خليل إسماعيل رمَّال
تعهَّد التكفـيريون بالرد على التدخُّل الروسي بعد تكبيدهم خسائر فادحة فـي سوريا واستحضروا تجربة السوفـيات فـي أفغانستان. لكن تهديد ووعيد «داعش» و«النصرة» ما هو إلاَّ الاحتضار قبل السحق، ذلك أن هؤلاء الذين يعيشون خارج التاريخ لا يعرفون أنَّ الزمن تحوَّل وأنَّ الأسباب التي أدت إلى هزيمة الإتحاد السوفـياتي سابقاً لم تعد موجودة للأسباب الآتية:
١- روسيا اليوم ليست الإتحاد السوفـياتي وقد تحررت من النظام الشيوعي الذي كبَّل الدولة ووضع لها حدوداً وخطوطاً حمر. كما أنَّ الزمن ليس زمن الحرب الباردة التي جعلت الغرب والحلف الأطلسي وأنظمة العرب الرجعيَّة تتكالب على موسكو وتصنع ظاهرة بن لادين. فموسكو بوتين اليوم، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، تدافع عن نفسها وعن الغرب بشكل عام وتحميه من نفسه بعد أنْ صنع ودعم وموَّل الاٍرهاب التكفـيري عبر دول الخليج وتركيا وَإِنْ كان اليوم يقوم بنفس الدور المشبوه عبر إنزال الذخيرة لما يُسمَّى المعارضة المعتدلة الوهمية، ولكن بطريقة محدودة جداً.
٢- لا أحذية عسكرية روسية على الأرض ماعدا المستشارين والمدربين على الأسلحة الجديدة، مما يعني أنَّ الخسائر البشرية الروسية ستكون معدومة. كذلك لا يوجد احتلال عسكري روسي كما كان الوضع فـي أفغانستان فالجيش السوري مازال قوياً وفعالاً رغم الاستنزاف الكبير له منذ ٥ سنوات وهو الذي يتولى العبء الأكبر فـي المعارك مع عدم الانتقاص من القدرة الجوية الروسية.
٣- الروس ليسوا لوحدهم هذه المرَّة كما كان السوفـيات بل تساندهم القوات السورية والايرانية والمقاومة والتي تلعب دوراً كبيراً على الأرض بمساندة الحملة الجوية وستحقق هذه القوات بلا شك إنجازات عسكرية استراتيجية عظيمة فـي المُقبِل من الأيام.
٤- روسيا لم تبدأ هذا التدخُّل لتخسر المعركة وتهديدات التكفـيريين سترتد إلى نحورهم وهم أصبحوا فـي وضعٍ لا يُحسدون عليه بعد إطباق الكماشة العراقية عليهم والحديث عن إصابة البغدادي نفسه فـي إحدى الضربات الجوية.
هذا على صعيد الوضع فـي المنطقة حيث يبدو أنها مقبلة على شتاء ساخن بعد استمرار الغرق السعودي فـي اليمن واشتعال الانتفاضة الثالثة فـي فلسطين المحتلة، مما سيؤثر على تأخر الحلول فـي بلد مثل لبنان حيث لا نعلم أي نوع من البلدان هذا الذي يتصرف فـيه ساسته وكأن كل شيء فـيه طبيعي بينما لا شيء فـيه طبيعي!! البلد خربان ما بين حراك مدني «طلَّعوه عن عرضه» ولم يبق أحد إلاَّ هاجمه وهتكه من الزعماء و«المسائيل» فـي الدولة المرهقة، وبين نفايات لا تستطيع زبالة الحكم إيجاد مطامر لها فـي أي منطقة وقبل حلول فصل الشتاء مما يهدد بكارثة بيئية وصحية مهولة، وما بين حوار الطرشان بين النواب وإسقاط تيار «المستقبل» للتسوية عبر فؤاد السنيورة وميشال سليمان، كل هذا أوصل الحكومة السلامية إلى غرفة العناية الفائقة مع الدعاء لها بالموت السريع بإذن الله.
ففـي الأسبوع الماضي، رأينا الدولة الديكتاتورية البوليسية بأفضل تجلياتها وهي بعد قمع التظاهرة السلمية عبر القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه التي كانت ترشُّ المتظاهرين من صهاريج طيلة الليل ولساعات طويلة، (من أين أتى كل هذا الماء والنّاس يشترونه بالغالونات؟)، قامت بحملة اعتقالات عشوائية واسعة من دون تهم من أجل ترويع المسيرة وحرفها.
وكانت حجة وزارة الداخلية ومن ورائها من القوى السياسية ان المتظاهرين كسروا مدخل فندق «لوغري» الفخم عبر نزع حجارة الحائط المغروسة بالإسمنت والتي يتطلب نزعها معدات خاصة. وهكذا كثر الحديث عن التخريب والتدمير وأصدرت كتلة «المستقبل» بياناً طويلاً عريضاً بهذا الصدد نسيت فـيه كل مطالب النَّاس وكان جل همها التلميح إلى الاندساس. ولكن لمَ لا تكون السلطة وجماعتها وراء المندسين لكي يميِّعوا الحراك الشعبي ويقوننوه طائفـياً ويُبعدوا الشعب عن مطالبه المحقة؟! تماماً مثل السلطان العثماني أردوغان الذي تأتمر «داعش» بإسمه لكنها، يا للصدفة، فجرت محطة قطار فـي وقت كانت فـيه التظاهرات عارمة ضد الديكتاتور التركي!
نعم الحراك المدني ليس معصوماً خصوصاً إذا كان يحوي فئات شعبية واسعة ومتعددة لكن كيف السبيل للتغيير فـي مسخ وطن ونظام لصوص وناهبين من دون تظاهرات ونفض لهذا النظام المجرم؟! هل يتجنى المواطن المشارك فـي وسيلة حراكه على الدولة إذا كان يعيش فـي العتمة ومتطلبات مصروفه أكبر من إنتاجه ولا خدمات أساسية بالمقابل تراعي أبسط مقومات الإنسانية له ولعائلته مثل الطبابة والتعليم المجَّاني وفرص العمل وضمان الشيخوخة وشبكة الأمان الإجتماعي؟ ثم ماذا قدم السياسيون والزعماء والنوائب حتى اليوم من حلول للعيش بكرامة فـي هذا البلد؟
اليوم بعد مؤامرة توزيع الأدوار داخل «١٤ آذار» تعطلت الحكومة المعطوبة أصلاً بعد تقاعد قائد فوج المغاوير شامل روكز وأصبح مصير البلد على كف عفريت، فـي وقتٍ يزداد فـيه الخطر التكفـيري بسبب وقوعه فـي كماشة محور المقاومة الخماسي فـي سوريا والعراق حيث بدأت عملية التحرير من بيجي والرمادي إلى جسر الشغور وإدلب وحلب.
Leave a Reply