أورايلي يمنع النشر «حماية لمصلحة المدينة» .. ويأمر بطرد محرر مجلة «ديربورن هيستوريان»
ديربورن – «صدى الوطن»
في خطوة جاءت بردود فعل عكسية، قرر رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي مؤخراً منع توزيع أحدث طبعة من مجلة «ديربورن هيستوريان» المملوكة للبلدية، بسبب تضمنها تقريراً تاريخياً عن صلة الرائد الصناعي هنري فورد بترويج الأفكار المعادية لليهود حول العالم.
وكان من المفترض أن يتم توزيع المجلة الفصلية التي تصدر كل ثلاثة أشهر عن اللجنة التاريخية في البلدية، وعلى غلافها صورة التقرير المفصّل بقلم الكاتب الصحفي المخضرم بيل ماكغرو بعنوان «هنري فورد واليهودي الدولي»، قبل أن يقرر أورايلي منع التوزيع وفصل ماكغرو من منصبه كمحرر للمجلة.
وفي مقابلة مع ناشر صحيفة «صدى الوطن» أسامة السبلاني، أكد ماكغرو أنه كتب التقرير المكون من 10 صفحات بمناسبة الذكرى المئوية لشراء هنري فورد للصحيفة الأسبوعية «ديربورن إندبندنت»
The Dearborn Independent في العام 1919، والتي استخدمها لنشر مقالات معادية للسامية، كانت بمثابة النسخة الأميركية لـ«بروتوكولات حكماء صهيون».
وأكد ماكغرو أن «ما يحدث في العالم اليوم من تنامي معاداة السامية… وما حدث في مدينة بيتسبرغ في أكتوبر الماضي (مجزرة الكنيس اليهودي)»، دفعه إلى كتابة التقرير في هذا التوقيت، مؤكداً أنه من المهم جداً معرفة أن هذا التاريخ ما زال يؤدي دوراً كبيراً بين المتطرفين عبر الإنترنت، وقال: «إذا كانت ديربورن ستفتخر بهنري فورد، فعلينا أن ننظر إلى الصورة كاملة».
وأوضح أن المؤرخين عادة ما يتغافلون عن الجانب المظلم من تاريخ هنري فورد، ولكنه وجد أنه من الضروري الإضاءة عليه «لأن أفكاره المعادية للسامية أكثر من مجرد آراء شخصية».
وبحسب ماكغرو، لم يكتب فورد (1863–1947) بنفسه محتوى معاداة السامية المنشور في الصحيفة، لكنه قام بإسناد تلك المهمة إلى مساعديه الذين قاموا لاحقاً بتجميع المقالات ونشرها في كتاب من أربعة مجلدات بعنوان «اليهودي الدولي… أكبر مشكلة تواجه العالم».
وفي السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، تمت ترجمة الكتاب إلى 12 لغة، ووزع في أميركا وأنحاء العالم ولاسيما في أوروبا حيث كان الفكر النازي قد بدأ بالصعود في ألمانيا.
وقال ماكغرو لـ«صدى الوطن» إن الزعيم النازي أدولف هتلر تأثر بلا شك بمواقف هنري فورد الذي كان أحد أشهر الشخصيات العالمية في عشرينات القرن الماضي بفضل إنجازاته الصناعية. ولفت إلى أن فورد، كان الشخصية الأميركية الوحيدة التي ذكرها هتلر في كتابه «كفاحي»، كما كان الزعيم النازي يحتفظ بصورة لفورد على مكتبه في برلين، وفقاً لماكغرو.
ويرى الصحفي، الذي عمل لمدة 37 عاماً في صحيفة «ديتروت فري برس»، أن ما نشره فورد في «الاندبندنت» الديربورنية، «بتحميل اليهود مسؤولية كل مشاكل العالم» لازال يتم تداوله على نطاق واسع بين مجموعات الكراهية على الإنترنت.
ولفت ماكغرو إلى أن هنري فورد كان يؤمن بشكل عام بأن اليهود يتآمرون للسيطرة على النظام المالي في العالم وأيضاً على العديد من المجالات الحيوية في المجتمع الأميركي مثل تجارة الكحول وأفلام هوليوود وموسيقى الجاز وحتى لعبة البيسبول، وفقاً لماكغرو.
المنع
أثار قرار رئيس بلدية ديربورن منع توزيع المجلة التاريخية التي انضم إليها ماكغرو في أيار (مايو) الماضي، اهتمام وسائل الإعلام الأميركية بما فيها صحيفة «نيويورك تايمز»، وذلك بعد نشر التقرير كاملاً على موقع «ديدلاين ديترويت» الإلكتروني الذي أسسه ماكغرو نفسه قبل سنوات قليلة.
ولم يبادر رئيس بلدية ديربورن إلى التعليق شخصياً على الموضوع لوسائل الإعلام، مكتفياً بالرد ببيان أصدرته البلدية الجمعة الماضي، وأفاد بأن نشر آراء فورد العدائية في هذا التوقيت قرار غير مسؤول، بالنظر إلى التنوع الإثني الذي تحتضنه مدينة ديربورن اليوم.
وأضاف البيان أن تقديم معلومات محملة برسائل الكراهية منذ 100 عام، بدون سبب مقنع يرتبط بالأحداث الحالية في ديربورن، يمكن أن يضر برسائلنا المستمرة حول الشمولية والاحترام» في المدينة.
مديرة قسم العلاقات العامة في البلدية، ماري لاندروش، أكدت بدورها، أن أورايلي منع توزيع المجلة من باب تحمله المسؤولية تجاه تأثير جميع الرسائل التي يتم نشرها عبر منشورات البلدية، مشيرة إلى أن التقرير يحتوي رسائل تتناقض مع صورة ديربورن كمدينة حاضنة للتنوع.
وأضافت أنه بسبب المخاوف من الرسائل المفعمة بالكراهية ولأن التقرير غير مرتبط بأية أحداث حالية في ديربورن، «لم يكن هناك سبب مقنع للنشر في الوقت الحالي»، على حد قولها.
وأوضحت بأن كل دائرة في مدينة ديربورن تركّز على مجال اهتمامها، «بما في ذلك، المتحف التاريخي، الذي يريد بالطبع الحصول على معلومات دقيقة تاريخياً، ولكن رئيس البلدية أيضاً يتحمل مسؤولية حماية مصلحة المدينة بأكملها، وليس المتحف أو المجلة فحسب».
وفي تصريح لصحيفة «ديترويت نيوز»، أكد أندرو كيرشر، كبير أمناء متحف ديربورن التاريخي، على دقة محتوى التقرير، ولكنه أبدى في المقابل تفهمه لموقف رئيس البلدية بسبب «الغلاف الاستفزازي» للعدد، الذي جاء على صفحته الأولى اقتباس نشر في صحيفة «ديربورن إندبندنت» –دون أن يُنسب إلى فورد مباشرة.
وأوضح كيرشر أن الكلام المقتبس «كان مضلِّلاً بعض الشيء، ولكنه كان دقيقاً»، لافتاً إلى أن هنري فورد لم يكتبه بنفسه غير أنه بلا شك أشرف عليه.
ويقول الاقتباس الذي جاء على الغلاف إلى جانب صورة لهنري فورد: «اليهود عرق ليس له حضارة يمكن الإشارة إليها، ولا دين ملهم، ولا إنجاز عظيم في أي مجال».
دعوة للتراجع
وفي 31 كانون الثاني (يناير)، أصدر أعضاء لجنة ديربورن التاريخية قراراً بدعم كل من المقال وماكغرو، ويطلب من رئيس البلدية السماح بتوزيع المجلة بواسطة البريد.
وبعد التأكيد على إنجازات هنري فورد وشركة فورد الرائدة في صناعة السيارات، قالت اللجنة في بيان «إننا نؤمن بأن تذكّر تاريخ مدينتنا ومناقشته يخدم غرضاً حيوياً جداً»، لافتة إلى أن «تذكّر التاريخ ليس دائماً مهمة سهلة أو ممتعة».
وأضاف البيان أن أفكار الكراهية التي نشرتها الصحيفة التي اشتراها فورد قبل قرن من الزمن «لا تزال تستفيد من ارتباطها باسم هنري فورد»، و«هذه الأفكار لا تزال تؤذي الناس. لهذا السبب من المهم جداً أن نتذكر ونناقش التاريخ».
وتابع قائلاً «إذا كنا نتحدث فقط عن أجزاء من الماضي التي تجعلنا نشعر بالرضا أو الفخر، ونهمل الحديث عن الأجزاء التي قد تسبب لنا التفكير أو التواضع، فعندئذ ما نفعله ليس تأريخاً – إنه شيء آخر».
وختم البيان بالقول «نحث رئيس البلدية على إعادة النظر في قراره والسماح لموظفي المتحف بتوزيع المجلة. ونحثه أيضاً على السماح للمتحف بحرية متابعة واجبه تجاه الحقيقة التاريخية، بما في ذلك الأجزاء غير المريحة».
وتأكيداً على دعم محتوى تقرير ماكغرو حث البيان الجميع على قراءته عبر موقع «ديدلاين ديترويت»، حيث «كتب ماكغرو مقالة استثنائية، ونحن في لجنة ديربورن التاريخية نفخر بالوقوف وراءها».
وكان رئيس اللجنة التاريخية في ديربورن، جوناثان ستانتون، قد أكد أنه في حين أن دورية «ديربورن هيستوريان» هي منشور تموله البلدية، إلا أنه «منشور تاريخي، وليس منشور علاقات عامة».
وقال: «حتى لو نظرنا الأمر من زاوية العلاقات العامة فإن القرار لا يزال خاطئاً»، مشيراً إلى أن القرار أدى إلى تغطية سلبية واسعة للمدينة في مقالات نشرت في جميع أنحاء العالم.
فصل ماكغرو
قال ماكغرو لـ«صدى الوطن» إن قرار فصله صدر إما عن رئيس البلدية أو عن مدير المتحف جاك تايت.
غير أن لاندروش نفت أن يكون أورايلي هو من قرر طرد ماكغرو من وظيفته كمحرر لـ«ديربورن هيستوريان»، مشيرة إلى أنه ليس موظفاً في البلدية، إنما هو متعاقد مع «متحف ديربورن التاريخي»، وأن قرار إنهاء عقده صدر من قبل مدير المتحف.
وأضافت أن الاتفاق مع ماكغرو كان ينص على السماح بإنهاء عقده في أي وقت، وقد قرر تايت فعل ذلك.
وفي تقرير لصحيفة «ديترويت نيوز»، قال كيرشر –كبير أمناء المتحف– إن أورايلي هو من أمر تايت بإنهاء عقد ماكغرو.
وفي السياق أشار ماكغرو إلى أنه لم يتحدث إلى أورايلي مباشرة حول الموضوع. وقال «لم أسمع من رئيس البلدية على الإطلاق، لكنني أعتقد أنه رئيس بلدية عظيم وأن ديربورن مجتمع عظيم وهو يؤدي دوراً هادئاً».
وختم بالقول «أنا فخور بديربورن، ولو تم نشر هذا المقال، لكان شيئاً إيجابياً للمدينة».
يشار إلى أن المجلة كانت ستوزع عبر البريد فقط لأعضاء متحف ديربورن التاريخي وعددهم حوالي 230 مشتركاً، إلا أن منعها أدى إلى الحصول على تغطية إعلامية واسعة.
وحول ما إذ كان نشر التقرير قد أثار غضب المسؤولين في شركة «فورد»، قال ماكغرو لـ«صدى الوطن» إنه يستبعد ذلك، لأنه حرص على ذكر الجهود الحثيثة التي بذلتها الشركة والعائلة منذ وفاة هنري فورد لمصالحة المجتمع اليهودي.
إطلالة على التاريخ
يعتبر رائد صناعة السيارات في العالم، أحد أبرز الشخصيات المناهضة لليهود الذين ناصبهم العداء المعلن معظم حياته، مؤمناً بخطورتهم على العالم أجمع، لدرجة أنه اشترى جريدة «ديربورن اندبندنت»، لنشر وتعميم آرائه المعادية للسامية وفي مقدمتها نشر وتوزيع «بروتوكولات حكماء صهيون» بنسختها الأميركية ابتداء من العام 1920.
وعبرت الصحيفة الديربورنية التي أغلقها فورد تحت الضغوط عام 1927، عن نظرة معادية للسامية من خلال تبني بروتوكولات حكماء صهيون وإبراز نظرية أن اليهود بدأوا خطتهم للسيطرة على أميركا منذ قدوم كريستوفر كولومبوس إلى العالم الجديد عام 1492.
وبرغم أن فورد أغلق الصحيفة وسحب الكتاب من التداول واعتذر لمجتمع اليهود في أميركا والعالم، إلا أن مواقفه أعيدت إلى الواجهة مجدداً عندما قام رجل الدين المسيحي المتشدد جيرالد سميث بإعادة طبع الكتاب بمقدمة جديدة ذكر فيها أنه وزوجته زارا هنري فورد الذي نفى له اعتذاره لليهود وكشف له أن الوثيقة التي حملت توقيعه على الاعتذار زوّرها أحد مساعديه في شركة «فورد».
ويؤكد العديد من النقاد أن «بروتوكولات حكماء صهيون» ما هى إلا انتحال أدبي لكتاب «حوار في جهنم» بين ميكافيلي ومونتسكيو، والذي ألفه الكاتب الفرنسي موريس جولي ونُشِرَ في بروكسل عام 1864، ويقصد به نابليون بونابرت. ويُقال أن النص تم تطويره لاحقاً في عهد روسيا القيصرية ثم أعيد نشره بعد الحرب العالمية الأولى في عدد من البلدان –بينها الولايات المتحدة– بهدف تأجيج العداء لليهود. في المقابل هناك من آمن –مثل فورد– بأن خطورة البروتوكولات لا تكمن في مصداقيتها ولكن في تطابقها مع الأحداث الواقعية.
Leave a Reply