نبيل هيثم – «صدى الوطن»
برغم تطورات المشهد الميداني فـي اليمن، ربما ما زال من المبكر الحديث عن حسم لهذا الصراع المتفاقم، الذي تتقاطع عنده تعقيدات داخلية واقليمية ودولية.
ومع ذلك، فإن ثمة مؤشرات تؤكد وجهة النظر القائلة بأن الهدف الحقيقي للعدوان السعودي المستمر منذ ما يقرب ستة اشهر هو تفتيت اليمن، فـي سياق مشروع اكبر لتقسيم الوطن العربي.
المؤشرات كثيرة، منها الميداني ومنها السياسي، وهي تصب بمعظمها فـي خانة واحدة، تحدث عنها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله فـي وادي السلوقي قبل أيام، فـي الذكرى التاسعة لانتصار المقاومة اللبنانية فـي حرب تموز العام 2006، حين أكد أن «علينا أن نرفض تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وهو ما تعمل عليه أميركا وإسرائيل وبعض القوى الإقليمية من حيث تعلم أو لا تعلم، وفـي مقدمتها السعودية»، محذراً من أن «المشروع الاميركي الحقيقي هو تقسيم المنطقة العربية، من العراق إلى سوريا، وحتى السعودية، لأن هذا يخدم الولايات المتحدة وإسرائيل».
وتوحي التطورات الجارية على ارض اليمن خلال الأيام الماضية بأن العدوان السعودي على هذا البلد، قد بدأ يكرّس تقسيماً بحكم الامر الواقع، اذ لم تكد طلائع القوات المدعومة من قبل «التحالف السعودي» فـي إستعادة السيطرة على مدينة عدن، حتى بات الكل يتعامل مع تلك المدينة الجنوبية بإعتبارها عاصمة لـ«شرعية» تخلى عنها الرئيس المتراجع عن إستقالته عبد ربه منصور هادي، ثم سعى لإسترجاعها على وقع هدير الطائرات السعودية التي حصدت حتى الآن آلاف القتلى والجرحى وتسببت بتهجير مئات الآلاف.
ولعل نظرة سريعة على الواقع الميداني فـي اليمن تعكس مسعى تقسيمياً واضحاً، فقوات عبد ربه منصور هادي باتت تتموضع بصورة شبه كاملة فـي الجنوب، وفـي قلبه محافظة عدن، وفـي المقابل شمال تتوسطه العاصمة صنعاء يقع تحت نفوذ جماعة «انصار الله» والقوات الموالية للرئيس السابق (الشمالي) علي عبد الله صالح، فـيما تم الإبقاء على حضرموت كبرى محافظات اليمن فـي متناول الجماعات التكفـيرية، وعلى رأسها «القاعدة» و«داعش»، والتي باتت سلطة امر واقع تقابل سلطة الحوثيين فـي صنعاء، وهادي فـي عدن.
كل ذلك، يدفع إلى القول إن الحصيلة الأولية للحرب المستمرة على اليمن لن تكون الحسم العسكري، وإنما تكاثر الزعامات المحلية المسلحة، إلى جانب الجماعات التكفـيرية، وفـي ظل انهيار كامل لكل مؤسسات الدولة اليمنية، ما يعيد إلى الاذهان تجارب كثيرة ليست ببعيدة، وابرزها تجارب الصومال وافغانستان وليبيا، وإلى حد كبير تجربتي العراق وسوريا، مع العلم ان هاتين الدولتين ما زالتا تحتفظان ببعض اشكال الدولة المركزية ما يبعث على الامل باحتمال تجاوز محنتيهما.
ويبدو ان السعودية قد اختارت تسريع هذا المخطط، فـي ظل التحولات الاقليمية، المتمثلة فـي توقيع الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1. وكان ملفتاً للانتباه منذ التوصل إلى تسوية فـيينا ان المملكة النفطية قد عمدت إلى شن حرب نفسية واعلامية عنوانها ان إيران ضحّت بحلفائها الاقليميين، ومن بينهم الحوثيين، حتى سوريا، من اجل تحقيق الاتفاق .
وفـي الميدان، فقد سارعت السعودية إلى انزال قواتها فـي عدن، ودعمها الدؤوب لقوات عبد ربه منصور هادي توسيع مساحة السيطرة نحو المحافظات المجاورة.
وعلى هذا الاساس، انتقلت السعودية من تنفـيذ استراتيجية الارض المحروقة، التي فشلت فـي تحقيق أي من اهدافها المعلنة، فـيما عدا القتل والتدمير، بمحاولة تعويم حلفائها اليمنيين فـي الميدان، وهو ما يعني بشكل او بآخر اطلاق اشارة البداية لتحقيق المشروع التقسيمي، مستحضرة الفرز التاريخي بين القبائل الشمالية ذات الغالبية الزيدية، والقبائل الجنوبية ذات الغالبية السنية.
ولا يبدو أن السعودية وحدها هي من يفكر فـي تقسيم اليمن، فقد طفت على السطح خلال الايام الماضية احاديث عن سعي اماراتي فـي هذا الاتجاه.
وكان المغرّد السعودي الشهير مجتهد، الذي يشتبه فـي كونه احد افراد العائلة المالكة فـي السعودية، قد كشف عن بعض التعقيدات فـي العلاقة بين السعودية وحليفتها الامارات فـي هذا الصدد.
وكتب مجتهد، الذي يشهد له كثيرون دقة المعلومات التي ينشرها من خلف كواليس صناع القرار فـي السعودية، انه «برغم وجود تصرفات مريبة من قبل الإمارات تجاه اليمن وقضايا آخرى فإن السعودية تغض الطرف بسبب العلاقة الخاصة بين (ولي عهد أبو ظبي) محمد بن زايد و(وزير الدفاع ولي ولي العهد السعودي) محمد سلمان» .
وأشار إلى أن الإمارات تؤوي حاليا أحمد علي صالح، نجل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وابن أخيه عمار، وتسمح لهم بالتنسيق مع والدهم ومع وحدات الجيش الموالية له وللحوثيين بعلم ومباركة «محمد بن زايد.
وتساءل «مجتهد»: «كيف يوازن محمد بن زايد بين مشاركة صادقة فـي الحلف (تحالف عاصفة الحزم الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين وقوات صالح) وإيواء هؤلاء؟»، مجيباً ان «الخطة الحقيقية لمحمد بن زايد هي إعادة تقسيم اليمن بتنسيق مع علي صالح».
كذلك كان ملفتاً دخول الامير البحريني المعارض عبد الله آل خليفة، وهو حفـيد الشيخ عبد الله بن احمد الفاتح آل خليفة، اول حاكم خليفـي للبحرين، على خط الحديث عن تقسيم اليمن، حين كشف، فـي سلسلة تغريدات عبر حسابه على موقع «تويتر» عن ان «مرحلة التقسيم فـي العراق وسوريا والسعودية واليمن ومصر جاري تجهيزها وحسب الجدول لشرق اوسط جديد»، معتبراً ان «حرب اليمن تجهيز لتقسيم ولفخ أميركي يبدأ من اليمن والعراق مرورا بالسعودية». واذا كان كلام الاميرين السعودي والبحريني عن تقسيم اليمن يحملان بعض التأويل، فإن ما صدر عن احد القيادات الجنوبية فـي اليمن يبدو اكثر خطورة. والمقصود هنا رئيس «اللجنة التحضيرية للمؤتمر الشعبي العام الجنوبي» وقائد ما يسمّى «اللجان الشعبية» فـي مدينة عدن أحمد بن أحمد الميسري، الذي كشف عن توجه جنوبي «لتحرير المحافظات الجنوبية بالكامل من قبضة الحوثيين وقوات صالح»، و«التوجه بعدها لبناء مؤسسات الدوله بقيادات جنوبية تدير العمليه ودون تدخل او اشراك لقيادات من شمال الوطن».
وذهب القيادي الجنوبي بعيداً فـي الحديث عن السيناريو التقسيمي حين اشار إلى ان «الترتيبات القادمة ستكون بأيدي جنوبية وسيتم التوافق عليها فـي إطار البيت الجنوبي وبتوافق جنوبي جامع يجمع فـيه كافة أبناء المحافظات الجنوبي»، موضحاً «وسيكون تقسيم الجنوب على حدة والشمال على حدة اخرى وذلك برعاية خليجية»، وانه «فـي الدولة المدنية القادمة ستتم إدارة المحافظات الجنوبية عبر القيادات الجنوبية … بينما الشمال ستوكل القوى الوطنية الحليفه لدول الجوار والمساندة للشرعية لإدارتها»، حتى انه تطرّق إلى «مساعي نحو ترتيب الامور القانونية المتعلقة بعودة مقعدينا فـي الامم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى باشراف الاشقاء الخليجيين»!
من الواضح اذاً أن المشهد فـي اليمن يبدو اليوم أكثر تعقيداً، فـي ظل المؤشرات الدالة على أن ثمة مساعي للتقسيم بين حكومتين (شمال – جنوب) وثلاثة جيوش (شمال – جنوب – قاعدة. وفـي ظل غياب اي نية واضحة للحل السياسي، يبدو ان «اليمن السعيد» يسير فعلاً إلى هذا السيناريو الاسود!
الخريطة الميدانية في اليمن
بعد ستة اشهر على بدء العدوان السعودي، تبدو خريطة توزيع القوى ميدانياً فـي اليمن على النحو التالي:
ووفق التقرير، توزعت مناطق النفوذ على النحو التالي:
– إقليم آزال، ويضم محافظات صعدة، وعمران، وصنعاء، وذمار، وجميعها تخضع لسيطرة الحوثيين، إلاّ أن قوات هادي، المدعومة من «التحالف السعودي»، نشطت فـيها منذ عدة أسابيع، وتدور بين حين وآخر معارك بين الطرفـين، خاصة فـي مدن ذمار وعتمة ومعبر.
– إقليم تهامة، ويسيطر الحوثيون على جميع محافظاته ممثلةً فـي الحُديدة، وحجة، والمحويت، لكن الحديدة تشهد عمليات قتالية مكثفة.
إقليم سبأ، وفـيه تسيطر قوات هادي على مدينتي مأرب والوادي، ومناطق حقول النفط والغاز، شرقي المحافظة، فـيما يسيطر الحوثيون على بعض مديريات مأرب مثل صرواح وحباب وحريب القراميش، وأجزاء من مديرية حريب جنوب شرق مأرب كما يسيطر الحوثيون على مركز محافظة الجوف، مدينة الحزم، وبقية المناطق التابعة لها. أما فـي محافظة البيضاء، فتدور معارك بين الجانبين، إلاّ أن الحوثيين يسيطرون على غالبية مناطقها، بينما تشهد مناطق مثل الزاهر ورداع» وقيفة رداع والبيضاء، مركز المحافظة، عمليات قتالية مستمرة.
– إقليم الجند، حيث تدور فـي محافظة تعز معارك عنيفة، منذ أشهر بين الحوثيين والقوات الموالية لعلي عبد الله صالح من جهة، وقوات عبد ربه منصور هادي من جهة أخرى، التي سيطرت فـي الايام الاخيرة على مناطق عدة داخل المدينة. وما زالت المنطقة تشهد اشتباكات عنيفة وخصوصاً فـي مدينتي تعز والقاعدة، ومديريات جبل صبر، ومشرعة وحدنان.
وفـي محافظة إب، أعلنت قوات هادي سيطرتها على 10 مديريات.
– إقليم عدن، حيث سيطرت قوات هادي على معظم محافظاته، وهي عدن، لحج، أبين، والضالع.
– إقليم حضرموت، بمحافظتيه حضرموت، والمهرة، وفـيه تتقاسم قوات هادي والجماعات التكفـيرية «القاعدة» و«داعش» السيطرة.
Leave a Reply