فضيحة تهزّ «جامعة ميشيغن»
آناربر
سارع رئيس «جامعة ميشيغن» المؤقت، دومينيكو غراسو، الاثنين الماضي، إلى إلغاء جميع عقود الجامعة مع شركات الأمن الخاصة، بعد يومين من نشر تقرير فضائحي في صحيفة «الغارديان» البريطانية، كشف عن مضايقات وانتهاكات واسعة ارتكبها موظفو شركة أمن خاصة، بحق الطلاب المؤيدين للقضية الفلسطينية بما في ذلك، مراقبتهم وشتمهم وتهديدهم وصولاً إلى محاولة دهس أحدهم.
وكشفت «الغارديان» النقاب عن استعانة «جامعة ميشيغن» بشركة «سيتي شيلد» الأمنية، ومقرها ديترويت، لتوظيف محققين سريين، متخفين بملابس مدنية، لرصد ومراقبة الطلاب المتضامنين مع فلسطين، داخل الحرم الجامعي وخارجه، وذلك بعد أسابيع قليلة من قيام شرطة الجامعة بفض مخيم تضامني مع غزة في أيار (مايو) 2024.
وبحسب تقرير الصحيفة المرفق بوثائق رسمية ومقاطع فيديو، شملت عمليات الشركة الأمنية، تسجيل المحادثات والتنصت على الطلاب، إضافة إلى مراقبتهم في الأماكن العامة في ممارسات وصفها الطلاب بأنه شكل من أشكال الترهيب وانتهاك صريح لحرية التعبير، وفقاً لتقرير «الغارديان».
وأبلغ الطلاب، الصحيفة بأنهم كشفوا المخبرين السريين وواجهوهم عدة مرات. وفي تفاعلين صوّرهما أحد الطلاب بالفيديو، تظاهر شخص كان يتعقب أحد الطلاب بأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة واتهمه زوراً بمحاولة سرقته.
وأفاد طالب آخر تعرض للمراقبة، بأن المخبرين السريين كانوا يجلسون قرب الطلاب للاستماع إلى أحاديثهم الخاصة.
ونقلت الصحيفة عن الطالب جوسايا ووكر، أحد المستهدفين، قوله: «فقط دعوني وشأني»، معبّراً عن استيائه من الرقابة التي طالت نشاطه الطلابي. فيما قالت الطالبة كاترينا كيتينغ، العضو في حركة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين»، إن المراقبة جعلتها تشعر بالقلق الدائم، وهي تنظر خلفها باستمرار منذ تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم حين بدأت تشعر بأنها مراقبة.
وأضافت كيتينغ: «لكن في بعض الأحيان يبدو الأمر كوميدياً من شدة جنونه، فهم أنفقوا ملايين الدولارات لتوظيف مجموعة من البلطجية لملاحقة طلاب نشطاء! إنه إهدار هائل للمال والوقت».
كما حذر ناشطون آخرون من أن مثل هذه الممارسات البائسة تخلق مناخاً رادعاً وخانقاً لحرية التعبير، فضلاً عن هدر المال العام.
وفي بيان نشره على الإنترنت، الإثنين الماضي، اعترف غراسو بأن «جامعة ميشيغن» استعانت بشركة خاصة «لاستخدام أفراد أمن بملابس مدنية في مناطق واسعة وكثيفة الحركة ضمن الحرم الجامعي» بدءاً من تموز (يوليو) 2024، أي بعد مرور قرابة شهر على قيام شرطة الجامعة بفضّ المخيّم التضامني مع فلسطين –بالقوة– صباح 21 أيار (مايو) 2024.
غير أن الوثائق التي حصلت عليها «الغارديان» تظهر أن الجامعة تعاقدت مع «سيتي شيلد» قبل ذلك بفترة، وقد دفعت لها 800 ألف دولار لقاء خدماتها الأمنية، بين حزيران (يونيو) 2023 وأيلول (سبتمبر) 2024، مرجحة أن يكون قد تم دفع المزيد من الأموال مقابل توظيف مخبرين سريين لمراقبة الطلاب داخل حرم الجامعة وخارجه.
وفي بيانه، قال غراسو: «كان الهدف من هؤلاء الأفراد مساعدتنا في مراقبة حرمنا الجامعي وتمكيننا من الاستجابة السريعة لحالات الطوارئ» مستدركاً بأنه «لا ينبغي أبداً استهداف أي فرد أو جماعة بسبب معتقداتهم أو انتماءاتهم».
وتابع بالقول: «علمنا مؤخراً أن أحد موظفي إحدى شركات الأمن المتعاقدة معنا قد تصرف بطرق تتعارض مع قيمنا وتوجيهاتنا. ما حدث كان مزعجاً وغير مقبول وغير أخلاقي، ولن نتسامح معه». وأضاف «مستقبلاً، سننهي جميع العقود مع الشركات الخاصة لتوفير عناصر الأمن بملابس مدنية في الحرم الجامعي».
وطلب غراسو من أي شخص يلاحظ أو يتعرض لسلوك غير لائق من موظف أو متعاقد، الاتصال بشرطة الحرم الجامعي أو مكاتب الجامعة المختصة بالمساواة والحقوق المدنية.
وجاء بيان غراسو، الذي عيّنه مجلس أمناء الجامعة خلفاً للرئيس السابق سانتا أونو، عقب بيان نفي أوّلي أصدره مكتب الشؤون العامة في «جامعة ميشيغن»، حاول من خلاله التنصل من مسؤولية الجامعة عن التجاوزات التي كشفها تقرير «الغارديان».
وزعم البيان الأوّلي، عدم وجود أي مراقبة للأفراد أو المجموعات الطلابية بناء على آرائهم أو انتماءاتهم، لكنه لم يتطرق مباشرة إلى مضمون ما كشفه تقرير «الغارديان». وجاء في البيان: «للأسف، أساءت التقارير الإعلامية الأخيرة تصوير دور أفراد الأمن المتعاقدين الذين تم تعيينهم فقط لدعم جهود السلامة في الحرم الجامعي». وأضاف: «وسّعت الجامعة نطاق استخدام أفراد الأمن المتعاقدين بملابس مدنية في عام 2024. وتم توسيع نطاق الأمن بملابس مدنية لتوفير وعي أمني بالأنشطة غير القانونية المحتملة دون تصعيد التوترات؛ وهو نهج معياري في هذا المجال يُستخدم على نطاق واسع في جميع أنحاء الحرم الجامعي، والملاعب الرياضية، والمرافق الطبية».
في المقابل، جاء بيان غراسو وتصريحات لأعضاء في مجلس أمناء الجامعة لتؤكد محتوى التقرير المخزي بشكل أو بآخر. إذ أقرّ عضو مجلس الجامعة، جوردان آكر، بأن السلوكيات المزعومة للمتعاقدين «غير أخلاقية»، مطالباً بكشف «حقيقة ما حدث، وكيف تمكن المحققون من القيام بما كانوا يفعلونه، ومن سمح لهم بذلك». وأضاف: «لا يبدو أن مجلس الأمناء أو الرئيس كانوا على علم بهذا الأمر. ولكنه في جميع الأحوال، أمر غير مقبول على الإطلاق»، مطالباً باعتماد «وسائل قانونية وأخلاقية»، للحفاظ على أمن الحرم الجامعي أثناء الاحتجاجات، دون المساس بالحقوق المدنية.
وآكر هو أحد أعضاء مجلس الجامعة الذين طالتهم احتجاجات الطلاب المؤيدين لفلسطين على خلفية تشبثهم باستثمارات «جامعة ميشيغن» في إسرائيل، رغم الدعوات الطلابية المتكررة لمقاطعة دولة الاحتلال على خلفية حرب الإبادة في غزة.
واستهدف محتجون منزل العضو اليهودي الأميركي، في مدينة هانتينغتون وودز، الخريف الماضي، بعد أشهر من استهداف مكتبه للمحاماة في مدينة ساوثفيلد، حيث قام مجهولون بكتابة شعارات مؤيّدة لفلسطين ومطالِبة بمقاطعة إسرائيل على واجهة المبنى والأرصفة المحيطة به على شارع الميل العاشر.
وتصاعدت الاحتجاجات الطلابية المطالبة بسحب الاستثمارات من إسرائيل، منذ أن أطلقت تل أبيب حربها الوحشية على قطاع غزة ردّاً على عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. غير أن ذلك لم يدفع مسؤولي الجامعة إلى الاستجابة لدعوات الطلاب بمقاطعة دولة الاحتلال، بل قاموا –عوضاً عن ذلك– بالاستعانة بشرطة الحرم الجامعي لفض الاعتصام الطلابي في ساحة «دياغ» المركزية، واعتقال عدد من المحتجين الذين وُجّهت إليهم اتهامات جنائية وجنحية، قبل إسقاطها لاحقاً من قبل المدعية العامة في ولاية ميشيغن، دانا نسل.
وجاء تصاعد الاحتجاجات في جامعة آناربر المرموقة، ضمن سياق حراكٍ طلابي وطني بدأ من «جامعة كولومبيا» في نيسان (أبريل) 2024 واجتاح معظم الجامعات الأميركية الكبرى، التي استعانت بأجهزة الشرطة لقمع المحتجين وفض المخيمات التضامنية مع فلسطين، مما أسفر عن اعتقال أكثر من 3,100 ناشط، معظمهم من الطلاب والمعلمين.
كما لجأت بعض الجامعات إلى معاقبة الطلاب والموظفين المحتجين بإجراءات تأديبية وصلت إلى حد الفصل، بمن فيهم ثمانية موظفين سابقين في «جامعة ميشيغن» تقدموا –الشهر الماضي– بدعوى قضائية ضد مجلس أمناء الجامعة ورئيسها وعدد من المسؤولين الآخرين فيها، بزعم فصلهم من العمل بسبب دعمهم العلني لحقوق الإنسان الفلسطيني ودعوتهم الجامعة إلى سحب استثماراتها من إسرائيل.
Leave a Reply