تتحدث تقارير استخبارية أميركية وغربية عن مساعي سورية إيرانية لنقل أسلحة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر الأردن فيما تشير في الوقت نفسه إلى ازدياد مشاعر القلق لدى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إزاء إمكانية فقدانه السيطرة على جزء كبير من أراضي بلاده بسبب تصاعد الحرب الدائرة في سوريا، حيث بات الأردن مركزا لعمليات المتمردين السوريين ضد نظام حكم الرئيس بشار الأسد مع وجود أجنبي ضخم في شمال وجنوب البلاد.
وقال مصدر استخباراتي إن «الملك عبد الله يراقب بلا حول ولا قوة عناصر أجنبية تنتشر في معظم أنحاء البلاد، وتجر الأردن إلى حرب لا يريدها». ويضيف المصدر ذاته أن «الملك كان دائما مؤيدا للولايات المتحدة، ولكن على مدى العامين الماضيين، بدأ يشعر أن الولايات المتحدة تدير ظهرها باستمرار لأصدقائها، في حين تعمل على الترويج لجماعة الاخوان المسلمين المعادية».
ويؤكد مركز «ستراتفور» الأميركي للتحليلات الاستخبارية تزايد الأدلة على أن سوريا وإيران تعملان على بناء قدرات عسكرية في الضفة الغربية المحتلة بما يشكل تهديدا للاحتلال الإسرائيلي، وأن الأسلحة ترسل ليس فقط إلى حركة «حماس» التي ذكرت أنباء أنها عملت على إعادة العلاقات مع إيران، بل ايضا ترسل إلى حركة فتح التي تهيمن على السلطة الفلسطينية في رام الله.
الملك عبدالله الثاني |
وكانت السلطات الأردنية قد أعلنت خلال الأيام القليلة الماضية عن كشفها على الأقل حادثتين منفصلتين تمثلت بقيام مجموعات لتهريب أسلحة من سوريا وأنه تم القبض على خمسة سوريين في هذه القضية يوم 6 آب (أغسطس) الجاري قرب مدينة مأدبا التي لا تبعد كثيرا عن العاصمة عمان. وتشمل الأسلحة المهربة صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ أرض جو وبنادق. ويحمل المهربون السوريون الخمسة بطاقات تعريف أردنية، وكانوا يخبئون الأسلحة المهربة في سيارتي بيك آب تحمل كميات من البطيخ، وقد اشتبهت الشرطة بها عندما تجاوزت سوق الخضار والفواكه حيث كان يفترض أن تفرغ حمولتهما.
ويذكر أن الأردن أصبح الممر الرئيسي لنقل الأسلحة التي تمول شراءها دول خليجية وخصاة السعودية وقطر، إلى الجماعات المسلحة داخل سوريا، غير أن ذلك فتح الباب أيضا إلى تهريب الأسلحة من سوريا إلى الأردن.
ويكشف تحقيق خاص أجراه مركز «ستراتفور» حول آخر شحنة أسلحة نقلت عبر الأردن عن هدف مختلف تماما: حيث أن من جرى الاتصال بهم في المنطقة ادعوا أن المهربين الذين القي القبض عليهم يوم 6 آب كانوا فلسطينيين من سوريا ينتمون إلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة» وقد زعم أنهم كانوا يحملون أسلحة تم الحصول عليها من مستودعات الجيش السوري في السويداء في جنوب غرب سوريا لنقلها عبر الأردن، من الحدود السورية جنوبا إلى الكرك، للالتفاف على وجود أمني كبير على طول وادي نهر الأردن… والوجهة النهائية لهذه الأسلحة، وفقا لمن جرى الاتصال بهم، هي مدينة الخليل في الضفة الغربية.
وتحمل عملية تهريب الأسلحة هذه ذات النمط لمحاولات تهريب أسلحة سابقة في العام الماضي عندما ذكرت مصادر فلسطينية في المنطقة أن إيران كانت تعمل مع مجموعات فلسطينية لنقل ذخيرة عبر العراق والأردن إلى الضفة الغربية، وأنه من أجل تحقيق ذلك فقد رجحت هذه المصادر أن تعمل إيران مع المخابرات السورية و«الجبهة الشعبية-القيادة العامة» التي تحتفظ بعلاقة وثيقة مع الحكومة السورية لنقل الأسلحة من المخازن السورية الى الضفة الغربية حيث تتمتع حركة «حماس» بدعم قوي في بعض القرى في منطقة الخليل، إذ من المرجح أن يتم تخزين الأسلحة.
ويشير تقرير ستراتفور إلى أن نأي حركة «حماس» ذات الجذور الإخوانية بنفسها عن سوريا وإيران لم يمنع إيران من بذل الجهود للإبقاء على علاقات مع «حماس»، حيث زودت إيران الحركة بصورايخ «فجر-5» التي استخدمت لقصف أهداف إسرائيلية في تل أبيب وغيرها ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أواخر العام الماضي. وأظهر تزويد إيران لـ«حماس» بهذه الصواريخ استمرار وجود علاقة قوية بين الحليفين المتعارضين مذهبياً.
ويرى مركز «ستراتفور» الاستخباري أنه مع إطاحة الجيش المصري بسلطة جماعة «الإخوان المسلمين» فقد سعى الجيش المصري إلى التشديد على حركة «حماس» في سيناء في وقت يزداد مأزق الجماعات السورية المسلحة في عدم القدرة على الإطاحة بالحكومة السورية، وهو أمر يرجح التقرير أن تجد حركة «حماس» أكثر من سبب للإبقاء على علاقات وثيقة مع إيران. وفي الوقت نفسه تحاول إيران تعويض التحديات المذهبية التي تواجه حلفاءها في سوريا ولبنان والعراق من خلال توسيع شبكة حلفائها المسلحة حيثما يمكن.. وأن جزءا من هذه الاستراتيجية يقوم على بناء وجود في الضفة الغربية المحتلة لتهديد إسرائيل. وتتقاطع هذه الاستراتيجية مع مصلحة حركة «حماس» في تقويض نفوذ وسلطة حركة فتح التي من خلال هيمنتها على السلطة الفلسطينية تنخرط في مفاوضات سلام مع إسرائيل.
غير أن التقرير يشير إلى أن من غير السهل على إيران وسوريا تنفيذ خططهما في الضفة الغربية المحتلة حيث تسيطر حركة «فتح» وتقوم قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بين الحين والآخر باعتقال اعضاء «حماس»، وستواصل حركة فتح مساعيها لمنع «حماس» من القيام بأية أعمال في الضفة الغربية قد تهدد في نهاية المطاف مصداقية حركة «فتح».
وعلاوة على ذلك، فإن زيادة التواجد الأمني الأردني على الحدود السورية، والتعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والوجود الأمني الإسرائيلي المكثف حول وادي نهر الأردن يجعل أي ممر من خلال الأردن عرضة للكشف، كما تشير إلى ذلك الاعتقالات الأخيرة في الأردن.
لكن هذه التحديات لم تردع إيران وسوريا من محاولة استخدام الشبكات المحلية لبناء مخابئ الأسلحة في الضفة الغربية بحيث تمكن الفصائل الفلسطينية في نهاية المطاف من العمل على نصب كمائن لدوريات قوات الاحتلال الإسرائيلي. لذلك فإن التقرير يرى أن اشتمال الأسلحة المهربة إلى الضفة الغربية المحتلة على قذائف صاروخية مضادة للدبابات وأنظمة للدفاع الجوي المحمولة على الكتف تثير بشكل خاص قلق إسرائيل، بالرغم أن مثل هذا التهديد لم يتحقق بعد، فإن إسرائيل تعمل على تشديد رقابتها عن كثب.
Leave a Reply