يبدو أن اتهامات التحرش الجنسي الموجهة ضد المدير الإقليمي السابق لـ«أي دي سي-ميشيغن» تتجه الى مزيد من التعقيدات، فبعد أربعة أشهر من التحقيقات أعلنت اللجنة الأميركية لمكافحة التمييز العنصري (أي دي سي) في بيان صدر يوم الجمعة 27 أيلول (سبتمبر) أن المحامية المكلفة بإجراء التحقيقات، تيريزا غورمان لم تتوصل الى «أدلة كافية تدين المدير الإقليمي لـ«أي دي سي-ميشيغن»، عماد حمد، بالتحرش الجنسي ضد نساء عملن مع اللجنة خلال أدائه وظيفته»، وهو ما أثار موجة انتقادات وسط تشكيك بشفافية التحقيق واتهامات بتسييس القضية ترافقت مع استقالة ثلاثة أعضاء من فرع اللجنة بميشيغن.
وكان حمد قد أعطي إجازة مدفوعة من قبل إدارة اللجنة الوطنية بعد أن أرسلت النائب في كونغرس ميشيغن، العربية الأميركية رشيدة طليب، رسالة مفتوحة إلى رئاسة اللجنة تزعم فيها أن حمد قد تحرش بها جنسياً عندما عملت في مكتب «أي دي سي» في ديربورن قبل 15 عاماً.
وذكرت طليب في رسالتها أنها قامت بمحاولات سابقة لإبلاغ الإدارة العامة للجنة، لكنها فشلت في دفع اللجنة الوطنية لفتح تحقيق في الموضوع. وبعد أن إنتشرت رسالة طليب في وسائل الإعلام، تقدمت نساء أخريات ممن عملن مع حمد بنفس المزاعم ضده، ما دفع طليب الى إعادة رفع الشكوى.
وأشار بيان «أي دي سي» أن تحقيقاً مستقلاً أجرته محامية، مقرها في منطقة ديترويت، إستنتج «بعدم كفاية الأدلة لدعم الإدعاءات بالتحرش الجنسي».
ولكن اللجنة الحقوقية أوضحت في بيانها أيضاً أن حمد لن يعود مديراً لمكتبها في ميشيغن غير أنه سيبقى بصفة مستشار للمكتب خلال العملية الإنتقالية التي يتسلم فيها المحامي عبد أيوب منصب المدير الإقليمي الجديد للجنة دون أن تحدد اللجنة إطاراً زمنياً لهذه الفترة الإنتقالية. والمعروف أن أيوب هو من سكان ديربورن ويعمل حالياً بصفة مدير الدائرة القانونية العام في «أي دي سي» بالعاصمة واشنطن.
وعلمت «صدى الوطن» أن رئيس مجلس أمناء «أي دي سي» الوطني، الدكتور صفا رفقة، سيصل الى ديترويت قادماً من العاصمة واشنطن يوم الثلاثاء المقبل، ٨ تشرين الأول (أكتوبر) الجاري لعقد اجتماع مع المدير الإقليمي الجديد واللجنة الإستشارية للجنة «أي دي سي-ميشيغن» لبحث آخر المستجدات ومستقبل الفرع، فيما يتوقع أن تعقد طليب في اليوم نفسه مؤتمراً صحفياً تعلن فيه عن خطوات جديدة في قضية التحرش.
وعلى ضوء القضية، تعرض فرع ميشيغن إلى مزيد من الإنتكاسات خلال الفترة الماضية بعد أن أعلن عدد من أعضاء المجلس الإستشاري للجنة إستقالاتهم إحتجاجاً على إنعدام الشفافية في المكتب الوطني، كما تم إلغاء «ليلة القضاة» التي تقيمها «أي دي سي» كل عام.
المحامية مريم بزي عضو المجلس الإستشاري في «أي دي سي-ميشيغن» كانت آخر من تقدم بإستقالتها، بعد سهام عواضة جعفر والمحامي علي حمود، وذلك مباشرة بعد صدور بيان «أي دي سي» الذي برأ ساحة حمد، وقالت «إن هناك عدم شفافية في مسألة التحقيق وإن إستقالتي ليست ضد مبادئ «أي دي سي»، إلا أنها بيان ضد الطريقة التي تعامل بها المكتب الوطني حيال التحقيق وأريد أن أؤكد أني مازلت أحترم أعضاء المجلس الحالي وأؤمن بالأهداف والمهمة المناطة باللجنة إلا أني أحث المكتب الوطني على أن يتأمل ملياً بما حصل وأن يستمر في القيام بأداء ما أسست اللجنة على أساسه وهي حماية الحقوق المدنية لكل الناس». وأكدت بزي، التي ترأس اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي (أيباك) أن التحرش الجنسي «ليس مشكلة عربية أميركية بل مشكلة عالمية يجب على كل الثقافات أن تعالجها».
طليب: قرار «أي دي سي» مسيّس
وبعد قرار «أي دي سي»، أصدرت النائب طليب بياناً تطالب فيه بنشر التحقيق وأبلغت «صدى الوطن» أن المحامية غورمان، لم يسمح لها بتقديم إستنتاجات في القضية على عكس ما قالت «أي دي سي» في بيانها الذي أشار الى أن الجهة المشرفة على التحقيق توصلت الى عدم وجود أدلة تثبت تحرش حمد بضحاياه.
وأضافت طليب أن القول بأن الأدلة لم تكن حاسمة يعني أن «أي دي سي» تتهم النساء اللواتي تقدمن بإدعاءاتهن ضد حمد بالكذب. و«اللجنة تجعلهن بذلك ضحايا من جديد» وهذا يعبر «عن قلة إحترام شديدة للنساء العاملات والمتدربات والزبونات اللواتي تم التحرش بهن ولمسهن جنسياً».
وإستطردت طليب أنها لا تعرف العدد الدقيق للنساء اللواتي أدلين بإفادات التحقيق «وقد يكون الرقم سبعة نساء.. لكن إمرأة واحدة تكفي».
وإنتقدت طليب بعض «قادة الجالية الذين لم يغيروا من مواقفهم تجاه حمد» في أعقاب صدور الإتهامات ضده وقالت «بعض الناس، لسوء الحظ، كانوا متعاطفين معه. قادة الجالية كانوا يدعونه إلى المناسبات ويلتقطون معه الصور وينزلونها على صفحات التواصل الإجتماعي وكأن شيئاً لم يحدث. لقد شعرت النساء الضحيات أن الجالية لم تكن إلى جانبهن». ووصفت طليب «الأعمال الجنسية المريعة» التي زعمت أن حمد إرتكبها ضد الفتيات اللواتي عملن في مكتب «أي دي سي» بمدينة ديربورن وقالت «إنها كلها موجودة في التقرير» ومن الخطأ أن ندير ظهورنا لهؤلاء الفتيات». وأردفت أن كل النساء اللواتي تم التحقيق معهن كن يعملن في «أي دي سي» وكن على إتصال مع حمد وأن إمرأتين على الأقل أبلغتا المحققين بحوادث تحرش جنسي حصلت معهما عام 2011.
وتحدت طليب أعضاء مجلس أمناء «أي دي سي» بأن يبرهنوا أنها على خطأ عبر نشر نتائج التحقيق، وأكدت أن قرار اللجنة بالإبقاء على حمد كمستشار، رغم إقالته من منصب المدير الإقليمي، يأتي على خلفية سياسية لا علاقة لها بنتائج التحقيق. وأضافت أن رئيس مجلس أمناء «أي دي سي» الوطني، صفا رفقة، يمتلك سلطة القرار في المنظمة وكان هو الذي يقف وراء هذا القرار.
وذكرت طليب في بيانها أن «أي دي سي» فقدت من مصداقيتها بسبب عدم مساءلة مرتكبي الخطأ بل مساءلة الضحايا كما إنتقدت الذين يدعمون اللجنة مالياً بوجود «وحش جنسي» فيها.
وأفادت طليب أنها بالأساس لم ترد أن تجر الجالية إلى المحاكم لكنها الآن تحث النساء الذين تم التحرش بهن ضمن المدة المحددة قانونياً في ميشيغن، وهي ست سنوات، أن يلجأن إلى العدالة ضد حمد. وقالت «لقد أعطت «أي دي سي» الضوء الأخضر للوحوش الجنسية لكي تسعى للتحرش بالصبايا والنساء المصونات».
فاي مسلماني، من مدينة ويكسوم، كانت واحدة من النساء اللواتي أدلين بشهاداتهن أمام التحقيق، حيث قالت إنها لجأت الى «أي دي سي-ميشيغن» في العام ٢٠٠٧ لرفع شكوى للجنة بسبب تمييز تعرضت له من قبل رب عملها في ذلك الوقت. لكنها تعرضت لتحرش جنسي من قبل حمد الذي أمسكها وحاول تقبيلها بالقوة قبل أن تتمكن من دفعه بعيداً والهروب باتجاه المصعد، حسب زعمها.
وأعربت مسلماني عن صدمتها كونها شابة لبنانية أميركية حاولت الإحتماء بـ«أي دي سي» لكنها تعرضت للإساءة منها. وقالت مسلماني، إنها تواصلت مع طليب بعد أن عرفت بشأن الشكوى التي رفعتها للجنة «أي دي سي» الوطنية، وإنها قررت البوح بما حصل معها لتمنع تكرار الأمر مع نساء أخريات مؤكدة أنها بذلك تريد مساعدة النساء اللواتي تعرضن للاعتداء على كسر حاجز الخوف.
«أي دي سي» ترد على طليب
وأصدرت اللجنة بدورها بياناً، ليل الأربعاء الماضي، ردت فيه على طليب متهمة اياها بعدم ايفائها بالإلتزام بسرية اللقاء بين المحامي وموكله الذي من شأنه أن يضفي طابع السرية على التحقيق، بسبب طلبها نشر ماورد في التقرير الناجم عن التحقيق.
وقال البيان «إن المحقق المستقل قرر عدم وجود أدلة حاسمة بالتحرش الجنسي» وإن قوانين «أي دي سي» تشمل حماية خصوصية جميع الأفراد المعنيين وإحترام الطبيعة الحساسة لادعائهم و«إن أي كشف عن ما ورد في التحقيقات سوف يخل بالسرية التامة بين المحامي وموكله». وأضاف البيان «من الأهمية القصوى التأكيد على أن جميع الأطراف الذين تمت مقابلتهم، من ضمنهم عماد حمد، وافقوا على التقيد بالعملية التي رافقت سير التحقيق والآن عقب إنجاز التحقيق يخل البعض بهذا الإتفاق بعد أن كانت النتيجة غير مستساغة من قبلهم..».
«أي دي سي» تناقض نفسها:
محامية التحقيق لم تعط استنتاجاتها ولم تقرر شيئاً
وخلافاً لما ورد في بيان «أي دي سي»، أكد عضو المجلس الوطني في اللجنة، الدكتور سهيل إيليا، أن المحامية المسؤولة عن التحقيق لم تكن ضمن مسؤولياتها الإدلاء باستنتاجاتها أمام اللجنة الوطنية التي قررت تعيين حمد مستشاراً للجنة في ميشيغن بعد إعفائه من منصبه كمدير إقليمي.
وقد حاولت «صدى الوطن» الإتصال بالمحامية تيريزا غورمان، للوقوف على حقيقة الموضوع، إلا أنها لم تتلق رداً قبل صدور هذا العدد. ولكن المحامي عبد أيوب الذي عين مكان حمد، عاد وأكد لـ«صدى الوطن» بواسطة البريد الإلكتروني، أن بيان «أي دي سي» تضمن مغالطات.
وقال أيوب «بعد إجراء تحقيقات مكثفة، قدمت المحامية تقريراً كتابياً تضمن وقائع وشهادات أطراف القضية»، دون أن يتضمن تقريرها أي استنتاجات على عكس ما أعلنت «أي دي سي» في بيانها.
وأشار أيوب الى أن قرار اللجنة النهائي في قضية التحرش اتخذ من قبل أعضاء مجلس أمناء اللجنة الوطنية.
ومن جانبه، أضاف إيليا أنه «لم يكن أي شيء سرياً واتخذ القرار بشفافية حيث حصل كل عضو في مجلس الإدارة على نسخة من التقرير وحتى المراسلات بين اللجنة والمحامي المحقق كانت متوفرة أمام المجلس». إلا أنه إستطرد قائلاً «إن التحقيق كان خاصاً وداخلياً ولا يمكن نشره للعامة إستناداً إلى قانون السرية بين المحامي وموكله «لذا فهو -التقرير- ليس سجلاً عاماً، إلى أن تطلبه المحكمة وقبل ذلك فلن يمكننا نشر التحقيق».
وأردف «أن التحقيق تضمن إفادات من النساء اللواتي اتهمن حمد بالتحرش الجنسي جاءت متناقضة مع أقوال حمد الذي نفى هذه المزاعم فصارت كلمة النساء مقابل كلمة حمد. ونحن لا يمكن أن يُطلب منا أن نكون محكمة ونحن لا نقر أو ننفي أقوال حمد أو ادعاءات النساء فكيف نعرف من يقول الحقيقة؟ فقط المحكمة يمكنها أن تقرر ذلك».
وأشار إيليا إلى أن اللجنة تصرفت طبقاً للأصول ولو اعتبرت حمد مداناً فستكون اللجنة متهمة بالتمييز ضده لو طرد من عمله من دون «برهان ملموس». ولم يذكر إيليا عدد النساء في القضية لكنه أشار إلى أن إفاداتهن كانت متناقضة مع أقوال حمد كما أن عددا من الشهادات لم تكن موقّعة من قبل أصحابها. وأردف «السؤال ليس بعدد النساء.. واحدة من النساء تكفي وليس مقبولاً أو مسموحاً بالتحرش لكن نحن بحاجة إلى دليل وببساطة فإن اتهام عدة نساء له بالتحرش ولمجرد قولهن ذلك لا يجعل كلامهن صحيحاً».
ورفض إيليا الإفصاح عن حكمه الشخصي وعمن يعتقد بأنه يقول الحقيقة في هذه القضية، وقال «رغم أن إتهامات النساء قد تكون صحيحة فإنه قد يكون لديهن أيضاً دوافع للإيقاع بحمد». ولكن إيليا عاد وامتدح نجاح طليب بوصولها إلى مجلس النواب في ميشيغن واصفاً إياها بأنها «نموذج» للنساء العربيات.
وختم حديثه لـ«صدى الوطن» بالقول «نشعر بالأسى تجاه التحرش ولكن من ناحية ثانية نسأل أين الدليل ولماذا لم تشتكِ إلى المحكمة عندما حصل التحرش؟».
أما طليب فقد ذكرت أن العديد من الضحايا كن خائفات من الكلام جهراً في أعقاب التحرش بهن مباشرة وأن حمد إستغل صغر سنهن وعرف أنه من الصعب جداً أن تتحدث المرأة عن التحرش الجنسي داخل الجالية العربية الأميركية وأردفت «العديد من النسوة كنّ يمارسن أول عمل تدريبي لهن وتغيرت حياتهن رأساً على عقب لقد أصبن بانهيار عصبي من العمل وسط بيئة معادية خلقها من يفترض أن يكون بمثابة الأب القائد. لقد صدمت النساء ولم يعرفن ماذا يفعلن وعلى الناس تفهم أسباب لماذا لم يعلن ذلك للناس جميعاً».
لكن إيليا نفى أن تكون «أي دي سي» غير مكترثة بالوضع وأكد «أنه ليس مسموحاً ارتكاب أي نوع من التحرش في «أي دي سي». لقد إخترنا أن نكون هنا وان نكون أميركيين ونحن نتقيد بالقانون الأميركي، والمكتب الوطني يعمل ليلاً نهاراً من أجل الحفاظ على العدالة».
وأضاف «يتوجب احترام كل إمرأة ولهن جميعاً الحق بالعدالة لكنهن إذا لم يتبعن القانون فلا نقدر على المحاربة عنهن. عليهن أن يقاتلن بأنفسهن طبقاً للقانون. نحن نقاتل من أجل مبادئ «أي دي سي» فقط ومستمرون في النضال من أجل هذه المبادئ».
محامي حمد: الجميع خاسرون
من جانبه، قال محامي الدفاع عن حمد، شريف عقيل، إن المسألة «ليست طرفاً بمواجهة آخر»، وإن نتائج التحقيقات لم تشكل نصراً لموكله، مشيراً الى أن «لا رابح» في هذه القضية، فحمد وأسرته و«أي دي سي» والجالية برمتها خسرت في هذه المواجهة. وأكد عقيل أنه لا يعلم ما إذا كانت المحامية غورمان التي أجرت التحقيقات هي من توصل الى الإستنتاج الذي نص على عدم وجود أدلة كافية لإدانة حمد. لكنه شدد على أن التحقيقات كانت مستقلة وأن موكله تجاوب معها الى أقصى الحدود.
Leave a Reply