من هي توكل كرمان، والأهم كيف ولماذا لهذه المرأة التي ترتدي زياً دينياً أن تصبح أثيرة لدى حركات الديمقراطية العربية على الطريقة الغربية؟ لكي نفهم حقيقة من أن يحصد جوائز هذه الناشطة علينا أن نتبع مسار.. الأموال. السيدة كرمان تملك منظمة غير حكومية في العاصمة اليمنية صنعاء، تحت إسم “صحفيات بلا قيود”، وكما يعلم البعض فإن هذا التوصيف (غير حكومية) ليس دقيقا دائما، لأن بعض هذه المنظمات “غير الحكومية” تتلقى في الواقع تمويلا من الحكومات بدوائرها المتعددة.
وفي حالة السيدة كرمان فإنها منظمتها المعنية بالدفاع عن الحقوق والحريات، وبخاصة حرية التعبير، مع تطلعها لتطوير كفاءة وسائل الإعلام وتزويد الصحفيين وخاصة النساء والشباب بالمهارات الضرورية في هذا المجال، مثل هذا العمل يجب النظر إليه في السياق الصحيح لاسيما أن التمويل يأتي من المنظمات الأميركية التي تهتم بالسياسية الخارجية للولايات المتحدة.
والمنظمة التي تشرف عليها كرمان تلقت تمويلا من منظمة “إندومينت الوطنية للديمقراطية” (أن إي دي) منذ العام 2008 وهي منظمة شبه حكومية أنشئت في العام 1983 إبان إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريغان وقد ضخت ملايين الدولارات الفدرالية لدعم السياسات المناهضة للشيوعية، وقد خصصت لها ميزانية سنوية من الكونغرس الأميركي ضمن “الوكالات الأميركية للتطوير العالمي” (يو أس أي آي دي) المرتبطة بوازرة الخارجية الأميركية. ولهذه المنظمة “أن إي دي” تأثير كبير على المبادرات المتعلقة بسياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية، لكون هيئة المديرين فيها تتكون من ممثلي شركات كبرى متعددة الجنسية مثل “أي تي أند تي” و”فاني ميا”، إضافة لكون بعض أعضاء هيئة المديرين لهم اضطلاع في إجبار الولايات المتحدة على الانخراط في حروب غير قانونية مثل أفغانستان والعراق وليبيا.
وبحسب المفكر واللغوي المعروف نعوم تشومسكي، فإن أجندة هذه المنظمة (أن إي دي) هو محاولة فرض ما يسمى الديمقراطية، ما يعني دورا للأغنياء والمتنفذين في رسم إطار وملامح الإجراءات الديمقراطية عبر توجيه الغوغاء. وفي أقل الأحوال، فإن هذه المنظمة أسست لتهتم بالعمليات التي ترعاها بها وتمولها بالسر “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي أي)، وذلك لتجنيب (حركات الديمقراطية) وصمة العار التي قد توجه إليها نتيجة قبولها التمويل من قبل الوكالة الاستخباراتية.
كما يوجد مصدر آخر للتمويلات التي تتلقاها كرمان وهي بدورها مصادر غير حكومية تعرف بـ”إركس” التي توصف بأنها مؤسسات عالمية غير ربحية تقدم استشارات وبرامج مبتكرة لدعم التغيير في العالم. وعندما نالت كرمان جائزة نوبل للسلام، كتبت “إركس” على موقعها الإلكتروني: “إن “إركس” سعيدة بالشراكة مع توكل كرمان في عملها المدافع عن حرية الصحافة. إن منظمة “صحفيات بلا قيود” التي تديرها كرمان تلقت منحة من “إركس” ضمن برنامج “مينا” الإعلامي لتنتج فيلما وثائقيا (الانتحار في اليمن). كما أن كرمان زودت “إركس” بفهرس حول العالم العربي يلقي الضوء على ظروف الإعلام المستقل في المنطقة العربية وكان عملا مساعدا لـ”إركس” في سياق جهود إصلاح القوانين الإعلامية في اليمن. إن “إركس” تقدم شكرها الخالص للأفراد والمؤسسات التي دعمت عمل كرمان”.
إن نظرة سريعة على قائمة الممولين لـ”إركس” تظهر عددا من النتائج المثيرة للاهتمام، وتتضمن القائمة: وزارة الخارجية الأميركية، وعددا من السفارات الأميركية، إضافة إلى غولدن ساشس، والحكومة الكندية، واليونسكو، وغيرها.
ومن المثير للاهتمام أن تتضمن قائمة الممولين “مؤسسة المجتمع المنفتح” (أو أس أف) التي تمول أيضا “المعهد العربي الأميركي” (أي أي آي) و”اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز” (أي دي سي)، وتعرف “أو أس أف” نفسها بأنها تعمل لبناء الديمقراطيات الناشطة والمتسامحة على مبدأ مساءلة الحكومات من قبل مواطنيها، ومؤسس ورئيس هذه المؤسسة هو جورج سوروس، مليونير وول ستريت والمستثمر صاحب المشاريع العديدة عبر العالم.
إن المنظمات غير الحكومية تسعى إلى تكريس قوة الممولين وأصحاب الشركات الكبرى عبر الاستغلال والعولمة، وإن نظرة سريعة على الانترنت تظهر إلى أي مدى عميق وصلت تمويلات سوروس لهؤلاء الذين يتلقونها من ذوي العلاقات المتينة مع الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية. لماذا يمنح سوروس الشيء الكثير.. للتحكم والتأثير بسياسة أميركا الخارجية، بما في ذلك تمويل المؤسسات العربية المحلية والمؤسسات العربية الأميركية والمعاهد.. هذا السؤال يجب أن يوجه إلى أبعد مدى في الكتابات المستقبلية.
وعلاوة على ذلك، في منتصف نيسان (أبريل) العام 2010 فإن “المؤتمر العالمي من أجل الديمقراطية” الذي انعقد في العاصمة الأندونيسية، جاكرتا، قد تم تمويله من قبل مؤسسة “أن إي دي”، وكانت كرمان قد مثلت اليمن فيه، مع ملاحظة أن هذا المؤتمر قد انعقد قبل عام من اندلاع الثورة اليمنية. وكان المؤتمر قد حضره نشطاء وخبراء وأكاديميون مهتمون بالديمقراطية، من جميع أنحاء العالم، لمناقشة الحلول العملية لتحديات الديمقراطية. معظم هؤلاء النشطاء لهم تاريخ طويل في تلقي التمويل مما يسمى “المنظمات غير الحكومية” في واشنطن ولندن، وكانوا يمثلون مؤسسات تملك أجندات متشابهة.
وحقيقة أن ذلك المؤتمر قد انعقد قبل عام من انطلاق شرارة ما يسمى “الربيع العربي”، وقد تكون مفاجأة صغيرة أن من بين الذين حضروا ذلك المؤتمر هو رضوان زيادة، الزميل السابق لمنظمة “أندومينت الوطنية من أجل الديمقراطية” وكان ممثلا سوريا من خلال “مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان”. وزيادة هو معارض سوري مقيم في واشنطن ويدير “مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان” وكان قد قام بالعديد من الجولات على وزارة الخارجية الأميركية وبعض صناع السياسات الذين يكتبون ويؤثرون على السياسة الخارجية الأميركية، وقد تباحث معهم حول دعم الولايات المتحدة وحلف الناتو للمعارضة السورية من خلال التدخل الكامل في سوريا.
وهذا يقودنا أخيرا لإيضاح السبب حول كتابة هذه المقالة، ففي الشهر الماضي، وخلال مؤتمر “مونيش سيكيورتي” العام 2012، فإن توكل كرمان دعيت لإلقاء كلمة، وعلى كل حال، لم تتناول كلمتها الأوضاع اليمنية، وإنما تحدثت عن سوريا وممارسات نظام الأسد ضد المتظاهرين الأبرياء. والسؤال لماذا تناقش كرمان أوضاع بلد لا تمثله، وكان خطابها المهلهل والمتحيز يبدو وكأنه مقالة كتبها أحد صحفيي قناة الجزيرة ولا تمثل أيا من الحقائق مما يجري على الأراضي السورية، وهو الأمر الذي دفعني للبحث عن تاريخها لكي أفهم دوافعها وأكشف عنها.
إذن فمن هو المستفيد من دعم هؤلاء الناشطين ولماذا يقوم بتمويل المبادرات الديمقراطية؟ إنه من الأساسي أن نعرف مصادر التمويل لبعض الناس وبالتالي يمكننا أن نفهم لماذا يتم استعمالهم لتمثيل المبادرات التي ليست في صالح العرب، والأهم ليست في صالح المسلمين. لن يكون في ذلك أية مصلحة للعرب وللمسلمين والحقيقة أن منظمات السياسة الخارجية في أميركا تمول هؤلاء الذين يخدمون المصالح الخارجية لأميركا فقط. التاريخ والأوضاع الراهنة يصفان بوضوح أن تلك المصالح كانت ضد تطلعات العالم العربي. والسؤال ليس حول النية الحسنة التي تحكم عمل هؤلاء الناشطين، فإذا كانت السيدة كرمان من المتلقين للتمويل بغزارة من المؤسسات المدعومة حكوميا في أميركا، فعلى الواحد أن يعي أن عملها وأخلاقياتها هي في موضع تساؤل، وكذلك أجندتها الحقيقية، ويجب ألا تغيب عن بالنا هذه المعلومات لكي نفهم هذه الحركات التي تعمل في الكواليس والتي كان لها التأثير المباشر في حياة الكثير من الناس. إذا كان الواحد منا غير مطلع على هذه الحقائق، إذن كيف يمكن للتغير الإيجابي أن يحدث؟
Leave a Reply