محمد دلبح – «صدى الوطن»
توالت خلال الأسبوع الماضي ردود الأفعال الدولية والداخلية في الولايات المتحدة، منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ٢٩ آذار (مارس) الماضي نيته الانسحاب قريباً جداً من سوريا.
البعض وجد في تلويح ترامب انعكاساً لمواقفه في حملته الانتخابية عام 2016 بوصف السعودية ودول الخليج بأنها «بقرة حلوب»، وأن من يريد أن تحميه الولايات المتحدة «عليه أن يدفع». فيما رأى البعض الآخر في قرار ترامب انسجاماً مع مواقفه الرافضة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، حيث كرر مراراً أن واشنطن أنفقت حوالي ٧ تريليونات دولار في المنطقة منذ مطلع الألفية «دون شيء بالمقابل».
إعلان ترامب نيته الانسحاب العاجل جاء خلال زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة، ليتبعه بتصريح لاحق ألمح فيه إلى أنه قد يبقي القوات الأميركية في سوريا إذا دفعت السعودية تكاليف هذا الوجود مثيراً زوبعة تساؤلات عن الأسباب والدوافع، وما إذا كان إعلانه جدياً أم أنه يأتي في سياق ابتزاز آل سعود والضغط على الحلفاء في بازار مفتوح.
في المحصلة، يبدو أن قرار الانسحاب لا زال بين أخذ ورد في أروقة الحكم في واشنطن، كما يبدو أن المخرج الذي اعتمد لتغطية تباين وجهات النظر داخل الإدارة الأميركية قد لا يستمر طويلاً.
إذ نفت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) دانا وايت في تصريحات للصحافيين، الخميس الماضي، وجود خلافات بين الوزارة والبيت الأبيض، وقالت إن الحديث عن انسحاب للقوات الأميركية من سوريا «شائعات».
وأوضحت أن الرئيس قال إن الانسحاب سيتم قريباً، لأن الحملة لهزيمة داعش حققت نجاحات، لكن هذه الحملة، بحسب وايت، لم تنته بعد والولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بتنفيذ مهمتها في سوريا التي تتمثل في هزيمة التنظيم.
غير أن وكالة «أسوشييتد برس» أكدت نقلاً عن مصادر في البيت الأبيض، أنّ ترامب وإن لم يُصدر بعد أمراً رسمياً بسحب القوات، كما لم يقدّم جدولاً زمنياً لعملية الانسحاب أمام الرأي العام، إلا أنه طلب إعداد خطة للانسحاب قبل انتخابات الكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.
ضمن هذا الإطار، كررت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، موقف ترامب بأنّ الانسحاب من سوريا رهنٌ بالقضاء نهائياً على تنظيم «داعش»، وكذلك أيضاً بـ«نقل» المسؤوليات التي تتولاها القوات الأميركية حالياً إلى «القوات المحلية»، التي ستواصل الولايات المتحدة تدريبها، لضمان أن التنظيم الإرهابي «لن يعود للظهور مجدداً». وأضافت: «كما قال الرئيس منذ البداية، فهو لن يضع جدولاً زمنياً عشوائياً. هو يقيّم الوضع من منظار الفوز بالمعركة وليس من منظار مجرد إطلاق رقم عشوائي، بل التأكد من أننا ننتصر، ونحن نفعل».
وكان ترامب قد أعلن أنّ قوات بلاده ستغادر سوريا «قريباً جداً، ونترك الأطراف الأخرى تهتمّ بالأمر، سنترك سوريا بعدما هزمْنا داعش 100 بالمئة»، قبل أن يشير إلى احتمال بقاء القوات هناك متوجهاً إلى الجانب السعودي بالقول: «إذا أردتم أن نبقى (في سوريا)… ربما يجب أن تدفعوا».
السعودية لتحمل التكاليف
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان أول من سارع إلى مناشدة ترامب عبر مقابلة صحفية للإبقاء على قواته في سوريا على الأقل لعامين آخرين.
ورد ترامب في مؤتمر صحفي مع زعماء دول البلطيق الثلاث، يوم الثلاثاء الماضي بالقول: «أريد أن أخرج. أرغب في إعادة قواتنا إلى الوطن… أريد أن أبدأ بإعادة بناء بلدنا». وأضاف «ليس لدينا شيء، لا شيء سوى الموت والدمار، ليس فقط في سوريا ولكن بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط… إنه أمر فظيع».
وقال ترامب «لقد حان الوقت… كنا ناجحين جداً ضد داعش سنكون ناجحين ضد أي عمل عسكري كان. لكن قد حان الوقت للعودة إلى الوطن. ونحن نفكر في ذلك على محمل الجد»، لافتاً إلى أن انخراط الولايات المتحدة في سوريا مكلفُ ويفيد دولاً أخرى أكثر مما يفيد الولايات المتحدة.
وقال ترامب إن الولايات المتحدة ستبقى حتى تهزم «داعش» كلياً لكنه ألمح أيضاً إلى أنه قد يُطلب من الشركاء تقاسم بعض هذه التكاليف. وقال: «سنتخذ قراراً سريعاً جداً بالتنسيق مع آخرين في المنطقة بشأن ما سنفعله» مشيراً إلى أن السعودية «مهتمة جداً بقرارنا»، متابعاً القول «حسناً نعرف أنكم تريدون أن نبقى ربما يجب عليكم أن تدفعوا».
وكانت تقارير ذكرت أن ترامب طلب من السعودية خلال محادثاته مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يوم 20 آذار (مارس) الماضي أن تدفع السعودية أربع مليارات دولار لتمويل حرب أميركا في سوريا.
ويوم الأربعاء الماضي، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول أميركي رسمي قوله إنّ الرئيس وافق على بقاء القوات الأميركية في سوريا «لمدة أطول» لكنه يريد سحبها في وقت قريب نسبياً.
وقال المسؤول «ترامب وافق في اجتماع لمجلس الأمن القومي على إبقاء القوات الأميركية في سوريا لفترة أطول لكنه لا يريد التزاماً طويل الأجل.. يريد ضمان هزيمة داعش ويريد من دول أخرى في المنطقة بذل مزيد من الجهود والمساعدة في إرساء الاستقرار بسوريا».
في السياق ذاته، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» بأن ترامب أصدر تعليماته إلى القادة العسكريين بالتحضير لسحب القوات الأميركية من سوريا، «لكنه لم يحدد موعداً لهم للقيام بذلك».
وأكد ترامب، بحسب الصحيفة، أن مهمة هذه القوات «ستنتهي مع انتهاء داعش»، متوقعاً أن «تدفع الدول العربية تكاليف إعادة إعمار المناطق المستقرة وإرسال قواتها العسكرية إذا لزم الأمر».
ويشار إلى أن ترامب تعهد خلال الحملة الانتخابية عام 2016 بـ«سحق داعش وتدميره»، متهماً الإدارة السابقة بالمساهمة في تمدد وتمكين هذا التنظيم الإرهابي في العراق وسوريا.
اتصالات
موافقة ترامب على البقاء في سوريا بشكل مؤقت، جاءت بعد سلسلة اتصالات مع زعماء الدول الحليفة للولايات المتحدة للوقوف على الأمر، حيث تحدث الرئيس الأميركي هاتفياً مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وناقشا «الجهود المشتركة لضمان الهزيمة الدائمة لداعش ومواجهة الجهود الإيرانية لاستغلال الصراع السوري من أجل تحقيق طموحاتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار».
وقد واصل ترامب «تكتيكه» بالتشاور إلى جانب السعودية مع أطراف أخرى أعربت عن خشيتها من تنفيذ ترامب رغبته بالانسحاب من سوريا، فقد تحدث يوم الأربعاء الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «لمعالجة التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط». وقال بيان للبيت الأبيض إن ترامب «كرر التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل واتفق الزعيمان على مواصلة تنسيقهما الوثيق في مواجهة التأثير الإيراني الخبيث وأنشطة عدم الاستقرار».
كما تحدث ترامب إلى حلفاء آخرين بينهم أمير قطر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمناقشة الموضوع.
وقال بيان البيت الأبيض بهذا الشأن إن «الزعيمين ناقشا التزامهما بضمان الهزيمة الكاملة لداعش». وقال قصر الإليزيه في بيان حول المحادثات إن «فرنسا والولايات المتحدة عازمتان على المضي قدماً في عملياتهما في إطار التحالف الدولي لقتال هذه المنظمة الإرهابية حتى النهاية». وأضاف «ينبغي ألا يشغلنا شيء عن هدف منع تنظيم «داعش» من الظهور مجدداً في المنطقة وإتاحة الفرصة لعملية سياسية شاملة في سوريا».
وكان ولي العهد السعودي قال في مقابلة مع مجلة «تايم» الأميركية إن على واشنطن أن تُبقي قواتها في سوريا للتصدي «للنفوذ الإيراني»، كما رأى أن الرئيس السوري بشار الأسد باق في السلطة، وتمنى ألا يصبح «دمية» بيد إيران.
ووفقاً للحوار، استبعد بن سلمان إزاحة الأسد من السلطة، وقال «بشار باقٍ، لكن أعتقد أنه من مصلحة بشار ألاّ يدع الإيرانيين يفعلون ما يحلو لهم».
تباينات المواقف
رغبة – أو مناورة– ترامب بالانسحاب قريباً من سوريا، جوبهت سريعاً بمواقف إعلامية ورسمية تؤكد على ضرورة استمرار التواجد الأميركي في سوريا حفظاً لمصالح واشنطن الاستراتيجية.
فمن جهة سارعت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى الإعلان عن إرسال مزيد من القوات إلى المواقع الأمامية خارج منبج قرب الحدود التركية، في حين نفت وزارة الخارجية وجود أي خطة للانسحاب من سوريا في الوقت الراهن.
وتعمل القوات الأميركية في سوريا ضمن تحالف دولي أنشئ قبل أكثر من ثلاث سنوات تحت عنوان محاربة «داعش»، ولدى الولايات المتحدة حالياً أكثر من ألفي جندي في شمال سوريا وشرقها.
وقد امتنع البنتاغون عن الإدلاء بأية معلومات عن عدد الجنود الذين تم إرسالهم مؤخراً إلى منبج، حيث تطالب تركيا، القوات الأميركية بالانسحاب من المنطقة لتتمكن من القضاء على النفوذ الكردي المتنامي فيها.
وفي سياق هذا الملف، أكد مدير هيئة الأركان المشتركة الأميركية كينيث ماكينزي عدم وجود مهلة أو مدة زمنية لإنهاء المهمة العسكرية في سوريا، والتي تتركز على مكافحة «داعش» والقضاء عليه.
واعتبر ماكينزي أن الأمر شبيه بالعمليات التي جرت في أفغانستان والعراق، مشيراً إلى أن من الصعب أحيانا تحديد مهل زمنية لإنهاء مهمات ذات طابع عسكري.
النفوذ الروسي والإيراني
قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال جوزيف فوتيل أشار في ندوة «المعهد الأميركي للسلام» إلى أن القوات الأميركية في سوريا حققت مع حلفائها تقدماً كبيراً في هزيمة داعش ولكن لم يتم هزيمتها بالكامل، وقال «أعتقد أننا في العراق في وضع جيد من الناحية الأمنية… الوضع في سوريا مختلف قليلاً». لافتاً إلى أنه «تم تحرير أكثر من 90 بالمئة من المناطق التي كانت تسيطر عليها داعش، لاسيما في الأجزاء الشمالية والشرقية من البلاد. ولكن لا تزال هناك بعض المناطق التي يوجدون فيها… وسنواصل العمل عليها».
وقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك أيضاً في الاجتماع الثلاثي مع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني يوم الأربعاء الماضي في أنقرة بأن داعش قد هُزم في سوريا، لكنه لا يزال يحتفظ بقدرة تدميرية كبيرة والقدرة على تغيير اساليبه سريعا والهجوم على دول ومناطق في أنحاء العالم. وأكد الرؤساء الثلاثة على أهمية تهيئة الظروف لعودة السوريين النازحين بفعل القتال في بلدهم. وقال البيان الصادر في ختام قمتهم إنهم يجب أن يواصلوا التعاون «لإحلال السلام والاستقرار في سوريا».
غير أن فوتيل أكد في الوقت نفسه على أن الوضع في سوريا يزداد تعقيداً بفعل وجود العديد من الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية: دول التحالف، روسيا، إيران، تركيا والحكومة السورية، مؤكداً على أن هناك دور عسكري للولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار في سوريا.
وقد ردد الدبلوماسي في وزارة الخارجية الأميركية، مبعوث الرئيس الخاص لدى التحالف الدولي لهزيمة داعش، بريت ماكغورك، ذلك التحذير قائلاً «أعتقد بأننا في وضع متقدم على ما كنا نعتقد أننا سنكون فيه في هذا الوقت، لكننا لم ننته بعد… وعلينا العمل من خلال بعض القضايا الصعبة للغاية التي نتحدث عنها… إنها مهمتنا، ومهمتنا لم تنجر بعد، وسننجزها».
وأوضح فوتيل أن الألفي جندي أو نحو ذلك التي يعترف البنتاغون بوجودهم في سوريا لهم دور في حل هذه القضايا، وقال إن «الجزء الصعب، كما أعتقد، لا يزال أمامنا وهو العمل على تحقيق الاستقرار في تلك المناطق وتعزيز مكاسبنا، وإعادة الناس إلى منازلهم ومعالجة قضايا إعادة الإعمار طويلة الأمد على المدى الطويل وغيرها من الأمور التي يجب القيام بها»، وأضاف «بالطبع هناك بالتأكيد دور عسكري في هذا خصوصاً في مرحلة الاستقرار».
Leave a Reply