كشْ مَاتْ.. إنكـشف المستـور
هدف التدويل: ماعز ولو طاروا
منذ إندلاع الأزمة السورية ما فتىء سؤال حارق ومتجدد يؤرق كل مكونات المعارضة السورية، وخاصة الخليجية منها، يصرحون به تارة ويخفونه تارة أخرى، لكنّه كان ولا يزال مركز الإهتمام عندهم، هذا السؤال الحارق أو بالأصح المارق هو: كيف يمكننا أن نذهب بالملف السوري إلى مجلس الأمن؟ ولكن قبل ذلك كيف يمكن إحتواء الموقف الروسي-الصيني لمنعهما أو احدهما من إشهار “الفيتو” حتى يتمكن المهرولون إلى مجلس الأمن من إستصدار قرار لشنّ الحرب على سوريا؟ هذا هو مربط الفرس وبيت القصيد وغاية الغايات، وما كل هذه الحلول التي تطرح هنا وهناك إلاّ أساليب أو محاولات لإدراك تلك الغاية أو ذلك القرار الذي اتخذ ولا رجعة فيه.
وإنطلاقا من رغبة التدويل تلك سعت الأطراف المعارضة للدولة السورية بكل الوسائل إلى بلوغ تلك الغاية ضاربة عرض الحائط بكل الحلول والوصفات الأخرى التي حاولت النأي بالملف السوري عن التدويل كمشاريع الإصلاح الداخلي أو المبادرة الروسية وغيرها من الحلول الأخرى. ورغم أنّ دعاة التدويل يعلمون أنّ معناه ومنتهاه هو شنّ الحرب التي ستدمر البلاد وتبيد العباد، حرب ستأتي على الزرع والضرع وتأكل الأخضر واليابس، ورغم كل ما يمكن أن يحدث من دمار، لم يتراجعوا لكي تتقاطع رغباتهم مع أيّ من المبادرات الداخلية المطروحة وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل أنّ رغبة بعض المعارضة الجامحة والمجنونة لتولّي السلطة تأتي قبل أي اعتبار آخر، حتى ولو كانت سلامة الشعب الذي يريدون حكمه.
لقد بحثت المعارضة، وكل من ورائها، على إدانة سوريا بأيّ شكل، كان الهدف هو تجميع وقائع وشهادات يقدمونها للرأي العام العربي والعالمي كبراهين تشرعن تدويل الأزمة، إضافة إلى التحرك على الأرض عبر تظاهرات الجُمَع وعمليات المجموعات المسلحة المصحوبة بتحريض وتضخيم إعلامي.
كانت “الجامعة العربية” التي إستفردت بها الدول الخليجية خاصة بعد إنشغال مصر وسوريا والعراق والجزائر والسودان بمشاكلهم الداخلية، التي تقف وراء الكثير منها الجامعة، أو أدق عبارة “الجامحة” و”الجائحة” العربية، التي كانت ولا تزال تعمل وفق أجندات أصبحت معلومة وأجبرت الأعضاء، تحت مختلف الضغوط على تكوين لجنة من 160 خبيراً لتقصي الحقائق أوفدوها إلى سوريا أملا في أن تكون شاهد زور عبر تقرير يدين النظام السوري، ليبدو الأمر أكثر تأثير عربيا ودوليا، تحت عنوان “وشهد شاهد من أهلها”. إلاّ أنّه لا يزال في العرب، رغم كثرة ضعاف النفوس، بقية من الشرفاء الذين كانوا في البعثة، وأكّدوا إنّهم رصدوا أعمال عنف وقتل ضد الأطفال والنساء والرجال المدنيين وكذلك طالت قوى الأمن والجيش قامت بها مجموعة من المعارضة المسلحة التي قامت كذلك بعمليات تخريب للمرافق العامة كأنابيب النفط والغاز ووسائل النقل. كما أقرّ التقرير بتعاون الحكومة السورية وتسهيلها مهمة المراقبين كما وأكّد على تورّط الإعلام في المبالغة في الحوادث والقتلى والتشويش على عمل البعثة.
طبعاً، التقرير كان مفاجئا للذين منُّوا النفس بأن يكون تقريراً مُديناً للنظام يعطي شرعية ما لإرسال جيوش عربية إلى سوريا. فهاج وماج يأجوج ومأجوج العرب خلال عقد المجلس الوزاري الأخير للجامعة ضد محتوى التقرير المقدّم من البعثة العربية حول حالة الأوضاع في سوريا على إمتداد الشهر الذي قضُوه هناك ورأوا فيه إجحافا للحقيقة، وأصرّت دول خليجية على حلّين إمّا بعث جيوش إلى سوريا أو تحويل الملف إلى مجلس الأمن، في حين رأت دول أخرى كالجزائر والسودان ومصر والعراق وعُمان ولبنان عكس ذلك، ودعوا لمزيد من الحوار ورفضوا أيّ تدخل عسكري سواء كان عربيا أو أجنبيا في سوريا.
ولمّا فشلت خطّة الحرب الخليجية على سوريا ثم خطة التدويل، عادت قطر وأخواتها لتسويق فكرة اليَمْنَنَة أيّ حل الأزمة السورية، وفقا للمبادرة الخليجية لحل أزمة اليمن، أي تفويض الرئيس الأسد صلاحياته لنائبه فاروق الشرع، وتكوين حكومة إئتلاف وطني، وكتابة دستور جديد والتحضير لإنتخابات رئاسية وبرلمانية.
وقد ردّت سوريا على لسان وزير خارجيتها وليد المعلّم على مبادرة الجامعة بالرفض كونها إعتداء على سيادتها وأكّد المعلم على إستمرار الإصلاح والمعالجة الأمنية ضد المجموعات المسلحة كما وافق على التجديد بشهر آخر للبعثة العربية.
عَمَى الأقوام: نعم بعض العرب يلدغون من الجحر مرات ومرات
يبدو أنّ بعض العرب مُصابين بعمى مزمن وجماعي يمكن أن نسميه عمى الأقوام أو عمى الشعوب، كونه يمسّ مجموعة من الناس لا يجمعهم إحساس ولا يقيمون وزنا لرابطة دين ولا تاريخ ولا لمصير مشترك حتى نسميهم شعبا أو أمّة، ليس لهم بَوْصَلة تقودهم ولا هدف يجمعهم كلُّ يغني على ليلاه، تقودهم المصالح الضيقة والآنية، ولا يرى أحدهم أبعد من أنفه، يُخطؤُون ويكرّرون نفس الخطأ مرّات ومرّات دون ملل ولا تساؤل. إنّهم يمثلون ظاهرة غريبة، فهم جماعات بلا ذاكرة، لا يأبهون لما يدور من حولهم وفي محيطهم، ولا يفكرون كيف سيكون مستقبل بلدانهم ولا منطقتهم، قراراتهم إنفعالية، حمائم مع الخارج وكواسر مع بني جلدتهم، يَصْدق فيهم المثل القائل يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه.
– لدغة أولى: لقد ظن أغلب الملاحظين والمتابعين للشأن العربي أنّ الأمور ستتغير بعد النتائج التي توصّل إليها الخبراء الخليجيون خلال مؤتمر المنامة حول تحديات الأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج، والذي خلُص إلى ضرورة الإعتماد على الذات ونبذ الإعتماد على الخارج، وإلى إعتبار الحرب على العراق خطأ فادح، لكن ما راعنا إلاّ ونفس اليد العربية تصر على أن تدخل نفس الغار الذي لدغت منه من جديد، وهو طلب الإعتماد على الخارج. فقد أجاب سعود الفيصل لمّا سأله الوزير العراقي هوشيار زيباري عما يريده بالضبط، أجابه الفيصل أنّه يريد أخذ الملف السوري إلى مجلس الأمن. والمفارقة هنا أنّ الذي دعا إلى عدم الإعتماد على الخارج ليس إلا الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أما الذي دعى إلى الإستعانة بالخارج لا يعدو أن يكون أخاه الأمير سعود الفيصل، ألا يبدو الأمر غريباً ومحيّراً فعلاً؟ إذاً ما جدوى الأموال التي تصرف على مراكز البحوث والباحثين وعلى المؤتمرات؟ أليست لبناء خطط للمستقبل وتجنب أخطاء الماضي؟ أمن المعقول أن نُلقي بكل شيء عرض الحائط لمجرد رغبة للثأر بسبب أنّ رئيسا نعت آخرين بالمستعربين وبـ”أنصاف الرجال”، أبسبب ذلك نشن الحروب وندمّر البلدان ونذبح الشيب والولدان؟ عـجـبـي!
– لدغة ثانية: الجميع يتذكر ما فعلته لجان التفتيش أو تقصي الحقائق في العراق، زُوّرت إرادتها وتقاريرها لتبرير شن الحرب. أنريد للجان تقصي الحقائق بسوريا أن تفعل الشيء نفسه؟ فعوض أن يكون تقريرها حول سوريا، والذي كان إيجابياً، مؤشرا لحسن نوايا وتدشيناً لمرحلة جديدة لبناء الثقة، يريد بعضهم تحويله إلى مشكل ودليل إدانة، وبعد أن كان من الممكن أن يكون حلاً لأنه لم يفتح بابا لإستمرار الضغط والتوتر، أعلنت السعودية سحب ممثليها من البعثة.. عجبي!
– لدغة ثالثة: الدماء التي سفكت في ليبيا لم تبرد بعد. والنتائج ماثلة حية والبلد عوض أن يتحول إلى جنة خضراء تحول إلى جهنم حمراء، أتريدون أن نرى ما حصل في ليبيا يحصل مرة أخرى في سوريا؟ تعالوا نرى نتائج ذلك في واقع ليبيا اليوم: ففي الأيام القليلة الماضية قامت صراعات مسلحة في طرابلس ومدن أخرى بين ميليشيات الثوار أفرز عن مقتل وجرح العشرات، وهذا أصبح أمرا يوميا وقد تطورت الأمور فتحول الثوار إلى لصوص هاجموا الحدود التونسية وأصابوا رئيس دورية حرس حدود تونس وسرقوا سيارات حكومية. أما المجلس الإنتقالي فقد أصبح يقيم إجتماعاته في أماكن سرية بعد أن هاجم محتجون مقرّه في بنغازي وطالبوا أعضاؤه بالإستقالة، كما هاجم الطلاب بجامعة بنغازي نائب رئيس المجلس عبد الحفيظ غوقة ووصفوه بالمتسلق والإنتهازي وطالبوا بتنحّيه وأُجبر على الإستقالة التي قدمها إلى المجلس مؤخراً، كما دعا معتصمون إلى إستقالة الحكومة، وقد حذّر رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل من إنزلاق البلاد إلى حرب أهلية، حيث قال أنّ البلاد أمام خياران كلاهما مرّ، فإمّا ترك الحبل على الغارب للمجموعات المسلحة تعيث في البلاد فساداً، وإمّا مواجهتها بحزم مما قد ينتج عنه حرب أهلية. وقد إزدادت الأمور تعقيدا بعد سيطرت قبائل ورفلّة الموالية للقذافي على مناطق بالجنوب خاصة بمنطقة بني الوليد وهناك تكهنات بتفجّر الوضع بليبيا وسقوط المجلس الإنتقالي.
مع العلم أنّ لا أحد الآن من “الأصدقاء” الذين حركوا الفتنة، سواء من العرب أو من العجم، حرك ساكنا حيال ما يحدث في ليبيا في حين تنهب الشركات المتعددة الجنسيات ثروات البلاد. هذه بعض الصور لما يحدث في بعض الأماكن من عالمنا العربي المنكوب، ولما يريده بعضهم أن يحدث في سوريا. والآن أيّ واحدة من الجحور التي ذكرت يراد للسوريين أن يُلدغوا منها؟ عـجبـي!
السلطة والمعارضة السورية: ما حكّ جلدك إلاّ ظفرك
والآن وبعد كل ما تقدم من شهادات وبراهين وأمثلة وسناريوهات وقع تجسيدها على الواقع في بعض البلدان العربية، نسال فرقاء الأزمة السورية أيّ من السيناريوهات المدمرة يريدون؟ ولكن قبل ذلك ليتأكّد أهلنا في سوريا أنّه عندما تسيل دمائهم في حرب لا رابح فيها، تأكّدوا أنه لن تنتطح في ما سيحصل في بلادكم عنزان، سيلتزم آباء اللهب وكل من ساعدهم في حمل الحطب وإشعال الفتنة والإقتتال بدياركم بالهدوء، وستصبح فتنة سوريا وضحاياها مادة للإعلام والنشرات الإخبارية، وسيتبوّأ العرب مكانهم أمام شاشات التلفاز يتفرجون، وعوض أن تنطق أفواهم بالحق سيستعيضوا عن ذلك بتحريك أجداقهم بقزقزة اللب والمكسرات، وسيتحدثون عن حوادثكم المؤلمة وهم ينفخون في الأراجيل، أمّا أولياء الأمر من العرب وبعد أن تبلغ الفتنة غايتها ويتقاتل الأهل سيقولون أنّهم لا يريدون أن يتدخلوا في الشأن الداخلي لسوريا وأنّ أهل مكة أدرى بشعابها وسيتركونكم وبلدكم غارقين في الفوضى، لذلك هناك فرصة تاريخية أمام الجميع، النظام والمعارضة ليرتبوا البيت السوري قبل أن تقع الفأس في الرأس وتقولون يا ريت اللي جرى ما كان.
في الأول، لابدّ من تحديد الأطراف التي ستتحاور فلا نعتقد أنّ ما يسمى الجيش الحر والعصابات المسلحة طرفا في معادلة الحوار، فلا يمكن لمن يقطع الطرقات ويكسر الممتلكات العامة ويفجر أنابيب الغاز من أملاك الشعب ويقتل المارة والموظفين أن يكون جزءا من ذلك، كما على الجميع أن ينبذوا التدخل الخارجي بمختلف أشكاله، على الجميع ان يقولوا لتركيا إهتمي بشؤونك وأوقفي قتل الأكراد، وإلى مشائخ الخليج إبنوا البرلمانات والديمقراطية في بلدانكم قبل الحديث عنها في بلدان غيركم فـ”فاقد الشيء لا يعطيه”، وكذلك يجب على كل الأطراف السعي الى إفشال كل المخططات التي تُحضّر على كل حدود سوريا من تركيا الى لبنان مثل وجود الفرق الخاصة التي تُدرّب المجموعات المسلحة، وجلب مسلحي ليبيا لقواعد تركية أو لبنانية وغيرها من الخطط الشيطانية التي لا ترمي إلاّ لشيء واحد هو إشعال نار الحرب، وحتى المبادرة العربية التي طرحت زادت في الخلافات، فهذا هيثم مناع أمين سر الخارج في هيئة التنسيق للتغيير الوطني والديموقراطي يدعو الى حكومة تكنوقراط على الطريقة التونسية، رغم أنّ ذلك لم يحصل في تونس، فرئيس الدولة المؤقت كان من الحزب الحاكم والوزير الاول كذلك، وحتى الذي خلفه كان من النظام كذلك، الى حدود قيام الانتخابات، وهذا يدل أنّ بعض المعارضة تستقي معلوماتها من الصحافة المُوجهة دون التثبت من صحتها. كما أعرب “الإخوان المسلمين” في سوريا، أنهم مستعدون لدراسة المبادرة الخليجية لكن يبدو أنّ الاخوان الذين يتحركون ضمن فضاء اكبر يعمل ضمن استراتيجية خارجية اوسع لن يسمح لهم بأيّ خطوة تجاه النظام السوري، في حين لوّح المجلس الوطني لبرهان غليون بنقل الملف الى الامم المتحدة أما الاتحاد الأوروبي فليس أمامه حلول جديدة، إلا مزيد من التحريض والعقوبات الاقتصادية. هذه هي كل المفاصل والتعقيدات للحالة أو الازمة، وكما يبدو فلا حلّ لها إلاّ بالحوار الداخلي أمّا الحرب فهي حصان خاسر لكل من سيراهن عليها لأنها ببساطة حرب مُدبرة وغبية ولا رابح فيها إلا أعداء الشعب السوري وستكون تداعياتها خطيرة على مستقبل سوريا والمنطقة برمتها.
لا نريد ان يطل علينا احد العرابين ليقول لنا في يوم من الايام، للأسف كانت حربا خاطئة، وخطوة غير مدروسة، ولا نريد أن نرى الحالمين بالكراسي يُضربون بالجزم والأحذية كما يحصل الآن في ليبيا لأعضاء المجلس الوطني، ولا نريد أن تتحول شوارع سوريا عروس الشام الى أكوام من الدمار والخراب لا قدر الله.
لأهلنا في سوريا نقول توحدوا تحت سقف سوريا، كما عهدناكم، ولا تكونوا بيادق وألعوبة في أيادي لا تَكنّ لكم إلا الحقد الأعمى ولا تسمحوا للذين خططوا لاشعال الفتنة بينكم ودبّروا لقيام الحروب المؤذنة بخراب عمرانكم أن يقودوكم إلى هلاككم، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
وأما غربان الشؤم نقول لهم: صه، كفُّوا عن نعيقكم الذي ملأ آفاق حياتنا ولم يُخلّف إلا الدمار والبوار، أتركوا شعوبنا تبذر الخير وتعود كتلة واحدة متآلفة كما كانت سيرتها الأولى، ولا تنسوا أنّ الأيّام دُولُ، هذه أيّام لكم لكن لا تنسوا أن تنتظروا الأيّام التي عليكم. وقتها ستدفع الشعوب ما تقدم من ذنبها وما تأخر.
Leave a Reply