بلال شرارة
فـي قرانا, كان كبار السن يبتهلون الى الله كي (يوفقنا) فـي اعمالنا, ويقينا عين الحاسد, ويرزقنا بـ (بنت الحلال)..الخ.
وكانوا اذا عاد فلان من السفر ينتظرون حتى يفتح الحقيبة الكبيرة, فاذا فعل وكانت مليئة بالهدايا قالوا: (توفق) فلان.
وكانوا يقولون: (الدنيا توافـيق) أي حظوظ. وكانوا يشيرون للدلالة على انتصار العسكر بالقول: (توفقت الحملة).
فـي قرانا, وعبر العقود المنصرمة, كان أهلنا, أبا عن جد, يكثرون من اطلاق اسم (توفـيق) على المواليد الذكور جلبا للسعد وطردا للشرور.
وكانوا اذا اصاب فلان ربحا وفـيرا فـي (بيعة) او (شروة) اكثر مما ينتظر يقولون: هذه او تلك اي الشروة: توفـيقة.
ونحن كبار, توفق بعضنا فـي اختيار مجرى حياته وسلوكه ونظام علاقاته, وفشل بعضنا. وجلنا فشل بالتأكيد لأنه لم (يتوفق) الى تحقيق طموحه, وبقي ضميراً مستتراً لا يستطيع النهوض ليأخذ موقعه كضمير فاعل فـي لغة اعراب المجتمع.
ولكن, ونحن كبار, وعلى اتساع مساحات القرى على خارطة الوطن انجذب الكلام الى بعضه, و (توفقنا) لأن نعمم مصطلحات القرى فـي شارع سياسة المدينة الكبيرة واستطعنا ان نعنون المرحلة الراهنة بشعار الوفاق.
الوفاق استفز كل ما عداه من مفردات اللغة, فتدافع الذين (توفقوا) بالوطن على مدى عمر الوطن لدفع المصطلح والمضمون تحت ركام الكلمات الضائعة فـي لعبة كلمات السياسة المتقاطعة.
ولكن يبدو, انه من المؤكد, ان الذين (توفقوا) فـي السابق لاختزال ازمات الوطن على مائدة المغانم بدأوا يسقطون فـي امتحان النتائج, رغم ان الامور شبهت لهم الى حد بعيد بدا فـيه (اليوم مثل البارحة). فهؤلاء يحاولون احتواء (الوفاق) فـي ملف الفراغ والتعطيل وتجاهل الدستور , وادراجه اي – الوفاق- كفاتورة متأخرة السداد الى اجل غير مسمى او حتى اشعار آخر. ويحاولون الدوران حول المصطلح بتفصيله على قياس اشخاص. بمعنى استظهار الامر على نحو ما: من خلال اقناع الرأي العام ان حل الازمات يتوقف على (التوفق) بمرشح (توافقي).
هكذا الامر؟.. ننتظر جميعاً على محطات الازمات المتتالية, لعلنا (نتوفق) خلال الاسابيع القادمة بمخلص ينقذنا مما نحن فـيه, ويستطيع المجلس النيابي ان يتوفق برئيس جمهورية يحمل كلمة السر التي تفتح خزائن كنوز مغارة (علي بابا), او تستدرج (الجان) من فانوس علاء الدين فـيزيل التلوث الذي اصاب البحر والبر ويعيد وصل اوصال شبكات الماء والكهرباء , ويزيل خيام المعتصمين ويفتح المعابر ويعيد العسكريين المخطوفـين ويملأ الوطن عدلا ومساواة بعدما ملئت ظلماً وجورا!
هل ترانا سذجاً الى هذا الحد؟ ربما نحتاج الى صحوة ضمير واجماع على قيامة الوطن, لأن الامر لا يمكن ان يتوقف على اجماع السادة النواب لاي سبب كان حول شخص الرئيس, حتى ولو وجدوا بين اسماء المرشحين الافاضل او القابهم من يلقب او يحمل اسم (توفـيق).
اذا تجاوز السادة النواب (اتفاقهم) الى (وفاقنا), واذا استبدل اجماع القوى السياسية والطائفـية والمذهبية باجماع المواطنين على (الوفاق) يكون الله سبحانه وتعالى قد (وفقنا) وانقذنا من شر ما نحن فـيه (وما التوفـيق الا من عند الله).
Leave a Reply