وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
يُجمع العراقيون بكل أطيافهم على أن الانتخابات الأخيرة هي الأكثر إثارة للجدل منذ الغزو الأميركي لبلادهم عام 2003.
قوى تقليدية غابت عن المشهد وأخرى تقدمت، لكن الصورة ما زالت مشوّشة حتى الآن بسبب عدم إعلان النتائج النهائية التي لن تصدر قبل نحو أسبوعين، هذا عدا عن الانقسام الحاصل بين المكوّنات المختلفة التي شاركت في تلك الانتخابات، حيث راوحت المواقف بين مرحب ومعارض، بمعزل عن المقاطعين.
أول المرحبين بنتائج الانتخابات، كتلة الصدرية التي يتزعمها مقتدى الصدر وحازت العدد الأكبر من المقاعد (73 مقعداً) تلاها تحالف «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي الذي حلّ ثانياً بـ37 مقعداً و«الحزب الديمقراطي الكردستاني« بزعامة مسعود برزاني الذي حلّ رابعاً بـ33 مقعداً.
أما المعترضون والذين ملأ أنصارهم ساحات كثيرة في محافظات ومدن عديدة منذ الأحد الماضي رفضاً للنتائج وتشكيكا بنزاهتها، فهم القوى الشيعية المنضوية تحت «الإطار التنسيقي» وأبرزها ائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي الذي حل ثالثاً بـ34 مقعداً وتحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري الذي حل خامساً بـ17 مقعداً، و«تحالف قوى الدولة الوطنية» بزعامة عمار الحكيم، وتحالف «العقد الوطني» بزعامة رئيس هيئة «الحشد الشعبي» فالح البياض، وتحالف «عزم» بقيادة خميس الخنجر ويضم قوى سنية وحصل على 12 مقعداً.
أما المقاطعون فكانوا من الجبهة الوطنية المدنية العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي والحزب الشيوعي العراقي الذي يتزعمه رائد فهمي، إضافة إلى مجموعات الحراك الشعبي.
في سياق متصل، توقف كثيرون عند أداء الماكينة الانتخابية للتيار الصدري الذي حصد العدد الأكبر من المقاعد حيث تميزت بالاستعداد العالي والحملات الدعائية المكثفة التي استهدفت من خلالها تحديث بطاقات ناخبيها وهو ما ترك تأثيراً واضحاً في النتائج لأن المفوضية العليا للانتخابات اعتمدت البطاقة البايومترية حيث سُجّل قصور لدى الأطراف الآخرين في متابعة هذا الأمر مع ناخبيهم.
زعيم التيار الصدري سارع إلى الترحيب بنتائج الانتخابات مؤكداً سعيه إلى بناء تحالفات وطنية لتشكيل الحكومة الجديدة، في حين يصر «الإطار التنسيقي» على رفضه للنتائج، محذراً المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من عدم قبول الطعون وسط تلويح بإجراءات «تصعيدية لضمان استعادة أصوات ناخبيها التي سُرقت منها».
اعتصام مفتوح في بغداد
بعد أن أظهرت النتائج الأولية للانتخابات، فوز حوالي 230 مرشحاً من خارج المجلس الذي يضم 329 مقعداً، وفضلاً عن المفاجأة الكبرى بانتخاب 97 امرأة، أبدى الكثيرون تشكيكهم في النتائج وصولاً إلى رفضها. وقد تبلور ذلك سريعاً عبر احتجاجات وتظاهرات أخذت منحى تصعيدياً، حيث عمدت مجموعات من المعترضين لتحويلها إلى اعتصامات مفتوحة في محيط «المدينة الخضراء» التي تضم المؤسسات الحكومية والبعثات الدبلوماسية، إلى أن تتحقق مطالبهم.
وركز المعتصمون على سلميتهم وعلى طلبهم الوحيد وهو إعادة فرز الأصوات يدوياً.
الجهات الخارجية لم تكن بمنأى عن شعارات المحتجين، حيث رفعوا لافتات تدعو بعثة الأمم المتحدة إلى أن تكون أمينة على رسالتها في العراق لا أن تشارك في «الاغتيال السياسي» بحسب المتظاهرين.
فيما اعتبر آخرون أن حقهم ضاع بسبب مشاريع أميركية–سعودية ويجب أن يُستعاد من خلال إعادة فرز الأصوات يدوياً منعاً لأي التباس وتلاعب بالنتائج من خلال الفرز الإلكتروني.
يُشار إلى أنّ «من بين المشاركين في الاعتصام عند بوابة المدينة الخضراء» شيوخ عشائر ومرشحون مستقلون فضلاً عن مشاركة أنصار «تحالف الفتح» في الاحتجاجات في بغداد والمحافظات.
وتعليقاً على ما تشهده المدن العراقية من تظاهرات واحتجاجات قال رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، إن الاعتراض على نتائج الانتخابات يجب أن يكون في الإطار القانوني، وقال خلال ترؤسه اجتماعا للمجلس الوزاري للأمن الوطني، إن «التظاهر السلمي حق دستوري، ومن واجب القوات الأمنية تأمين حق التعبير عن الرأي، على ألا يتضمن التجاوز على القانون والنظام أو التضييق على المواطنين، وقطع الطرق وتعطيل الحياة العامة، أو الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، أو الإساءة إلى هيبة الدولة».
وقد توجه بدوره رئيس تحالف «الفتح» العراقي هادي العامري، الأربعاء الفائت، إلى المحتجين على نتائج الانتخابات التشريعية، داعياً إياهم إلى اعتماد النهج السلمي وانهاء ظاهرة حرق الاطارات وقطع الطرق.
وأكد العامري أن على المفوضية العليا للانتخابات النظر بجدية في جميع الطعون المقدمة لها من أجل طمأنة الجميع وإثبات حياديتها الكاملة، على حد تعبيره.
من جهته، قال المالكي في رسالة وجهها للقوى السياسية إن «المسار الديمقراطي هو السبيل الوحيد لإنتاج السلطة»، موضحاً أن «البلاد تمر بمرحلة تاريخية دقيقة، فعلى الجميع تحمل مسؤولياته في الحرص على السلم الأهلي ووحدة العراقيين وعدم تعميق الانقسامات، والحيلولة دون الانزلاق إلى الفوضى والخلافات العقيمة، ورفض أي ممارسة تدفع نحو الانسداد السياسي».
بدء النظر في الطعون
ويوم الأربعاء الماضي، وفي محاولة لإثبات مصداقية باتت مفقودة بنسبة كبيرة، أعلن رئيس مجلس المفوضين القاضي جليل عدنان خلف، تسلم حوالى 1,400 طعن من قبل المرشحين المعترضين على نتائج الاقتراع العام، مؤكداً البدء بالنظر في الشكاوى والطعون. وذكر خلف أن مجلس المفوضين سيصادق على نتائج الانتخابات بعد انتهاء الهيئة القضائية من مراجعة نتائج الطعون سواء كانت بالرد أو القبول، وبعد إكمال هذه العملية، تعلن المفوضية أسماء الفائزين بمقاعد البرلمان وترفعها إلى المحكمة الاتحادية للمصادقة عليها.
ولفت خلف إلى أنه «لا يمكن إعادة العد والفرز اليدويين في كل مراكز الاقتراع والمحطات الانتخابية بل فقط في تلك التي يقدم طعن في نتائجها».
وذكر في بيان أنه «بعد إعلان مفوضية الانتخابات بتاريخ 16 تشرين الأول 2021 اكتمال احتساب نتائج الاقتراع العام وانتهاء مدة الطعون بهذه النتائج يوم 19 تشرين الأول، بدأنا منذ صباح 20 تشرين الأول مرحلة مهمة في العملية الانتخابية وهي النظر في الطعون بعد انتهاء المدة القانونية لتقديمها، والتي وجهنا بتسهيل الإسراع بتسلمها وتسجيلها وسمحنا بأن تقدم الوثائق الثبوتية لاحقاً ولمده ثلاثة أيام، إيمانا منا بضرورة استقبال جميع الطعون ولتسهيل ممارسة حق الطعن من قبل المرشحين المعترضين». وأضاف أنه «خلال هذه الفترة تسلمنا الطعون البالغ عددها ما يقارب من 1,400 طعن، وستقوم المفوضية بالنظر في الطعون المقدمة من المعترضين على النتائج وفق القانون».
وأوضح بأن مفوضية الانتخابات تقف على مسافة واحدة من الجميع مؤكداً أن «مرحلة الشكاوى والطعون لا تقل أهمية عن المراحل الأخرى، وسنقوم بالتعامل معها بكل أمانة وحرص ومهنية واستقلالية لحين تصديق النتائج النهائية». وفي سياق متصل، نفت المفوضية العليا للانتخابات، أنه تم رفض جميع الطعون المقدمة في النتائج، مؤكدة أن عملية استقبال الطعون مستمرة في المحافظات كافة.
الوضع السياسي والاجتماعي
على صعيد آخر، نفت مصادر عراقية مطلعة لـ«صدى الوطن» ما تردد عن إمكان عقد اجتماع بين القوى السياسية الشيعية ومحمد رضا نجل المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني لمناقشة اختيار رئيس الحكومة الجديدة.
وشهدت بغداد مناوشات إعلامية جديدة بين تحالف «دولة القانون»، وأنصار الصدر، بعد تصريحات متبادلة حيال مسألة تشكيل الحكومة المقبلة، التي لا يتوقع أن تكون ولادتها سهلة نظراً للنتائج الأولية للانتخابات.
ويعمل المالكي على تشكيل أكبر كتلة برلمانية عبر ضم أعضاء لوائح أخرى إليها فيتجاوز بذلك، حجم كتلة الصدر، وينتزع منه حق تسمية رئيس الوزراء الجديد الذي سيتعين عليه نيل ثقة أغلبية أعضاء البرلمان، وفق الدستور العراقي.
ورغم إعلان النتائج الأولية للانتخابات، يعيش العراقيون هذه الأيام، حالة من القلق إزاء المرحلة المقبلة في ظل عدم تسليم جزء كبير من العراقيين بنزاهة العملية الديمقراطية.
فالتشكيك في نتائج الانتخابات وفي المفوضية نفسها، يرجعه البعض إلى الإرباك الذي بدا واضحاً بعد انتهاء عملية التصويت فالمفوضية كانت ملزمة بإعلان النتائج بعد 24 ساعة فقط من إغلاق صناديق الاقتراع، لكن النتائج بدأت تتغير بعد ساعات من إعلانها.
وترى القوى الرافضة للنتائج أن ما حصل كان تزويراً وغبناً، أشرفت عليه جهات داخلية وخارجية لتصفية حسابات إقليمية، وهو ما استدعى النزول إلى الشارع، خاصة بعد دعوة قائد «عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، لكل من يشعر بأن حقه قد غُبن وسُلب، إلى التظاهر والاعتصام.
لكن بمعزل عن المشككين في النتائج، يرى البعض أن ما أفرزته الانتخابات من وجوه جديدة واستبعاد أخرى قديمة كان نتاجاً طبيعياً «للوعي السياسي» الذي تشكل لدى شريحة مهمة من الشعب العراقي، فكانت المحاسبة عبر صناديق الاقتراع!
في المقابل، يؤكد المعتصمون بالقرب من مدخل «المدينة الخضراء» أنهم باقون في الشارع إلى حين الاستجابة لمطالبهم في انتظار أن تبادر المفوضية العليا للانتخابات إلى تصحيح ما يسمونه الانتهاكات الجسيمة في عملية الفرز، ما يشي بأن الساحة العراقية مقبلة على مرحلة سياسية معقدة يشوبها الكثير من الغموض.
Leave a Reply