لندن - قليلون يعرفون أن «الكاميرا» التي يستخدمها الملايين ويرددون اسمها فـي العالم كل يوم، اشتقت اسمها من كلمة «القمرة» العربية، لأن عالما عربيا ولد قبل 10 قرون فـي العراق، استخدمها كثقب فـي غرفة مظلمة أجرى فـيها أبحاثه عن الضوء والبصر، فتذكرته «اليونيسكو» لمناسبة افتتاحها «السنة الدولية للضوء وتكنولوجيا البصريات» التي انعقدت فعالياتها الإثنين الماضي ولمدة يومين فـي باريس، وقامت بتكريمه كما يستحق.
ابن الهيثم، الممهور رسمه على العملة الورقية فـي العراق، وأطلقوا إسمه على كويكب فـي الفضاء اكتشفه عالم الفلك السويسري ستيفانو سبوزيتي قبل 16 سنة، وسماه العلماء 59239 Alhazen تقديرا لما قدمه من ابتكارات، هو الحسن أبو علي بن الحسن بن الهيثم، المولود فـي البصرة عام 354 هجرية، المصادف للعام 965 ميلادية، والذي برع فـي علم البصريات وعبّد الطريق لاختراع «الكاميرا» باستخدامه «قمرة» فـي «غرفة سوداء» ليجري فـيها أبحاثه عن الضوء والبصر والنظر فأفاد البشر.
يكتبون عن ابن الهيثم أنه كان عازفا عن اللهو، مقبلا على القراءة والاطلاع وكثير التسآل. ولأن خطه كان جميلا، فقد بدأ العمل باكرا بنسخ الكتب للآخرين. أما فـي شبابه، فقد كان زاهدا بالدنيا، يمشي على طريق العلماء، وسافر يطلب العلم فـي بغداد وسوريا ومصر، فدرس الطب فـي عاصمة العراق، واجتاز بنجاح قل نظيره امتحانا مقررا لكل من يريد مزاولة المهنة، فمارسها متخصصا بأمراض العيون، أو ما كانوا يسمونه «طب الكحالة» بعراق ذاك الزمن، لذلك سعى إليه المشاهير.
طلبوه ليجعل النيل صالحا للريّ طوال العام
بين من قصدوه كان الحاكم بأمر الله، بعد أن سمع عن قدرته فـي تنظيم أمور نهر النيل، وإمكانية أن يجعله صالحا للري فـي جميع أوقات السنة، لذلك استدعاه الى بلاطه وزوده بما يحتاج للقيام بالمشروع، فأمضى ابن الهيثم وقتا فـي الموقع الذي تشاء الصدف التاريخية أن يكون نفسه الذي بنت فـيه مصر سدها العالي زمن جمال عبد الناصر، ثم أدرك استحالة قيام المشروع بإمكانات عصره، فاعتذر للحاكم، ولم يخدعه ليفـيد نفسه بشيء من المال الحرام، وراح يتابع حياته بالتأليف وبالتجارب العملية على الضوء وتوابعه.
كان ابن الهيثم يتقن لغات عدة، وأنفق وقته فـي التعليم والتأليف والتجربة، من طفولته حتى وفاته فـي القاهرة عام 1040 ميلادية، فألف طوال 75 سنة عاشها على الأرض 237 مخطوطة ورسالة فـي مختلف العلوم والمعرفة، ومن آرائه فـي ما سماه «تضارب الآراء» أنه الطريق الوحيد الى الحقيقة، لأنها تتصارع وتصل الى الجميع، فـيفرزونها ويكتشفون الصحيح منها مع الوقت.
ووضع ابن الهيثم بالبصريات والرياضيات 37 مؤلفا، منها «كتاب المناظر» الشهير، فاعتبروه «مؤسس علم الضوء» لدراسهت فـيه مدى علاقته بطب العيون وبالنظر، بل درس انعكاساته وأطواله وعروضه وكيف يتحول الى طيف، كما درس سرعته أيضا، وسبق آينشتاين بقوله إنها محددة، وإنه ينكسر وينعطف، لذلك مهد الطريق فـيما بعد لاختراع الكاميرات بأنواعها، حتى قالت عنه موسوعة «سارتون» العلمية إنه أول مخترع حقيقي للكاميرا، ولم يسبقه إليها سواه.
Leave a Reply