بلدية ديترويت تنضم إلى المدن المتضامنة مع غزة .. وإبسيلانتي تتراجع تحت الضغوط
ديترويت، آناربر، ديربورن
قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ في غزة صباح يوم الجمعة، واصلت منطقة ديترويت –على مدار الأسبوع الماضي– مواكبتها للحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصر عبر تنظيم العديد من الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، أبرزها اقتحام تظاهرة طلابية لمبنى إدارة «جامعة ميشيغن» بمدينة آناربر، في حين انضمت ديترويت إلى قائمة المدن المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، رغم تراجع مدينة إبسيلانتي عن قرار مماثل بعد تعرضها لحملة ضغوط شعبية قادها أنصار إسرائيل.
تضامن رسمي
بعد أسابيع من المماطلة والتأجيل، صوت مجلس بلدية ديترويت –الثلاثاء الماضي– لصالح قرار يدعم وقف إطلاق النار والإفراج الفوري عن جميع الرهائن إلى جانب السماح بإدخال المساعدات الحيوية إلى قطاع، وكذلك تفعيل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع المسلح بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية.
القرار الذي تقدمت به عضو المجلس غابرييلا سانتياغو روميرو، نال تأييد سبعة أعضاء من أصل تسعة يشكلون كامل المجلس الذي حذّر في قراره من «العواقب المدمرة» من تدهور النزاع المسلح في الأراضي المحتلة واحتمال تحوّله إلى «صراع إقليمي أوسع»، معرباً عن إيمانه بوجوب أن «تمتثل جميع الدول التي تسعى إلى الدفاع عن النفس للقانون الإنساني الدولي، بغض النظر عن السياق الجغرافي».
روميرو، التي شاركت سابقاً في مظاهرة مؤيدة للقضية الفلسطينية بقلب مدينة ديترويت، أوضحت بأن قرار المجلس المتضامن مع الضحايا الفلسطينيين يرتكز على «الإنسانية» بالدرجة الأولى، وقالت: «لقد تحدث سكان ديترويت بصوت عالٍ وواضح: نحن نطالب بوقف إطلاق النار للسماح بالإفراج عن الرهائن وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل غير مشروط إلى جميع المناطق المحاصرة»، مؤكدة على ضرورة تفعيل القنوات الدبلوماسية لإنهاء الكارثة الإنسانية في الأراضي المحتلة.
واتفق أعضاء مجلس مدينة ديترويت على أنه «لا يجوز حرمان أي إنسان من الماء والغذاء والطاقة والإمدادات الطبية والرعاية الصحية»، في إشارة إلى تفاقم الأوضاع المعيشية والصحية في قطاع غزة الذي يعاني من خروج معظم المرافق الطبية عن الخدمة بسبب الغارات والاقتحامات الإسرائيلية للمستشفيات المحلية.
ورغم تصويت العضو كولمان يونغ ضد القرار «بسبب عدم إدانته الصريحة لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وكذلك لعدم اعترافه بحق إسرائيل في الوجود»، إلا أنه أبدى تعاطفه مع الضحايا الفلسطينيين، وقال: «قلبي ينفطر من أجل أطفال فلسطين، كما أنني لست معجباً بما يفعله (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، ولا أوافق كذلك على بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ولكن فلسطين ليست حماس»، مستدركاً بأن قرار مجلس مدينة ديترويت لم يوصِ بـ«حلّ الدولتين».
وكانت مدن ديربورن وديربورن هايتس وإبسيلانتي قد أصدرت قرارات مشابهة خلال الفترة المنصرمة، إلا أن مجلس بلدية إبسيلانتي عاد وصوت لصالح سحب القرار التضامني مع غزة في جلسته يوم الثلاثاء الماضي، إثر تعرّض أعضاء المجلس لحملة ضغوط شعبية قادها أنصار إسرائيل.
غضب طلابي
قام مئات المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطينية، مساء الجمعة الماضي، باقتحام المبنى الإداري لـ«جامعة ميشيغن» في آناربر واعتصموا داخله لعدة ساعات، رافعين شعارات منددة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قبل أن تقوم قوات الشرطة بتفريقهم.
وتم تنظيم التظاهرة من قبل تحالف الطلاب من أجل الحرية والمساواة SAFE، و54 منظمة طلابية أخرى خارج مبنى «ألكسندر روثفين» الإداري، قبل أن يتمكن بعض المتظاهرين من التسلل إلى داخل المبنى وفتح الأبواب أمام الحشد الذي تدفق سريعاً إلى الداخل رغم محاولات الشرطة لمنعهم.
واعتصم المتظاهرون داخل المبنى لساعات عدة مطالبين رئيس الجامعة سانتا أونو بسحب الاستثمارات من الشركات الإسرائيلية، وسط هتافات «من النهر إلى البحر» و«فلسطين حرة» إلى جانب الأعلام الفلسطينية ولافتات تطالب بوقف إطلاق النار في غزة.
وطالب المتظاهرون، الجامعة بالالتزام بمعاييرها الأخلاقية بعد قيامها بسحب استثماراتها من روسيا في غضون أسبوع من بدء حرب أوكرانيا، بينما ترفض حتى الآن المساس باستثماراتها الإسرائيلية أو حتى إدانة جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة.
وبحسب منظمي الاعتصام، مُنع المتظاهرون داخل المبنى من الحصول على المياه أو استخدام المراحيض العامة، الأمر الذي أدى إلى إنهاء الاحتجاج لكنهم أكدوا على أنهم «سيواصلون النضال من أجل المدنيين الفلسطينيين الأبرياء».
ولم تشهد التظاهرة إلقاء القبض على أيّ من المحتجين، غير أنه تم توقيف أربعين منهم وتحرير مخالفات بحقهم لاقتحامهم مكتب رئيس الجامعة ورفضهم مغادرته.
وفي وقت لاحق، أبرقت الشرطة رسالة إلكترونية مفادها بأن المخالفات المحررة بحق عشرات الطلبة أُصدرت عن طريق الخطأ، وبالتالي فإن الطلبة غير ممنوعين من متابعة دروسهم الأكاديمية ودخول المرافق الجامعية.
من جانبها، قالت رئيسة «التحالف الطلابي من أجل الحرية والمساواة»، سلمى حمامي، بأن الطلبة حاولوا الاجتماع بشكل عاجل مع أونو الذي يرفض الاستماع لمطالبهم، مضيفة بالقول: «لقد بذلنا الكثير من الجهود لإجراء محادثة بسيطة مع رئيس الجامعة لكنه رفض مراراً وتكراراً الاجتماع معنا لمناقشة العديد من القضايا الملحة التي تثير قلق واستياء الكثير من الطلبة في جامعتنا».
وأظهرت العديد من مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي عناصر الشرطة وهم يقومون بإخراج عشرات الطلبة من المبنى الإداري مستخدمين أساليب عنفية، وقالت حمامي الفلسطينية الأصل: «الحقيقة هي أن رئيس الجامعة ومجلس أمنائها يفضلون التعامل بعنف مع طلابهم من خلال عناصر الشرطة، بدلاً من الاجتماع مع 55 منظمة طلابية تحاول التواصل معهم منذ أسابيع»، لافتة إلى أن موقف الجامعة من الصراع في الشرق الأوسط والاحتجاجات الطلابية يضرّ ويؤذي «مشاعر الطلبة العرب والمسلمين في الحرم الجامعي».
وأوضحت حمامي: «هذا يجعلنا نشعر بأنه لا يتم تقديرنا على الإطلاق، إذا كان بإمكان الرئيس أن يعلن أنه يريد حماية الطلاب وسلامتهم فلماذا يتجاهل دعواتنا العديدة للاجتماع معه»، مؤكدة بأن الطلبة العرب والمسلمين باتوا يشعرون بأنه «غير مرحب بهم في جامعة ميشيغن».
من جانبه، أفاد المؤسس والرئيس المشارك لمنظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام بجامعة ميشيغن»، أليكس سيبولفيدا، بأن رد الشرطة على احتجاج الطلبة يؤكد عدم رغبة قادة الجامعة في الاستماع إلى مخاوف الطلاب. ووصف سيبولفيد ما حدث بأنه يفضح المواقف الحقيقية للجامعة التي تبدو وكأنها «مدينة بالفعل لمصالح الشركات، بأكثر ما هي مدينة لمصالح الطلاب»، على حد تعبيره.
فعاليات متواصلة
في منطقة ديربورن، تواصلت الفعاليات الاحتجاجية على انحياز إدارة الرئيس جو بايدن لإسرائيل في حربها الوحشية على غزة، لاسيما وأن العرب والمسلمين الأميركيين كانوا قد لعبوا دوراً محورياً في فوز بايدن والديمقراطيين في الانتخابات.
في السياق، تواصلت التظاهرات والفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني خلال الأسبوع السابع من العدوان على قطاع غزة، وسط دعوات مستمرة لعدم التصويت مجدداً للرئيس بايدن وبقية المسؤولين الديمقراطيين الذين تجاهلوا منذ بداية الحرب، حقوق الفلسطينيين، وتسابقوا إلى دعم دولة الاحتلال بدعوى حقها في الدفاع عن النفس.
وتظاهر أكثر من مئة شخص يوم السبت الماضي أمام مكتبة هنري فورد المئوية في وقفة احتجاجية تضمنت مهرجاناً خطابياً وعرض عشرات الأكفان البيضاء على رصيف شارع ميشيغن أفينيو، في إشارة إلى مقتل زهاء ستة آلاف طفل فلسطيني منذ بدء العمليات الإسرائيلية رداً على عملية «طوفان الأقصى»، في السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
ودعا المتحدثون، ومن بينهم مسؤولون محليون، إلى وقف الحرب في قطاع غزة وفرض تدابير تلجم دولة الاحتلال من الإمعان في قتل وتشريد الشعب الفلسطيني المستمر منذ 75 عاماً، مؤكدين على عدالة القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في العيش بحرية وكرامة على أرضهم التاريخية.
وكانت ديربورن قد شهدت العديد من الفعاليات الاحتجاجية منذ اندلاع الحرب، من بينها مهرجان خطابي حاشد في مركز فورد للفنون، ومسيرتان انطلقتا من منتزه «فورد فيلد»، وتظاهرات أسبوعية أمام «مكتبة هنري فورد المئوية» مساء كل سبت، فضلاً عن العديد من الوقفات التضامنية التي نظمتها المراكز الإسلامية في المنطقة.
كذلك، شارك المئات في وقفة احتجاجية على جرائم العدوان الإسرائيلي بمدينة هامترامك في بدايات الشهر الجاري، تميزت بحضور رئيس بلديتها اليمني الأصل أمير غالب الذين أدان «غطرسة» الكيان الإسرائيلي وإمعانه في قتل الفلسطينيين مزهقاً «في كل لحظة» المزيد من أرواح المدنيين الأبرياء في القطاع المحاصر.
وشجب غالب مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة وإصرارها على إفشال عشرات القرارات المنددة بجرائم الدولة العبرية في مجلس الأمن الدولي، لافتاً إلى أن «رئيسنا جو بايدن يقود للأسف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حملة من الأكاذيب المضللة» لتغطية جرائم دولة الاحتلال وتبرير الحرب «الهمجية» على الشعب الفلسطيني.
وفي إطار الفعاليات الشعبية أيضاً، أحيى مطعم «غالاتا» بمدينة ديربورن «ليلة من أجل فلسطين»، مساء الثلاثاء المنصرم، لجمع التبرعات لضحايا الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وذلك بالتنسيق مع صحيفة «صدى الوطن» ومنظمتي «جيل جديد من أجل فلسطين»، و«اتحاد النساء العربيات» في منطقة ديترويت.
وشهدت الفعالية عروضاً موسيقية «حيّة» من التراث الفلسطيني من السادسة مساء ولغاية إقفال المطعم المتخصص بتقديم المأكولات والمشروبات التركية، إلى جانب تخصيص أرباح المبيعات في تلك الليلة للإسهام في مساعدة مئات آلاف الفلسطينيين المنكوبين في القطاع المحاصر.
وأفاد صاحب «غالاتا» عماد محمد بأن المساهمة في جمع التبرعات لضحايا العدوان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة «هي أقل من يمكن فعله للتضامن مع الفلسطينيين خلال هذه المحنة التي تثير تعاطف مئات الملايين حول العالم مع عدالة القضية الفلسطينية»
Leave a Reply