رجال أعمال عرب أميركيون يبدون قلقهم من المنافسة غير العادلة
ديترويت
على مدار العقود الماضية، شكّلت محطات الوقود مصدر رزق أساسي لآلاف الأسر الشرق أوسطية في منطقة ديترويت، حتى أصبح العرب والكلدان الأميركيون يملكون النسبة الأكبر من المحطات في المنطقة الأعلى كثافةً سكانية بولاية ميشيغن. ولكن هؤلاء يجدون مصالحهم التجارية اليوم، مهددة بمنافسة «غير عادلة» من نموذج جديد من المحطات تمثّله شركة «شيتز» Sheetz التي تتخذ من ولاية بنسلفانيا مقراً لها، وتمتد فروعها كالنار في الهشيم ضمن مقاطعات وين وأوكلاند وماكومب.
بالإضافة إلى مساحتها الكبيرة، تتميز محطات «شيتز» بتوفير قائمة طعام شاملة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. وتركز السلسلة أيضاً على تجربة العملاء من خلال التكنولوجيا والأجواء الترحيبية التي يحرص عليها الموظفون. وبخلاف المحطات التقليدية، تقدم «شيتز» مجموعة واسعة من خيارات الطعام والمشروبات حسب الطلب، بما في ذلك، السندويشات والبرغر والبيتزا والقهوة، والتي يمكن طلبها جميعها عبر شاشات تعمل باللمس أو خدمة نافذة السيارات المتوفرة في العديد من الفروع.
ومنذ افتتاح أول محطة «شيتز» في ولاية ميشيغن بمدينة روميلوس في آب (أغسطس) 2024، شهدت السلسلة توسعاً كبيراً في جنوب شرقي ميشيغن، حيث بات لديها خلال أقل من سنة واحدة، أكثر من 18 فرعاً عاملاً أو قيد الإنشاء في المنطقة، بينما تواصل جهودها لافتتاح عشرات المواقع الأخرى خلال السنوات الست القادمة، حسبما أفاد رئيس الشركة خلال زيارته إلى مدينة روميلوس، الثلاثاء الماضي، لحضور افتتاح فرع «شيتز» الثاني في مدينة روميلوس.
غير أن خطط «شيتز» التوسعية، تقابل بمعارضة متزايدة في المجتمعات المحلية، ليس فقط من قبل أصحاب محطات الوقود الصغيرة، وإنما أيضاً من السكان الذين يتخوفون من زيادة الازدحام المروري والضوضاء التي ستجلبه المحطات الكبيرة التي تغطي عادة مساحة 2 أيكر وتضم ما لا يقل عن 35 موقفاً للسيارات.
ونقلت صحيفة «ديترويت نيوز» عن رجل الأعمال العربي الأميركي، أدي جواد، الذي يمتلك 22 محطة وقود في مترو ديترويت، قلقه بشأن توسع محطات «شيتز»، التي وصفها بأنها نموذج أكثر تهديداً لأصحاب المحطات المستقلين، مقارنة بالشركات الكبرى الأخرى المشغّلة لمنافذ بيع الوقود في المنطقة، مثل «سبيدواي» و«7–إليفن» و«ماير» و«كروغر».
وقال جواد إنه على مدار 30 عاماً من عمله في مجال محطات الوقود في ميشيغن، لم يرَ منافساً مثل «شيتز» قط. وأضاف رجل الأعمال البالغ من العمر 59 عاماً: «إنهم يحاولون إفلاس الشركات الصغيرة»، موضحاً أنه عندما يبني أحدهم شيئاً مثل «سيدار بوينت» مقابل حديقة محلية صغيرة، سيقصد الجميع إلى سيدار بوينت»، في إشارة إلى مدينة الملاهي الضخمة في ولاية أوهايو.
منافس شرس
بينما لقي دخول «شيتز» إلى ميشيغن ترحيباً في بعض المجتمعات، سعى المعارضون من السكان وأصحاب محطات الوقود المستقلون إلى إقناع المجالس البلدية في بعض المدن، مثل آلن بارك في مقاطعة وين، بعدم الموافقة على افتتاح فروع «شيتز» ضمن حدودها. لكن الشركة العملاقة التي تتمتع بإمكانيات مالية ضخمة نجحت في تمرير مراسيم التصنيف العقاري اللازمة في معظم المدن التي تطمح إلى التواجد فيها حتى الآن.
ورغم ذلك، يواصل أصحاب محطات الوقود المستقلون جهودهم للتصدي لـ«غزو شيتز»، مثل رجلي الأعمال جاي وماجد حمود اللذين رفعا دعوى قضائية ضد بلدية إيستبوينت بمقاطعة ماكومب في شباط (فبراير) المنصرم، بزعم التمييز ضدهما من خلال رفض مقترحهما بإنشاء محطة وقود في المدينة، ثم الموافقة على مشروع مماثل من «شيتز».
وفي مجتمع آخر بمقاطعة ماكومب، وافق مجلس بلدة شيلبي في آذار (مارس) الماضي على خطط «شيتز» لاستثمار 8.5 مليون دولار للبناء على قطعة أرض شاغرة عند تقاطع شارعي الميل 22 وفان دايك، رغم معارضة سكان الجوار المتوجسين من قرب المحطة المزمع بناؤها من منازلهم، وما قد يرافق ذلك من ضوضاء وازدحام مروري واحتمالية زيادة الجرائم.
وفي حزيران (يونيو) الماضي أيضاً، وافقت لجنة التصنيف العقاري ببلدية مدينة رويال أوك في مقاطعة أوكلاند على مخطط بناء محطة «شيتز» عند تقاطع طريق كوليدج السريع وشارع الميل 14، على الرغم من المعارضة الشديدة التي أبداها السكان وأصحاب المتاجر القريبة.
فعلى نفس التقاطع، يدير الأخوان ويليام وفريد بولس، محطة وقود «والي» التي قاما ببنائها عام 2007، بسبب عدم وجود أية محطة أخرى في المنطقة.
وقال ويليام بولس لصحيفة «ديترويت نيوز»: «المنافسة جيدة. ولطالما كانت أميركا قائمة على المنافسة، ولكن المنافسة يجب أن تكون عادلة»، موضحاً أنه «عندما تُنشئ شركة بقيمة 14 مليار دولار محطة وقود بجوار محطة أخرى بقيمة مليوني دولار، فأنتم تعلمون أن هذه منافسة غير عادلة»، بسببب قدرة الشركات الكبيرة على تخفيض الأسعار بهدف إخراج المنافسين الأصغر حجماً من السوق.
وتابع: «في الواقع، نحن نعمل لتحقيق الربح بينما هم يعملون لإخراج الشركات الأخرى من المنافسة، هذا ما يفعلونه. إنهم شرسون للغاية، وأقوياء للغاية»، مستدركاً بأنه يثق بقدرته على الصمود بفضل زبائنه المخلصين ولكنه يدرك أيضاً بأنه «سيتعرض لضربة كبيرة في الأشهر القليلة الأولى»، وذلك «لأن المشروع الجديد يثير حماسة الناس عادة، ثم يعودون إلى الواقع».
وفي السياق، قال جواد، الذي يملك محطة «موبيل» في بلدة ماكومب، إن مسؤولي البلدية الذين وافقوا مؤخراً على افتتاح فرع لـ«شيتز» في البلدة «لا يضعون مصلحة ناخبيهم في المقام الأول»، لافتاً إلى أنهم «يرون أن تكلفة المشروع تتراوح بين 6 و7 ملايين دولار، ويشعرون بالرضا التام عن ذلك بغض النظر عن التكلفة الآنية أو المستقبلية للسكان والجيران والمستهلكين».
من جهتها، دعت فاي نمر، الرئيسة التنفيذية لغرفة تجارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المجتمعات المحلية إلى دعم أصحاب المحطات المستقلين بوجه المنافسة الشرسة التي تمثلها «شيتز».
وقالت: «تخسر هذه المحطات ما بين 30 إلى 40 بالمئة من حصتها السوقية نتيجةً لنجاح شيتز، وذلك بسبب استراتيجيات التسعير والتسويق الجشعة التي تتبعها الشركة العملاقة». وأضافت: «نحن نحرص على حماية الشركات الصغيرة، ذات الموارد المحدودة»، موضحة أن تلك المحطات الصغيرة «لا تبلغ قيمتها السوقية مليارات الدولارات، ولا يزيد عدد فروعها عن 800 فرع، كما هو الحال مع شيتز»، كما أن المحطات الصغيرة «لا تتمتع بالقدرة الشرائية والقدرة على التفاوض الجماعي التي تتمتع بها شيتز».
من جهة أخرى، رفضت بعض البلديات الموافقة على استثناءات التصنيف العقاري لشركة «شيتز»، مثل مدينة آلن بارك الواقعة إلى الجنوب من ديربورن، حيث صوّت مجلس استئناف التصنيف العقاري في البلدية، خلال يونيو الماضي، لصالح رفض طلب «شيتز» ببناء محطة وقود جديدة على العنوان 15411 طريق ساوثفيلد.
وقوبل القرار بترحيب المجتمع المحلي، حيث قال سام نصار، وهو مالك محطة وقود على العنوان 17001 ساوثفيلد، إنه كان قلقاً من أن الضرر المحتمل لمحطة «شيتز» المقترحة على عمله التجاري وغيره من المتاجر في المدينة، مشيراً إلى أن هذا النوع من المحطات الكبيرة ملائم أكثر لمنافذ الطرق السريعة وليس الشوارع التجارية داخل المدن.
وشكر نصار البلدية على قرارها، مستدركاً بأنه يرغب برؤية المزيد من الأعمال التجارية تأتي إلى آلن بارك. و«لكن بالطريقة الصحيحة، ودون أن تؤثر على الآخرين».
إيجابيات «شيتز»
صرح نيك رافنر، المتحدث باسم شركة «شيتز»، في بيان أن الشركة تسعى لتكون «جزءاً لا يتجزأ» من مجتمعات ميشيغن التي تدخل إليها.
وأضاف: «ندرك أن نمونا قد يثير مخاوف بعض الشركات القائمة، ونحن نتفهم ذلك، ولكن أولويتنا الأولى هي توفير تجربة لا مثيل لها لزبائننا»، مؤكداً أن «المنافسة تساعد جميع الشركات على التطور».
وتابع البيان بالقول «نحن على ثقة بأن ما يميز «شيتز» من الطعام المُعدّ حسب الطلب، وخدمة العملاء المتميزة، والأجور والمزايا التنافسية، والبيئة الآمنة والنظيفة والمُرحّبة، سيعود بالنفع على المجتمعات في جميع أنحاء ميشيغن».
وفي السياق، قال رئيس بلدية روميلوس، روبرت ماكريت، إنه لاحظ تحسناً في نظافة وخدمة محطات الوقود الأخرى في المدينة منذ افتتاح فرع «شيتز» على طريق ويك، العام الماضي، مشيراً إلى أن روميلوس –التي تحتضن مطار ديترويت الدولي– شهدت افتتاح فرع ثانٍ لـ«شيتز» على طريق سميث، الأسبوع الماضي.
ولفت ماكريت إلى أن بلدية روميلوس قامت خلال السنوات الماضية بإصدار العديد من المخالفات بحق محطات الوقود في المدينة، ولكن منذ افتتاح «شيتز» «اضطرت هذه المواقع، إلى تحسين أدائها». وأضاف: «لقد لاحظنا فرقاً واضحاً… إذ نراهم يحسنون المتاجر ويضعون مضخات جديدة ومظلات وطلاءً جديداً، لأنهم ينافسون فرع «شيتز» الجديد الذي يجذب الكثير من الزبائن».
وبحسب الخبراء، عندما تنتقل محطة وقود كبيرة إلى المنطقة، يتأثر أصحاب محطات الوقود الصغيرة مالياً في أغلب الأحيان. لأن المحطات الكبرى قادرة على توفير الوقود بسعر أقل، كما يمكنها بيع المنتجات بهوامش ربح أقل، مما يؤثر سلباً على ربحية المتاجر الصغيرة وقدرتها على البقاء.
بدورها، قالت «شيتز» خلال الافتتاح الكبير لموقعها الثاني في روميلوس، الثلاثاء الماضي، أن نمو الشركة سيتسارع في منطقة ديترويت خلال العام 2026، حيث سيتم افتتاح ما بين 12 و13 فرعاً جديداً.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، ترافيس شيتز، خلال مشاركته في افتتاح فرع روميلوس الثاني، إن الشركة تتطلع لافتتاح ما بين 50 إلى 60 فرعاً في جنوب شرقي ميشيغن خلال السنوات القليلة القادمة، لافتاً إلى أن «شيتز» أصبح لديها الآن 793 فرعاً في عموم الولايات المتحدة.
وحول المعارضة التي تواجهها الشركة في بعض المجتمعات المحلية في ميشيغن، اعتبر الرئيس التنفيذي أن قلق المنافسين من توسع «شيتز»، أمر طبيعي، مستدركاً بأنه «لا يمكن إلقاء اللوم على أحد، ولكن السوق حر ويمكننا الدخول وإنشاء متاجرنا في المكان الذي نراه مناسباً».
وحالياً تنتشر فروع «شيتز» المفتوحة أو قيد الإنشاء في منطقة ديترويت بالمدن والبلدات التالية: روميلوس (2)، تايلور (2)، ماكومب (2)، نوفاي، فارمينغتون هيلز رويال أوك، تشسترفيلد، وورن، شلبي، إيستبوينت، روزفيل، فرايجر، ليك أوريون، هايلاند، فان بورين وإبسيلانتي.
Leave a Reply