سليمان اطلق تصريحات تؤكد على امتزاج دماء المقاومة والجيش
اغتيال فرنسوا الحاج تزامن مع الحديث عن تغيير عقيدة الجيش
لبى قائد الجيش العماد ميشال سليمان ما وعد والتزم به، بإجراء تحقيق سريع وغير متسرع في احداث الشياح-مار مخايل، كما تمنى الرئيس نبيه بري عليه، وصدر تقرير اولي ميداني عن لجنة التحقيق العسكرية التي شكلتها قيادة الجيش برئاسة العميد احمد قاسم نائب مدير غرفة العمليات، حيث استمعت الى اقوال مئة ضابط ورتيب وعسكري، كانوا على الارض اثناء حصول التظاهرة العفوية التي نظمها بعض المواطنين من مناطق واحياء الضاحية الجنوبية بشأن انقطاع الكهرباء، وما حصل خلالها وبعد مقتل احد مسؤولي حركة «امل» احمد حمزة، ثم كيف تطورت الاوضاع الامنية وصخب الاحتجاجات الشعبية، والظروف التي ادت الى سقوط سبعة شهداء في اوقات متفاوتة وخلال ست ساعات.
خرج التحقيق الميداني بتقرير اوصى بتوقيف ثلاثة ضباط ورتيبين وستة عسكريين، ويتوقع ان يرتفع عدد الموقوفين على ذمة التحقيق، الذي لم ينته كلياً وتبين من الاستجوابات الاولى، للعسكريين، وبعض الشهود، ومشاركين في التظاهرة، ومن الجرحى، بأن ستة من الشهداء سقطوا برصاص مباشر اطلق عليهم من اسلحة نارية (بنادق ام-16) يستخدمها الجيش، وقد كشف الاطباء الشرعيون على الجثث وخلصوا الى ان الاصابات كانت من مسافة قريبة جداً، لا تتعدى المترين او اكثر قليلاً، ولم يقتلوا برصاص القنص من اسطح البنايات، لان الرصاص اخترق الصدور، ولم يأت من اعلى الى اسفل، وهذا ينفي وجود قناصة، وان ظهور عناصر من «القوات اللبنانية» والكتائب كان في بعض الاحياء والشوارع الداخلية.
فالتقرير يتوجه الى مسؤولية تقع على عسكريين، دون ان يحددها ، والظروف التي حصل فيها اطلاق النار، والوضع الذي كانت عليه الوحدات العسكرية، اذ ثمة روايات متناقضة، يذهب بعضها الى الحديث عن ان عناصر من الجيش كانت في حالة الدفاع عن النفس، وان محاولات جرت لتجريدهم من سلاحهم والاستيلاء على آلياتهم العسكرية، لا سيما بعد سقوط حمزة قتيلاً، حيث اظهر التحقيق انه اصيب برصاصة رشاش «كلاشينكوف» وهو سلاح لم يكن مع العسكريين، حيث ما زال التحقيق مستمراً، لمعرفة من اين حصل اطلاق النار ومن اطلقه، بعد ان تم العثور على رشاش «كلاشينكوف» مستخدما في مكان قريب من اصابة حمزة .
ومن الروايات التي يدقق فيها التحقيق، بأن القتل كان عمداً، وان الضباط المسؤولين الذين كانوا في موقع الحادث، لم يتصرفوا بحكمة ومسؤولية، وواجهوا غضب المتظاهرين بالرصاص، وتعاملوا معهم بقسوة، وان بعض الشهداء الذين سقطوا لم يكونوا في عداد المتظاهرين، فأحدهم قتل في مكان قريب من عمله (احمد العجوز)، وان مسعفين هما مصطفى امهز وجهاد منذر، قتلا اثناء تأدية واجبهما الانساني، وان القتلى الآخرين، لم يكونوا في مواقع تفرض تعرضهم للرصاص.
لذلك بدأ القضاء العسكري بجمع كل المعلومات من جهات عدة، اولها تقرير اللجنة العسكرية، التي احالته الى قائد الجيش الذي رفعه بدوره الى قضاة التحقيق العسكري، لإصدار قرارهم الظني، وهو ما ينتظره الرئيس بري والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله واهالي الشهداء الذين اعتبروا التقرير خطوة اولى ايجابية، تبقى القضية في خواتيمها التي سيعلن القضاء رأيه فيها ويصدر حكمه حولها.
وقد ساهم صدور التقرير عشية مرور اسبوع على الاحداث، في تنفيس الاحتقان السياسي والشعبي، وتم لجم حالات الغضب في صفوف اهالي الشهداء واصدقائهم، وقد تم التعامل مع الجريمة من قبل القوى السياسية المعنية وتحديداً حركة «امل» و«حزب الله» ومعهما المعارضة، بكثير من الحكمة والروية، لان ثمة حرص على المؤسسة العسكرية والحفاظ على وحدتها واعتبارها خطاً احمراً، وهو ما عبّر اكثر من قيادي معارض، لانها الضامن للسلم الاهلي، ولا يوجد قرار ضد الجيش الذي اكدت المعارضة، ان لا مشكلة معه او مع قيادته، بل مع بعض ضباطه اذا اخطأوا، وعليهم تحمل المسؤولية التي على التحقيق القضائي ان يحددها.
فالتحقيق هو لصون المؤسسة العسكرية وليس لضربها كما روّج الفريق الحاكم، الذي رأى في احداث الشياح، محاولة من المعارضة للقضاء على هذه المؤسسة، بعد اقفال مجلس النواب، وتعطيل الحكومة، وافراغ رئاسة الجمهورية، وان الهدف في هذه المرحلة، هو القوى العسكرية والامنية، منذ اغتيال اللواء فرنسوا الحاج، ثم اغتيال الرائد وسام عيد من فرع المعلومات التابع لقوى الامن الداخلي، لكن المعارضة ترد على هذه الاتهامات بالاشارة الى ان قوى 14 شباط تسعى منذ فترة بعيدة الى استخدام الجيش لقمع المعارضة، وادخاله طرفاً في الصراع، لكنها فشلت، ولم تدخل قيادة الجيش في لعبتها منذ ان قرر العماد سليمان ان يبقي المؤسسة العسكرية بعيدة عن التجاذبات والصراعات السياسية، وقد نجح خلال ثلاث سنوات، في ان يكون على مسافة واحدة من الجميع، وقد لجأت اليه كل من الموالاة والمعارضة، لوقف اي تدهور امني، كما حصل في جامعة بيروت العربية العام الماضي، وحتى في احداث الشياح، كانت الدعوة موجهة اليه للحفاظ على الامن، لكن ثمة من حاول وضع الجيش بمواجهة المقاومة وجمهورها، وقد فشل ايضاً، لان الاتصالات السريعة بين قيادتي الطرفين، نجحت في منع حصول صدامات مسلحة بينهما، وكانت لزيارة قائد الجيش الى كل من الرئيس بري والسيد نصرالله بعد ساعات على وقوع الاحداث في هذا الاتجاه، لاعادة الامور الى نصابها، بعد ان ابدى العماد سليمان تجاوباً في اجراء تحقيق واذاعته، وهذا ما حصل، فهدأت النفوس، وتمكن الجيش والمقاومة مع جمهورها من الافلات من كمين نصب لهما امام كنيسة مار مخايل لاشعال الفتنة بينهما، وقد تنبه لها الطرفان وخرجا منها بأقل الخسائر الممكنة، حيث تسربت معلومات عن ان قوى السلطة تعمل للايقاع بين الجيش والمقاومة التي جهدت قيادتها لحصر الحريق الذي نشب في الشياح، واطفائه بسرعة، لكنها في الوقت نفسه، سألت قائد الجيش عن التبديل الذي حصل مؤخراً لبعض الالوية والافواج، ولماذا توقيته في هذا الوقت واشتعال فتيل التفجير، ولماذا حصلت التشكيلات داخل المؤسسة العسكرية بعد اغتيال مدير العمليات في الجيش اللواء فرنسوا الحاج، الذي طالبت قوى 14 شباط بعد تحرك المعارضة في الشارع في 23 كانون الثاني 2007 بإقالته مع ضباط آخرين تعتبرهم مقربين من المعارضة وليسوا على عداء مع المقاومة، وبعض احزابها وتياراتها، واعلنت اسماء هؤلاء الضباط ونشرت اسماؤهم في جريدة «السياسة» الكويتية، التي يجري استخدامها لنشر معلومات عن احداث امنية تحصل فيما بعد، وهذا ما دأبت عليه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
لذلك فان التصرف الذي حصل من قبل بعض العسكريين في الشياح مؤخراً، لا تنظر اليه المعارضة بإرتياح واطمئنان، لان قوى 14 شباط، ومنذ خروج القوات السورية من لبنان، تعمل على وضع اليد على كل مؤسسات الدولة، وابعاد كل من تعتبرهم حلفاء سوريا وايران، او كانوا في موقع القيادة والمسؤولية في ايام الحقبة السورية، ومن هؤلاء كان اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان، الذي تجرأ احد اقطاب المعارضة سمير جعجع وطالب بمحاكمته لانه اعلن ان لا علاقة لسوريا ومخابراتها بمعارك مخيم نهر البارد، وكان يجري تصنيفه على انه من بقايا النظام الامني اللبناني-السوري السابق.
وهكذا فان الصراع على المؤسسات العسكرية والامنية قائم بين الموالاة والمعارضة، وان قوى 14 شباط بعدما تمكنت من السيطرة على وزارة الداخلية سياسياً، ووضع ضباط تابعين لها في المواقع الرئيسية في قوى الامن الداخلي، فانها كانت تسعى لوضع يدها على الجيش، بعدما فشلت في الامن العام، وقد حاولت استمالة العماد سليمان بعد ان اعلنته مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وكانت ترفضه وتضع «فيتو» عليه لانها ضد وصول عسكري الى الحكم، كما هي ضد تعديل الدستور، وكانت مفاجأة انها وافقت عليه، وبدأت تبتزه لجهة ان يتحول الجيش الى اداة بيدها، ويمنع اي تحرك للمعارضة، وكانت احداث الشياح امتحاناً له، سواء كان على معرفة بها ام لا، لكن ما ادخل الشك الى صفوف المعارضة، هو ان العماد سليمان وخلال ما حصل امام كنيسة مار مخايل لم يكن «على السمع»، وغاب لمدة ساعتين، كما تشير بعض المعلومات التي ذكرت ايضاً، ان ثمة مسؤولية تقع على ضباط كبار لهم ولاءات سياسية، لم يتدخلوا لوقف المجزرة التي وقعت في الشياح، وهذا ما دفع بأركان المعارضة وتحديداً نواب وقيادات من «حزب الله» وحركة «امل»، تسأل عن دور هؤلاء الضباط وتقديم ولاءهم السياسي على الولاء للمؤسسة، وهو ما اضطر قيادة الجيش الى الرد على التشكيك بالتأكيد على ولاء العسكريين والضباط منهم للمؤسسة، واكدت على وحدتها ، التي قام قائدها بعقد لقاءات مع الضباط، واعطائهم توجيهات بالبقاء بعيداً عن التجاذبات السياسية، وعدم الغرق في زواريب الصراعات الداخلية، والتعاطي مع المواطنين بأسلوب لا يوقع ضحايا، انطلاقاً مما حصل مؤخراً.
وحرص العماد سليمان على التأكيد ان لا تغيير في عقيدة الجيش، واستغل صدور تقرير لجنة «فينوغراد» الاسرائيلية، لاعلان الثوابت بان الجيش والمقاومة انتصرا في صد العدوان، حيث امتزجت دمائهما، وان الجيش سيبقى مع المقاومة في خط الدفاع عن لبنان، وقد ترك تصريحه هذا، الذي اتبعه في مواقف اخرى توجيهية داخل المؤسسة العسكرية ارتياحاً، بان لا تغيير في عقيدة الجيش، التي تحاول قوى 14 شباط ان تبدلها، وفق الخطاب السياسي لأقطابها الذين اعلنوا صراحة ان اسرائيل ليست العدو، وهو ما صرّح به سمير جعجع قبل سنتين في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وتبعه وليد جنبلاط الذي اكد ان اسرائيل ليست العدو الآن بل سوريا، وقد التقى مع جعجع بوصفه سوريا بالعدو، في الوقت الذي تشتد الحملة على المقاومة وسلاحها، والدعوة الى تجريدها منه، والتعبئة ضدها، والتحريض عليها، بما يؤكد على ما تتخوف منه المعارضة، بأن الفريق الحاكم يعمل لتغيير عقيدة الجيش، الذي لم يكن بريئاً زجه في مواجهة مع المقاومة، حيث ستظهر التحقيقات حقيقة ما حصل.
وتمكنت المعارضة من الرد على كل المزاعم التي ساقتها قوى السلطة، بأنها تعمل على اسقاط المؤسسة العسكرية، وسارعت الى احتضانها، وعدم الربط بين افراد وضباط تصرفوا خطأ والمؤسسة، واخرجت هذا الموضوع من التداول، وحصرت ما جرى في القضاء، وتم العض على الجرح كما يقول احد قياديي «حزب الله»، ولكن دون المساومة على دماء الشهداء والجرحى، وفي الوقت نفسه، منع خطف هذه المؤسسة الوطنية من قبل اطراف السلطة، ونقلها الى موقع معادٍ للمقاومة او لسوريا او للقضية الفسطينية، بعد ان نجحت القوى الوطنية ودفعت دماً للتأكيد على هوية لبنان العربية، وموقعه من الصراع مع العدو الاسرائيلي، ودور الجيش الوطني في مواجهة هذا العدو الغاشم، والحفاظ على المقاومة.
وتعتبر المعارضة، ان من ضمن المعركة السياسية التي تخوضها، لمنع وقوع لبنان تحت الهيمنة الاميركية هو رفض ان تكون المؤسسة العسكرية خاضعة لعقيدة تربطها سياسياً بتوجهات لسلطة حاكمة متحالفة او مرتبطة بالمشروع الاميركي، وهذا هو لب الازمة اللبنانية.
وللمخاوف من حرف الجيش عن مهمته، وللحذر الذي وقعت فيه اطراف بالمعارضة من ترشيح العماد سليمان، تتأجل الانتخابات الرئاسية، وتفشل مساعي امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي حصر المشكلة في الحكومة ولكنه لم ينجح في حلها، لان المعارضة لم تعد تنظر اليه وسيطاً نزيهاً، وهو لم يظهر انه لا ينفذ ما تطلبه منه مصر والسعودية ومن ورائهما الادارة الاميركية.
Leave a Reply