واشنطن – أصدر رئيس «لجنة الأمن القومي والشؤون الحكومية» في مجلس الشيوخ الأميركي –السناتور غاري بيترز– تقريراً يكشف عن مدى تضخّم نظام فحص المسافرين عبر المطارات والمنافذ الحدودية في الولايات المتحدة الذي يتمحور حول قوائم مراقبة الإرهاب، موصياً بإصلاح النظام لتخفيف الأعباء على المسافرين الذين لا يشكلون خطراً على أمن البلاد، ولوقف هدر الموارد التي يجب أن تخصص لمكافحة الإرهاب والتهديدات الأمنية الحقيقية.
ووفقاً لنتائج التقرير، الذي اطلعت عليه «صدى الوطن»، هناك ما لا يقل عن 22 آلية مختلفة قد تؤدي بالأميركيين إلى الخضوع لفحص مشدد في المطارات وموانئ الدخول الأخرى لأسباب «لا تتعلق جميعها بالأمن»، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى حرمانهم من السفر، وذلك من دون أن تضع الولايات المتحدة في الاعتبار تأثير تلك السياسات على أفراد أو مجتمعات أكثر من غيرها.
وخلص السناتور الديمقراطي عن ميشيغن إلى أن الحكومة الفدرالية أنشأت نظام فحص غامضاً ومعقداً ومتعدد الأغراض ما يحول دون تفسيره بشكل صحيح من قبل الوكالات الفدرالية، فضلاً عن افتقاده للآليات التي تمكّن المواطنين الأميركيين من معرفة أسباب إخضاعهم للفحص المشدد (الإضافي)، وكذلك كيفية حصولهم على التعويضات المناسبة في حال تعرضهم للأضرار المادية والنفسية من جراء تلك الفحوص.
ولفت التقرير إلى أن بعض المجتمعات الأميركية، بما فيها المجتمعات العربية والإسلامية ومجتمعات جنوب آسيا، يتم –على وجه الخصوص– استهدافها بشكل غير عادل، مضيفاً بأن الوكالات الفدرالية لا تقوم في العادة بتقييم وتوثيق الممارسات التمييزية التي تعتري عمليات الفحص «بشكل فعّال».
وحدّد التقرير جملة من الإصلاحات المقترحة لتعزيز الأمن القومي عبر تعزيز وغرس الثقة في إجراءات التفتيش الحكومية، داعياً إلى مزيد من الوضوح والشفافية خلال تطبيق تلك الإجراءات، إلى جانب تفعيل عمليات «التظلم» التي تسمح للأميركيين المتضررين، ممن يعلقون في ذلك النظام عن طريق الخطأ، بالبحث عن علاج ناجع.
في الإطار، قال السناتور بيترز: «بينما تواصل الوكالات الفدرالية العمل بجد لحماية أمننا القومي والحفاظ على سلامة المسافرين، فمن الأهمية بمكان أن نفعل ذلك بطريقة فعالة تدعم الحريات المدنية في بلدنا»، منوهاً بأن التقرير يتناول العمليات المعتمدة حالياً لحماية أمتنا من التهديدات الإرهابية وغيرها من التهديدات في المطارات وموانئ الدخول الأخرى.
وذكر بيترز بأن التقرير أوصى بتحسين تلك الممارسات من أجل حماية المجتمعات المتنوعة، التي يشعر أفرادها بأنهم يتعرضون للمضايقات دون داعٍ، في ولاية ميشيغن وفي جميع أنحاء البلاد، عبر تعزيز الشفافية وبناء الثقة في «أن ممارساتنا تتوافق مع التهديدات»، على حد تعبيره.
ولاقى التقرير ترحيباً واسعاً في الأوساط الحقوقية والمدنية في الولايات المتحدة، حيث أكد المدير الوطني لـ«اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز» (أي دي سي) عبد أيوب بأن المجتمعات العربية الأميركية عانت لفترات طويلة جداً من تجارب السفر المنهكة دون فهم كاف لأسباب إخضاع الكثير من أفرادها لإجراءات الفحص المشددة، مؤكداً بأن الافتقار إلى الشفافية في قائمتي حظر السفر ومراقبة الإرهاب ساهم في استهداف «مجتمعنا» بشكل مباشر.
وأعرب أيوب عن شكره لجهود اللجنة، وعلى رأسها السناتور بيترز، لالتزامه بتعزيز الشفافية، معرباً عن تطلعه إلى تنفيذ التوصيات التي قدمتها اللجنة، وكذلك عن استعداد منظمته للمساعدة بجميع الطرق الممكنة.
من جانبها، أوضحت راشيل ليفنسون والدمان، من «مركز برينان للعدالة»، بأن نظام قوائم المراقبة بحاجة ماسة إلى المراجعة، منوهة بأن جهود اللجنة الرامية إلى تكريس الشفافية وجمع البيانات والرقابة ستكون حاسمة لضمان أن تكون قوائم المراقبة وبرامج فحص المسافرين مناسبة وفعالة وخالية من التحيز.
ورحبت والدمان بما أسمته «التقرير المهم» الذي يسلط الأضواء على السرية والظلم الناجمين عن قوائم المراقبة وقواعد الفحص الأميركية. وقالت يكشف هذا التقرير عن النمو الهائل في قوائم المراقبة الغامضة، كما يميط اللثام عن انتشار آليات الفحص المتنوعة التي يمكن أن تنتهك الحقوق والحريات المدنية الأميركية.
نظام غامض ومعقد يستهدف العرب والمسلمين بشكل خاص
مديرة «مشروع الأمن القومي» لدى منظمة «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية»، هينا شمسي، أشارت إلى أن المجتمعات وجماعات حقوق الإنسان قامت على مدار عقود من الزمن بتوثيق حوادث التمييز في تلك البرامج، غير أنها فشلت بشكل ذريع في تصحيح الآليات أو حتى توفير الشفافية في عمل الوكالات الفدرالية، بما فيها وزارة الأمن الوطني، ناهيك عن فشلها في فرض آليات «التظلم» المجدية ضد قوائم المراقبة أو إجراءات الفحص غير المشروعة.
وأضافت شمسي: «بفضل السناتور بيترز وأغلبية الموظفين في لجنة الأمن القومي والشؤون الحكومية، اتخذ الكونغرس خطوة استشرافية، ونحن نتطلع إلى إجراء إصلاحات ضرورية وتحقيقات كاملة ذات مغزى».
نتائج وتوصيات
وكان تقرير بيترز قد خلص إلى جملة من النتائج الرئيسية، من بينها:
– يوجد ما لا يقل عن 22 آلية معتمدة قد تفرض على الأميركيين الخضوع لإجراءات فحص إضافية في المطارات والمنافذ الحدودية الأخرى، لأسباب قد تكون مستمدة من قوائم مراقبة الإرهاب أو مرتبطة بتدابير الوكالات الأمنية الأخرى، أو وفقاً لتقديرات ضباط الفحص الأولي.
– زاد حجم قوائم مراقبة الإرهاب بشكل كبير منذ إنشائها في عام 2004، حيث ارتفع العدد من 150 ألف شخصاً إلى زهاء 1.8 مليون في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2022. ومع ذلك، فإن وكالات إنفاذ القانون، مثل «إدارة أمن النقل» (تي أس أي) ووكالة «الجمارك وأمن الحدود» (سي بي پي) تقوم بفحص المسافرين تحت بنود أخرى، ولأسباب متعددة، من دون أن تقوم السلطات التنفيذية بتقييم شامل لمعرفة ما إذا كانت تلك البرامج تسفر عن حوادث تمييز ضد أفراد أو جماعات محددة.
– عملية التظلم ليست شفافة، إذ لا يزود برنامج الاستعلام عن تعويضات المسافرين التابع لوزارة الأمن الداخلي (DHS TRIP)، الأفراد بمعلومات محدودة حسب أسباب إخضاعهم للفحص الإضافي المشدد، أو ما إذا كانت طلباتهم للحصول على تلك التعويضات ستؤثر على أوضاعهم في قوائم المراقبة، فضلاً عن أن الإجراءات تترك المشتكين دون إعلامهم بنجاح أو فشل طلبات التظلم، إلى جانب تركهم دون فهم لما سيواجهونه في المرات القادمة.
أما التوصيات التي تضمنها التقرير، فقد شملت ضمان المساءلة الكاملة لـ«منظومة قوائم الإرهاب»، التي تتصف حالياً بالغموض وغياب الرقابة. وقد حثّ التقرير الكونغرس الأميركي على مطالبة المفتشين العامين المعنيين بإجراء مراجعة منسقة وشاملة النطاق للنظام بما في ذلك ضمان دقة إدراج الأسماء ضمن القوائم ومراجعة قواعد تبادل المعلومات.
كذلك أوصى التقرير بإصلاح «عملية التظلم»، وقال إنه يتوجب على الكونغرس أن يطلب من وزير الأمن الداخلي تزويده بخطة شاملة لإصلاح تلك العملية بشكل هادف، على أن تتضمن هذه الخطة وجود مسار واضح للمواطنين الأميركيين والمقيمين الدائمين الشرعيين لعدم التعرض لتعسف قوائم المراقبة وعمليات الفحص الأخرى، بشكل يضمن التوازن المطلوب بين الأمن القومي والحريات المدنية.
كما طالب التقرير الكونغرس الأميركي بإنشاء مجلس استشاري يتكون من ممثلين حكوميين وغير حكوميين لتقديم المشورة لوزير الأمن الوطني بشأن تطوير وتنفيذ وتعديل والإشراف على سياسات الفحص والإصلاح المتوافقة مع تطبيق أهداف قوائم المراقبة.
وأوصى التقرير الكونغرس بتوجيه وزارة الأمن الوطني للبدء في تتبع جميع عمليات الفحص الإضافية التي تجريها كل من «تي أس أي» و«سي بي پي» بطريقة منهجية تتضمن أسباب عمليات الفحص، وما إذا كانت تؤثر على أفراد ومجتمعات محددة. كما طالب الوزارة بتقديم تقارير سنوية إلى الكونغرس، من شأنها أن تتضمن تحديد الأعداد الكاملة لعمليات الفحص في كل عام، وتصنيفها حسب أسباب الفحص، والأفراد الذين تم فحصهم، والإشارة إلى ما إذا كانت وزارة الأمن الوطني تكشف عن حوادث التمييز أو التأثيرات غير المتناسبة على أفراد أو مجتمعات محددة.
Leave a Reply