ديربورن – علي حرب وخليل رمَّال
منذ فضيحة ا«ٓبسكام» في السبعينيات التي كانت إسم عملية سرية قام بها عملاء وكالة «أف بي آي» ضد نواب في الكونغرس الأميركي لرشوتهم متنكرين بزي أمراء النفط العرب، وهي الفضيحة العنصرية التي حفزت السناتور السابق اللبناني الأصل جيمس أبو رزق على تأسيس «اي دي سي»، يبدو أنَّ مسلسل العنصرية والاستهداف مستمر ضد العرب والمسلمين في أميركا لكنه اليوم يحمل تبعات أخطر على أمنهم ومستقبلهم.
آخر هذه المؤامرات أنَّ ديربورن فيها ثاني أكبر عدد من «الإرهابيين المعروفين أو المشتبه بهم» في البلاد، حسب وثيقة سرية حكومية مسرَّبة كشفها ونشرها موقع «انترسبت» على الإنترنيت، وهو موقع اخباري متخصص بتغطية أنباء الأمن القومي الوطني في أميركا. هذه الوثيقة تحتوي على بيانات ومعطيات و(داتا) مخصصة لرصد الإرهاب والمشتَبَه بأنهم من الإرهابيين وتحتوي على أسماء مزعومة تدعم الإرهاب. واسم هذه اللائحة الرسمي هو رصد أو فحص «غربلة الإرهابيين». غير أنَّ المفارقة في تصنيف القائمة العشوائي هي أنَّ ٤٠ بالمئة من الناس على الصعيد الوطني من المغضوب عليهم والمُدرجين على لائحة غير مشرِّفة كهذه، والذين هم متَّهمون بأنهم إرهابيون أو الذين يمكن ان يشكلوا تهديداً إرهابياً، لا يحملون انتماءاً إلى مجموعة إرهابية معروفة.
ويوجد إسم أكثر من مليون شخص في القائمة، التي تشترك وكالات الحكومة الفيدرالية الأمنية فيها، أما كتابة السيناريو التأليف والإخراج فحصيلة جُهد مشترك من قبل وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي أي» ومكتب التحقيقات الفيدرالي «أف بي آي» ووزارة الأمن الوطني الداخلي.
وحسب القانون الذي بدأ يتآكل ويضمحل منذ عهد جورج دوبليو بوش خصوصاً بعد إقرار قانون «بيتريوت آكت» الذي جاء لمصادرة الحريات المدنية والإنسانية وجرَّد أميركا من نعمة الحرية والتسامح والعدل التي ميَّزتها عن كل دول العالم، فإنَّ الوكالات الأمنية الفيدرالية تحتاج لمجرد اشتباه معقول لإدراج إسم أحد الأفراد على قائمة المراقبة والرصد مع سابق إصرار وترصُّد. ولا يعلم إلا الله والراسخون في علم الإطاحة بالقوانين والدستور ما هو تعريف «الإشتباه المعقول» وما هي حدوده ومن يقرر هذه «المعقولية» خصوصاً وإن تعابير حقوقية وإنسانية او قانونية مرعية الإجراء مثل وجود «حقائق ملموسة» أو «أدلة دامغة» ليس مطلوباً من هذه الوكالات الأمنية حسب الإرشادات الموضوعة للقائمة التي سُرِّبتْ الشهر الماضي. اي بتعبير آخر المتهم «وفي هذه الحالة من غير المسلم والعربي الأميركي المفضَّل ليكون على رأس هذه القائمة»؟ مذنب حتى تثبت براءته التي قد تضيع أيضاً في المتاهات الأمنية السرية!
والمقلق في الموضوع أنَّ عدد سكان ديربورن يبلغ ٩٦٠٠٠ نسمة ومع ذلك حلَّتْ في المرتبة الثانية من حيث عدد السكان المتهمين بالإرهاب. أما نيويورك، وهي مدينة من ٨ ملايين نسمة، وهيوستن التي يبلغ عدد سكانها أكثر من ٢،١ مليون نسمة، فصنِّفتا في المرتبة الأولى والثالثة على القائمة على التوالي. وهذا ظلمٌ يكشف عن عدم تناسق عدد السكان مع حجم التهمة الخطيرة قياساً إلى المدن الاميركية الأخرى والتي تستهدف بالأساس الجالية العربية والإسلامية في المدينة.
وتكشف الوثيقة أيضاً، للأسف الشديد، أن نظام الفرز الإرهابي توسع إلى القمة ووصل عدد المشتبه بهم المتضررين الى الذروة في ظل إدارة باراك حسين أوباما، الذي صوَّت له معظم العرب الأميركيين والمسلمين مثل باقي الأقليات أملاً ببزوغ عهد جديد تسوده العدالة والحق والقانون وإعادة أميركا إلى سابق عزِّها. لكن في عهد أوباما هناك ٧٤٠٠٠ شخص مُدرَج على قائمة حظر الطيران اليوم أكثر من أي وقت مضى خلال رئاسة جورج دبليو بوش.
وبعد الإعلان عن هذه الفضيحة تداعى حوالي ٣٥ من قادة ونشطاء الجالية العربية الأميركية يمثلون جمعيات ومؤسسات ومنظمات الجالية الى الاجتماع في النادي الأميركي اللبناني بعد ظهر يوم الخميس للرد على التصنيف غير المتناسب مع حجم سكان ديربورن على القائمة السوداء.
ومن بين المؤسسات الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية «أي سي آر أل»، واتحاد الحريات المدنية الأميركية «أي سي آر أل»، والمركز العربي «اكسس» واللجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز «أي دي سي»، ومجلس العلاقات الإسلامية الأميركية في ميشيغن «كير»، والجمعية الخيرية اليمنية الاميركية «يابا».
وحضر الاجتماع عضو مجلس النواب جون دينغل ورئيس الحزب الديمقراطي في ميشيغن لين جونسون أيضاً.
وقال دينغل انه يود التأكد من صحة الوثيقة ومن هو وراءها قبل معالجة هذه المسألة. إلا انه أكد دعمه لناخبيه العرب الأميركيين وتعهد بالعمل مع قادة الجالية حول هذه القضية والتواصل مع الوكالات الأمنية الفيدرالية المسؤولة عن قائمة المراقبة. أنه لن يخيِّب عميد الكونغرس المتقاعد أمال أصدقائه العرب.
ناشر «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني وصف التقرير بأنه التحدي الأكثر خطورة بالنسبة للجالية خلال ٣٠ سنة من عمر نشر الصحيفة، وقال إنَّ تصوير العرب الأميركيين في ديربورن كإرهابيين من شأنه أنْ يدفع رجال الأعمال والمقيمين الى خارج المدينة. وأضاف :على مدى اليومين الماضيين، تلقيت مكالماتٍ هاتفية من عدة أشخاص يقولون لي انهم خائفون .
وقالت احدى المشاركات في اللقاء، رنا المير، نائب مدير أتحاد الحريات المدنية في ميشيغن «إنَّ المشكلة ليس في تسريب قائمة المراقبة المتضخمة، لكن في حقيقة انها تنتهك حقوقنا المدنية وتجعلنا أقل أمناً».
وقرر الحضور تشكيل لجنة لمتابعة القضية مع عضو الكونغرس دينغل. واقترح السبلاني تعليق جميع الاجتماعات مع الوكالات الأمنية حتى يتم علاج هذه المسألة على المستوى الفيدرالي فانقسم المجتمعون في الاجتماع حول هذا الاقتراح ولكن أوصي في نهاية المطاف أنْ لا يعقد لقاء مع المسؤولين الفيدراليين إلا بحضور عضو أو موظف في الكونغرس.
وقال وزير العدل الاميركي لمنطقة شرق ميشيغن باربرا ماكويد أنها لا تزال تجمع الحقائق عن التقرير لكن بياناً صادراً عنها لاحقاً دافع عن الجالية في ديربورن ضد مزاعم وشبهة الإرهاب.
وقالت في البيان «من المؤسف أن التقارير الأخيرة قد أعطت نظرة سلبية نحو الجالية بأكملها ويمكنني أن أؤكد للجمهور أن ديربورن مليئة بالوطنيين الأميركيين العظام- بأفرادها وضباط الشرطة والمعلمين والمحامين والأطباء ورجال الأعمال والعمال والجيران، وأكدت ان الجهود تبذل لإعادة النظر في عملية المراجعة القائمة بشأن الحظر الجوي».
وقال داوود وليد، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية في ميشيغن «إن الأخبارالاخيرة زادت من قناعته بأن وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي يعتبر أن العرب والمسلمين مشتبه بهم دائمون للإرهاب».
وأردف «إنَّ الحكومة الفيدرالية لعبت لعبة مع جاليتنا من خلال عقد لقاءات مع قادتها والتحدث عن الشراكة في حين تُعامِل الأميركيين العرب والمسلمين كتهديد إرهابي».
واستطرد وليد «الإحصاءات الحكومية تفيد أن ٩٤ في المئة من الإرهاب الداخلي يأتي من الناس غير المسلمين، لذلك، علينا أن نتساءل لماذا ديربورن رقم اثنين؟ ليسموا لي مواطنا من ديربورن من الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية. من فعل ذلك؟ لا أحد».
وقال وليد: تنظر إدارة أوباما إلى المسلمين على انهم «أعداء محتملين للدولة» لأنَّهم يتبعون الاسلام بسبب حقهم بالتعديل الدستوري الأول، ووصف الوضع هذا «بالمكارثية الجديدة» وأضاف «ان هذا النوع من الأخبار يخمد النشاط المجتمعي والمشاركة السياسية لأنه يخيف الناس الذين يعتقدون بالفعل أنهم تحت إشراف ومجهر الحكومة الفيدرالية.
وأكد وليد بوجود هذه المعلومات في العلن سيخول هذا، المتعصبين ضد المسلمين والمصابين برهاب الإسلام لاستهداف ديربورن (وكلنا نعرف) في السنوات الأخيرة مجموعة من الكنيسة المعمدانية في ويستبورو طلبت من تيري جونز ان يأتي إلى ديربورن لكسب المال، مشيرةً إلى أن ديربورن هي مرتعٌ للإرهاب، والحكومة تنظر إلينا بنفس الطريقة التي تنظر فيها الكنيسة المعمدانية في ويستبورو وتيري جونز وباميلا غيلر وغيرهم من الحاقدين المتعصبين ضد المسلمين، لديربورن.
وأضاف «يتعين على الجاليات العربية والمسلمة في أميركا ان تحمل المنظمات والمؤسسات فيها، المسؤولية حول كيفية التعامل مع الحكومة».
وقال «لدينا بعض القادة الذين يجتمعون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل وأخذ الصور التذكارية في وقتٍ تصبح القضايا عندنا اكثر سوءاً بالنسبة للجالية، مؤكداً: انهم يقيمون علاقات عامة سلبية مع مكتب التحقيقات الفيدرالي وهذا يؤدي الى ضياع حقوقنا. و لكي نتمكن من الحصول على تنظيم بشكل صحيح كجالية وننقل مخاوفنا إلى المسؤولين المنتخبين، علينا ان نضع قياداتنا أمام المساءلة على النتائج العكسية».
وأوضح وليد أن توسيع قائمة مراقبة الإرهاب والتدقيق والرصد ضد الجاليات العربية والإسلامية هو لتبرير الميزانيات الضخمة لوكالات المراقبة.
وخلص الى القول على وكالات الاستخبارات أن تظهر النتائج لان وظائف ومهن بأسرها تعتمد على هذا. الدولة المراقِبة مثل وحش. بمجرد أن تأتي على قيد الحياة، عليها مواصلة إطعام نفسها من اجل البقاء.
Leave a Reply