متابعة نزع الأسلحة وعدم انتشارها بشكل متزامن».
وقد أشار الرئيس الإيراني، في خطابه أمام الجمعية العمومية إلى كلام نظيره الاميركي، معتبراً أن إيران جاهزة لوضع إطار عمل مع الولايات المتحدة «إذا ما أبدى الأميركيون إرادة سياسية، وتوقفوا عن الاستماع إلى جماعات الضغط المؤيدة للحرب». وأكد روحاني أنه «يجب وضع خيار السلام على الطاولة»، مشيرا إلى أنه «اذا كانت هناك ارادة سياسية لدى الاميركيين وتوقفوا عن الضغط يمكن الوصول الى اطار لحل الخلافات». وأكد روحاني أنه «لا يمكن منع برنامجنا السلمي ونحن جاهزون للتعاون لكسب الثقة المتبادلة مع الخارج بشكل بنّاء»، مشيرا إلى أن «اسلحة الدمار الشامل، بما فيها النووية، غير موجودة في قاموسنا».
وأوضح روحاني أن «حل قضية النووي الايراني تأتي من خلال انهاء المناورات… ايران تسعى لحل القضايا العالقة من خلال الاعتدال ورفض الظلم والعنف»، مشددا على «أننا نريد العمل لتحقيق السلام في سوريا والبحرين، والعنف لا يحل الازمات». وأكد أن «الحل في سوريا ليس عسكرياً»، مشددا على رفض طهران «استخدام الاسلحة الكيميائية»، ومشيرا إلى أن «الفاجعة الانسانية في سوريا نموذج مؤسف للعنف في منطقتنا».
وافتتح الأمين العام العام للأمم المتحدة بان كي مون الجلسة، حيث تطرق في كلمته إلى الأزمة السورية، معتبراً أنها أكبر التحديات التي يواجهها العالم في الوقت الراهن، مشددا على ضرورة انتهاج الحل السياسي والذهاب الى جنيف. وتوالى على المنبر رؤساء الدول، حيث بدأت، كما العادة، رئيسة البرازيل، ديلما روسيف، التي ركزت على عملية التجسس العالمي، ملمحة بوضوح الى الولايات المتحدة وجاء بعدها الرئيس الأميركي، ثم الرئيس التركي عبدالله غول، تلاه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وملك الأردن عبدالله الثاني، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وصولاً إلى الرئيس الإيراني، ويستمر زعماء العالم بإلقاء خطابات على مدى أسبوع من انعقاد الجمعية العمومية.
Leave a Reply