المناسبة أمطرت نثراً وشعراً عن «المدينة المدمرة»توقيع كتاب «بنت جبيل الذاكرة والحرب» فـي نادي بنت جبيلد. علي بزي: أردت التحفيز على تجميع التراث في الكتب خشية جزار على رأس كل حقبة
ديربورن – خاص «صدى الوطن»
نظمت اللجنة الثقافية في نادي بنت جبيل حفل توقيع كتاب «بنت جبيل الذاكرة والحرب» لمؤلفه الدكتور علي يوسف بزي الذي حضر من لبنان خصيصاً لهذه المناسبة.أقيم الإحتفال في قاعة النادي مساء يوم الأربعاء في 26 ديسمبر الماضي وحضره حشد من المهتمين ومن مغتربي مدينة بنت جبيل والجالية العربية في ديربورن.وتحدث في الإحتفال عدد من الخطباء تناولوا محتويات الكتاب الذي يوثق بالصور لمرحلتين فصلت بينهما حرب تموز العام 2006.إستهل الإحتفال بكلمة تعريفية عن الكتاب قدمها مدير الإحتفال وعضو اللجنة الثقافية في النادي الدكتور ذيب صعب.ورحب رئيس نادي بنت جبيل نعيم بزي بالحضور في كلمة تطرق فيها إلى واقع بنت جبيل ونوّه بالكتاب الذي يوثق بالصورة لواقعها ما قبل وما بعد الحرب، مثنياً على جهود المؤلف وعمله الأكاديمي.
د. جميل بيضونوتحدث بإسم اللجنة الثقافية في النادي الدكتور جميل بيضون فرحب بالحضور مستهلاً بالقول: إن الوطن هو الإنسان والأرض والشجر والحجر والثقافة والتاريخ. وإن بنت جبيل هي الوطن التي تحوي كل هذه المقوّمات. واضاف: إن بنت جبيل لم تكن يوماً حدودية إلا بعد إتفاقية سايكس بيكو عام 1917 فهي كانت تمتد بصلاتها إلى فلسطين والشام والأردن حيث كانت صلة وصل تجمع الناس من هذه المناطق جميعها في «سوق الخميس». مكوّنة علاقات تفاعل لا تنفصم من الأهل والبشر ولتكون بنت جبيل بأهلها شامية الهوى، عربية النسب. ورأى د. بيضون أن عنوان الكتاب له دلالة الإهتمام الأول بنت جبيل وخاصة الذاكرة والحرب لذا كان ترتيب الكتاب بفصوله منسجماً تماماً مع عنوانه، وجاء دراسة تأريخية وإجتماعية وإقتصادية وثقافية لما كانت عليه المدينة ومن ثم واقعها الحالي بعد حرب تموز 2006.وختم د. بيضون بالتذكير بأمثلة من التاريخ شبيهة بحالة بنت جبيل ومنها مثال هولا كو خان الذي دمر مدن الشرق الإسلامي في طريقه إلى بغداد لكن هولاكو زال وبقيت الشعوب وأعيد بناء تلك المدن وحلت الحضارة مكان التدمير والإنسانية محل الوحشية.
عون جابروألقى الزميل عون جابر كلمة تساءل في مستهلها: هل يمكن الفصل بين المؤلف وعمله الإبداعي؟ وأجاب إن التمييز بين المؤلف والمؤلَف (بفتح اللام) هو من باب إعطاء كل ذي حق حقه إذ لا ينبغي أن يطغى الترحيب بإسم الصداقة والجيرة على العام الذي أتحفنا به المؤلف وهو كتابه «بنت جبيل الذاكرة والحرب» والذي أصبح منذ ولادته ملكاً للجميع إذ لا يمكن إعادة السهم المنطلق من القوس إلى الجعبة ولا إعادة الكلام من الفم إلى الحنجرة ولا المكتوب إلى المحبرة. أضاف جابر: «جاء هذا العمل ليوقظنا من سبات الإستكانة للمألوف من الذاكرة في بلدتنا ويحثنا على الإستجابة إلى ما تمثله لنا روابط الإتحاد والتاريخ رغم بعد الجغرافيا. وتابع: إن بنت جبيل كما ذكر الدكتور منذر جابر تحدها عقبتان: «عقبة صلحة» من الجنوب و«عقبة عين إبل» من الغرب. الأولى لإرتباطها بالقضية الفلسطينية وإمتدادها العربي والإسلامي والثانية رمز للتعدد الروحي الذي تبدى طائفياً كرمز للنظام السياسي المتخلف. أضاف جابر: إذ يتصدى الدكتور علي بزي لهذه المهمة متسلحاً بقلمه وبآلة تصوير وبمهنية الباحث المتعطش لعرض ما آلت إليه أوضاع بنت جبيل بعد حرب تموز فلإنه ليس بغريب عن سيرة المثقف المخلص الملتزم بقضايا وطنه وشعبه وبلدته.وأورد جابر عدة ملاحظات منها: أولاً أن الكتاب قد حقق ونفذ بمهنية مع إحترام كامل للمادة. وثانيا: في متن الكتاب تبدو وظيفة اللغة محصورة بأن تُري لا أن تُرى، وثالثا: إعتماد الأسلوب المعبر والمؤثر وهو التصوير المقارن والموثق لما قبل وخلال وبعد الحرب.واستنتج جابر «إن هذا ما يجعل الكتاب ضرورة لازمة لتؤثث ذاكرتنا من جديد فنسترجع بنت جبيل كما نعرفها ونشهد على ما حلّ بها، على أمل المساهمة بما ستكون عليه لاحقاً. وختم جابر: «إن التجربة علمتنا نحن المغتربين من خلال عملية بناء القصر البلدي كيف أن الخلاف السياسي الضيق يهدف دائماً إلى إلغاء الآخر دون التنافس على خدمة المصلحة العامة، وهنا لا خروج عن الموضوع إذا تمت الإشارة إلى الدور الممكن أن يلعبه المغتربون الذين بنوا بيوتهم في نواحي البلدة «كأعلام مغروسة» على حد وصف الدكتور احمد بيضون، على صعيد إعادة بناء البلدة عن طريق إبداء آرائهم بخطط بنائها.
عدنان بيضونوألقى الزميل عدنان بيضون كلمة حيا فيها «جهد المؤلف القيم والمشكور» وقال إن عنوان الكتاب ينتظم ثلاث مفردات: بنت جبيل، الذاكرة، والحرب، تحاول للوهلة الأولى أن تدقق في علاقة بعضها ببعض رغم بديهية العلاقة ووضوحها. فبنت جبيل هي الذاكرة الجماعية لأهلها والحرب كانت ولا تزال جزءاً من هذه الذاكرة عبر السنوات والعقود. لكن لم يحدث مرة أن شكلت الحرب تهديداً للذاكرة مثلما حصل في الحرب العدوانية الأخيرة. إن حرب تموز وتداعياتها كانت فعلاً إستهدف الذاكرة في الصميم.وتابع بيضون: الصور التي إحتضنها الكتاب جاءت غزيرة بالكلام الذي ينداح لأجله كلام كثير يمكن أن يقال عما أصاب بنت جبيل والجنوب ولبنان، ولكن على الأخص بنت جبيل التي دفعت الثمن الأغلى جراء العدوان الإسرائيلي البربري في تموز 2006 بنتيجة الدمار الشامل الذي أصاب قلبها، واستهدف بخبث محو ذاكرة أهلها القاطنة في كل شارع ومنزل، بل في كل حجر ونافذة من «نوافذ الاسرار» الممتدة جذورها في التاريخ»..ورأى بيضون «إنه كان من الممكن للمؤلف ولأقرانه من المهتمين والباحثين أن يملأوا مئات الصفحات بالكلام عن الحرب وأسبابها وتداعياتها، والبلد، كما تسمعون، يضج بالكلام، الغث منه والسمين، بل إن البلد برمته بات بعد تلك الحرب المدمرة ساحة للكلام، ورهينة للمشاريع التي تتقاذف أهله وتضعه وتضعهم في مهب المساومات التي تهدد أسس كيانه ومستقبل بنيه. أضاف بيضون: فوق هذه الساحة، افرد المؤلف مساحة بين صورتين، قال إنها تحكي حكاية مدينة فقدت حيويتها، صامدة، صابرة، ترتل سورة يوسف، تلملم الجراح وتستصرخ الأبناء المقيمين الذين أصبحوا طوابير على أبواب التعويضات، وأبناءها المهاجرين الذين يتحفزون للعودة، ولكنه يسأل إلى أين؟ فالدمار كبير، والخسارة أكبر، فمن يعيد إلى الفتاة الجميلة حياتها وإلى المقدسات طهارتها وإلى الذاكرة روحها.وعلق بيضون: إنها أسئلة مقلقة ومشروعة في آن واحد، فبنت جبيل التي صمدت تحت إحتلال بغيض إثنتين وعشرين سنة، عادت وألقيت في غيابة الجب .. بنت جبيل التي ذبحت من وريد ذاكرتها وتراثها وثقافة ناسها ونسيج علاقاتهم الإجتماعية والإقتصادية بفعل البربرية الصهيونية الحاقدة، وبعد تلك الوقفة البطولية الأسطورية لثلةٍ من أبنائها الميامين وأبناء أخواتها الجنوبيات، ممن ذادوا عن عذريتها وطهر ذيل ثوبها بطهارة دمائهم.. بنت جبيل هذه تستحق أن تُرعى جراحها النازفة بأهداب العيون وأن يُمسح التراب عن خديها بأيدي الوفاء لتضحياتها، لا أن تبقى جثة تراث وتاريخ وهيكل ذاكرة منخوراً تحت أعين الحاقد الصهيوني الذي رمى القلب منها بنيران دماره الشامل.وتابع بيضون: صور تتراءى بين دفتي الكتاب تثير الشجن والأسى، وهي تقارن بين وجه العروس، قبل وبعدالجريمة الموصوفة، في توثيق تثار على هامشه أسئلة وأسئلة سوف تبقى معلقة في فضاء الإنتظار، وقد لا تجد لها إجابات شافية، ولعل أخطرها وأمضّها سؤال الحاجة أمينة للمؤلف وهو يجول بكاميرته وسط الدمار العظيم: ماذا تفعل؟ وإذ أجابها: ألملم ما تبقى، قالت بحرقة: ماذا يمكنك أن تلملم، فهناك عند كل حجر وزاوية قصة وقصة. ورأى بيضون أن الحاجة أمينة قد لا تفقه في السياسة، وهي ليست خبيرة في إعادة الإعمار ولكنها الأعلم بقيمة ما فقدناه، وهي مؤشر خوفنا من أن تكون الذاكرة قد فقدت روحها.وتابع بيضون: أتوقف عند صورتين في الكتاب، في هذه العجالة التي لن تتسع لغابة الأحزان والأشجان التي يثيرها: في الصفحة 24 نقع على صورة العتقجي العجوز السيد مسلم جمعة في دكانه عند مفترق شرايين «حارة بيت جمعة» وهي صورة تعود إلى ثمانينات القرن الماضي. كان السيد مسلم مذياع الحارة الذي يبث على مدار ساعات كدحه إبان الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من فمه المحشو بالمسامير آخر التطورات والتحليلات حول التأميم وحروب السويس وفيتنام وحزيران وخطب جمال عبد الناصر. لم يعد كندرجية بنت جبيل وعتقجيّوها يشاركون في صنع السياسة ولا عادوا يصنعون أحذية لحفاة المدن والقرى في مسيرة الصراع الطويل .. صاروا طوابير على أبواب التعويضات!.أما الصورة الثانية فهي لطريق أثرية تعود إلى الثلاثينات تصف طرقات بنت جبيل في تلك الحقبة، وختم بيضون، تستنطق هاتان الصورتان أعماق ذاكرتك لتقول بحرقة: سقى الله ايام دكانة السيد مسلم وطرقات الثلاثينات، ولترتل مع بنت جبيل وكل لبنان من وحي سورة يوسف:«أنا يوسف يا أبي .. إخوتي لا يحبونني، لا يريدونني بينهم، لأني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر، رأيتهم لي ساجدين».وألقى الشاعر الحاج عبد النبي بزي قصيدة من وحي المناسبة بعنوان «أم القرى»، لاقت إستحسان الحضور وسوف تنشرها «صدى الوطن» في عددٍ قادم.
د. علي بزيوألقى مؤلف الكتاب الدكتور علي بزي كلمة في الختام شكر في مستهلها نادي بنت جبيل رئيساً وأعضاءً واثنى على الكلمات التي قيلت وقال إنها تعبر عن المضمون بشكل صادق وعفوي وجيّد.ووضع الدكتور بزي تجربة تأليف الكتاب في سياق عمله كباحث أنثروبولوجي إجتماعي وركز على أهمية بنت جبيل كمدينة وعلاقتها مع الجوار مشدداً على دورها التاريخي في الحقول السياسية والثقافية والإقتصادية. وقال د. بزي: إن بنت جبيل تشكل المختبر الإجتماعي لكل نشاطاتي البحثية جامعاً بين البعدين العاطفي و الوجداني كإبن بنت جبيل، مع الأكاديمي كباحث يتوخى الموضوعية والحقيقة وأضاف: كنت أتهيب الكتابة عن بنت جبيل كي لا أقع في التقصير وخشية أن يفوتني باب من أبواب العلاقة التي تجمعني كباحث بمدينتي وكنت أتمنى أن لا يكون هذا الكتاب الذي يوثق لدمار بنت جبيل، وهو محض صدفة تركز على الفترة التي سبقت الحرب بشهرين وتلتها بشهرين، لا أدري ما هو ذلك الهاتف الذي ناداني لكي أقوم بتصوير أحياء وشوارع بنت جبيل قبل الحرب بشهرين. ووصف بزي تلك اللحظات التي وقف خلالها عند مدخل بنت جبيل الشمالي في منطقة «صف الهوا» بعد إنتهاء الحرب قائلاً إنه لا يمكن وصف المشاعر التي كانت تنتابني وعائلتي فبكينا لأكثر من نصف ساعة لهول ما رأينا والبكاء في هكذا لحظات وبإزاء هذه الكارثة ليس عيباً على الرجال.واضاف: حاولت أن أقدم عبر هذا الكتاب رسالة مختلفة وقد وصلت هذه الرسالة بالصورة الناطقة والمعبرة، وما يهمني أيضاً من خلال تأليف هذا الكتاب التوثيقي وبعدما نجت مكتبتي بأعجوبة داخل منزلنا المدمر أن ينتقل الأرشيف وأن تنتقل المعلومات المحفوظة إلى بطون الكتب ولكي لا تتكرر تجربة جبل عامل مع أحمد باشا الجزار الذي نهب مكتباته العلمية والدينية القيمة التي شكلت تراثه وجعلها وقوداً لأفران مقر ولايته عكا لأيام عدة. وكأن قدرنا أن يتعاقب على تاريخنا جزار كل حقبة. وختم لقد أردت تحفيز المهتمين والباحثين لتجميع الموروث لتضامن الجهود كل في مجاله من أجل لملمة التراث قبل أن يندثر أو يحترق.
Leave a Reply