المعارضة لم تسمه لانه ليس توافقياً.. لكنها ستشارك فـي الحكومة
اتفاق الدوحة الذي بدأ تنفيذه بإنتخاب رئيس للجمهورية، اصيب بنكسة مع تسمية الاغلبية النيابية لفؤاد السنيورة رئيساً للحكومة، اذ حصل في الاستشارات النيابية الملزمة على 68 صوتاً هو عدد اصوات نواب قوى «14 شباط»، وامتنع عن تسميته 59 نائباً من المعارضة، ولم يأخذ ترشيحه بروحية الاتفاق الذي رعته قطر، وكان اللبنانيون ينتظرون مرشحاً توافقياً على غرار المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان الذي فاز برئاسة الجمهورية.
لقد اعتبرت المعارضة ان روح اتفاق الدوحة كان توافقياً، وكان على قوى 14 شباط ان تلتزم به، وان تسمي رئيساً للحكومة من صفوفها يكون توافقياً وهناك اكثر من اسم داخلها، وقد سمى رئيس «تكتل الاصلاح والتغيير» العماد ميشال عون رئيسا للحكومة كل من الوزير محمد الصفدي والنائب بهيج طبارة من الموالاة، كما طرح اسم الوزيرة السابقة ليلى الصلح، وكشف عون بذلك عدم التزام الفريق الحاكم بروحية الاتفاق فكان الامتناع عن تسميت السنيورة لانه سبب بالازمة وطرف سياسي فيها لا تتوافق مع المرحلة الجديدة، وقد استغل الفريق الحاكم البند المتعلق بالحكومة بانه لم يطرح اسم رئيسها، بل توزيع المقاعد بين الموالاة والمعارضة ورئيس الجمهورية، فاختار السنيورة من باب التحدي وانه لم يتعرض لخسارة سياسية وان عودة السنيورة توحي بذلك، وكان الاعتقاد ان الاغلبية ستتجه الى تسمية سعد الحريري، وان يأتي الاصيل الى رئاسة الحكومة بدلاً من الوكيل، بعد ان غابت اسباب عدم تولي الحريري لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات النيابية، بإنتهاء عهد الرئيس اميل لحود.
لكن الحريري الذي كانت لديه الرغبة في ان يصبح رئيساً للحكومة مع العهد الجديد، لان نتائج الانتخابات النيابية في العام 2009 قد لا توفر له الاغلبية والحصول على كتلة نيابية كبيرة، فقد منعته ظروف خارجية من الوصول الى السراي، اذ جاء «الفيتو» على اسمه من السعودية التي فوجئت بأدائه السياسي الضعيف، وعدم امتلاكه القدرة على القيادة، اذ جاءت الهزيمة التي اصيب بها «تيار المستقبل» في بيروت وسقوطه سياسياً بعد انهيار قوته العسكرية واقفال مكاتبه الحزبية، لتعطي للقيادة السعودية المبرر بعدم ترشيحه لرئاسة حكومة العهد الاولى للعماد سليمان، وفضلت بقاء السنيورة الذي تلقى دعماً من الادارة الاميركية، التي ابلغت السعودية بضرورة اقناع الحريري ان يترك مقعد رئاسة الحكومة للسنيورة الذي اثبت شجاعة كما وصفه الرئيس الاميركي جورج بوش، واصرت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس على ضرورة بقائه لانه يمثل المشروع الاميركي في لبنان، الذي له امتداداته في المنطقة بما بعرف بالشرق الاوسط الجديد.
فالقرار بترشيح السنيورة لرئاسة الحكومة، هو محاولة للالتفاف على الجهود التي بذلتها قطر في الوصول الى اتفاق الدوحة، اذ لم تكن السعودية مشجعة لانعقاد الحوار في العاصمة القطرية، وان تأخذ هذا الدور العربي في تسوية الخلافات، وان لا تتمكن السعودية من ذلك والتي انجزت اتفاق الطائف، فكان انتخاب رئيس الجمهورية كتنفيذ لما سبق وطالب به وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الالتزام بمطالب المعارضة.
فبعد انتخاب العماد سليمان، فان الازمة عادت الى المربع الاول اي الى تشكيل الحكومة، الذي بدأ الخلاف على رئيسها، وتبين ان الازمة ليست في رئاسة الجمهورية، بل في الحكومة، اذ ظهرت نية الموالاة عدم التزامها بالاتفاق بأنها اعادت السنيورة لاحراج المعارضة بأنها سترفض المشاركة في حكومة يترأسها السنيورة، بما يفسح امام الموالاة الى تشكيل حكومة من لون سياسي واحد، وتسمي وزراء شيعة من خارج كتلتي «حزب الله» وحركة «امل» وايضاً من مسيحيين من خارج تكتل الاصلاح والتغيير الذي يرأسه العماد عون، كما في هذه الحكومة ويسقط بذلك البند الثاني من اتفاق الدوحة، ويدخل لبنان مرحلة دقيقة وخطيرة قد تهدد بإنفجار الوضع الامني، اذا لم تتدخل الدولة الراعية للاتفاق لتطبيقه.
لكن اوساط المعارضة تؤكد انها وان اعترضت على التكليف لكنها ستشارك بالتأليف طالما هي تملك الثلث الضامن في الحكومة، ولن تتركها للأغلبية، وهي ستمارس دورها، وستحصل على الحقائب السيادية والخدماتية، كي لا تتفرد قوى «41 شباط» بالقرارات، وتستأثر بالسلطة وتخل بالتوزان داخل الادارات، كما حصل خلال العام ونصف العام من اعتصام المعارضة، اذ ادخل الفريق الحاكم نحو 7500 عنصر الى قوى الامن الداخلي، اضافة الى تعيين موظفين من فئات ادارية مختلفة، وصرف اموال وتقديم خدمات، وهذه كلها ستستخدمها قوى السلطة في الانتخابات النيابية المقبلة التي لا يجوز ان تشرف عليها حكومة لا مشاركة فيها.
فالرئيس نبيه بري مع قرار المشاركة في الحكومة، و«حزب الله» اعلن انه سيتنازل عن حصته فيها لحلفائه من خارج الطائفة الشيعية، لوزراء من الطائفتين السنية والدرزية، لمنع استئثار احزاب الموالاة بالمقاعد الوزارية لهاتين الطائفتين ولاعادة التوازن اليهما، كما ان العماد عون لن يترك التمثيل المسيحي داخل الحكومة الى غيره، بعد ان تخلى عن رئاسة الجمهورية وسيعوض عنها بالدخول الى السلطة وممارسة دوره كمعارض من داخلها لجهة فضح الفساد وكشف الفاسدين وتحقيق الاصلاح وبذلك يفي بوعده بالاصلاح ويستعيد دوره الشعبي والسياسي.
ولن تسمح المعارضة لقوى «14 شباط» تعطيل اتفاق الدوحة الذي حقق مطالبها، بالثلث الضامن داخل الحكومة، وان اي خروج منها، سيعني انتصاراً للموالاة، ولا بدّ من العمل على تنفيذ الاتفاق الذي هو انتصار للمعارضة ومطالبها، وتقطيع هذه المرحلة وصولاً للانتخابات النيابية المقبلة التي قد تغير قواعد اللعبة وفق نتائجها، وتأتي الاغلبية لصالح المعارضة، فتستطيع عندها تسمية رئيس الحكومة وتملك الاكثرية داخلها.
فبعد معركة التكليف، والدخول في التأليف، فان المعارضة ستعمل لتحصد حقائب سيادية كفلها لها الدستور، وهي تتطلع الى حقائب المالية والخارجية والدفاع، بعد ان تم حصر وزارة الداخلية برئيس الجمهورية الذي سيختار لها شخصاً محايداً للاشراف على الانتخابات النيابية وتأمين حيادية الدولة ونزاهة العملية الانتخابية.
واذا ما تم الخروج من ازمة التأليف، فان البيان الوزاري، سيكون امام الامتحان لتحقيق التضامن الحكومي، وتأكيد التوافق السياسي، وعلى مضمونه سيتوقف بقاء الحكومة او فرطها قبل ان تصل الى مجلس النواب لنيل الثقة، وان البند الاساسي الذي سيشكل نقطة التجاذب والخلاف هو بند المقاومة وسلاحها، والذي عليه وحوله تفجر الصراع في لبنان منذ قرار مجلس الامن 1559، وقد تنبهت المبادرة العربية الى ذلك فأعلنت في احد بنودها، ان تعتمد حكومة الوحدة الوطنية، ما ورد في البيان الوزاري للحكومة الحالية حول المقاومة، فهل يتم تنفيذ هذا البند، الذي لم يضمنه اتفاق الدوحة بل اشار الى تنظيم علاقة الاحزاب بالسلطة، وقصد بذلك المقاومة ولكن بالحوار، فهل يتم الاتفاق على ان يتضمن البيان الوزاري فقرة ان سلاح المقاومة يبحث في حوار وطني يرأسه رئيس الجمهورية، لمنع انفجار الحكومة.
Leave a Reply