عندما يذهب النائب سعد الحريري الى العراق مدعياً بأن زيارته من اجل تخفيف الاحتقان المذهبي السني – الشيعي في لبنان (مع انه حتى الآن لم نفهم كيف خفف النائب الحريري هذا الاحتقان)، ومن ثم تثور ثائرته وثائرة تياره عند توقيع التفاهم بين بعض القيادات السلفية و«حزب الله». والأولى لمن يذهب الى العراق قاصداً وأد الفتنة وتخفيف الاحتقان المذهبي، ان يعمل على وأدها لبنانياً، وليس تسعيرها وابقاءها سلاحاً مسلطاً على رؤوس اللبنانيين، او على الاقل، اذا لم يرد القيام بخطوات وفاقية تفاهمية. ان لا يقف في وجه من يقوم بذلك. فالحملة المسعورة التي قادها تيار المستقبل ضد التفاهم الذي وقعته قوى سلفية لبنانية مع «حزب الله»، كشفت بشكل لا يرقى الشك اليه، بأن سلاح الحريري الوحيد المتبقي له، هو نكء المذهبية بوجه «حزب الله» واستحضارها كلما دعت الحاجة. ماذا يضير تيار المستقبل اذا تفاهم بعض السلفيين مع «حزب الله» على ان لا يتقاتلوا اذا ما اختلفوا؟. فالوثيقة التي وقعها الطرفان تكرس الاختلاف بينهما، وتبقي كل في موقعه، ولكنها تؤكد على امر واحد مهم وهو عدم الاقتتال، مع انها تشير الى حق استعمال القوة والسلاح للدفاع عن النفس اذا ما اعتدى احد الطرفين على الآخر. وبالتالي ليس لها مفاعيل سياسية تنعكس على وضع «حزب الله» الداخلي بشكل كبير، لانها ليست تحالفاً، ولا يمكن تشبيهها بورقة التفاهم المعقودة بين التيار الوطني الحر و«حزب الله»، سوى انها تخفف الاجواء الاحتقانية، التي من اجلها قصد الحريري بلاد الرافدين وتضرّع في الصحن الحيدري، سائلاً ساكن الضريح ان ينجي الامة من شر الفتنة المذهبية والاقتتال.
والملفت في البيان الذي اصدرته القوى السلفية الذي دعا الى تجميد العمل بالوثيقة، هو ربط اي تفاهم مستقبلي بالمرجعيتين الدينية والسياسية للطائفة السنية، ما يؤدي الى القاء الحرم على كل من تسول له نفسه من الطائفة السنية ان يقيم علاقات او اتصالات مع «حزب الله»، وطبعاً كل ذلك يصب في خانة تنفيس الاحتقان المذهبي بين السنة والشيعة الذي يعمل عليه النائب الحريري رئيس تيار «المستقبل العلماني».
فاتهام «حزب الله» بانه المستفيد من تفجير طرابلس الاخير يساعد في تنفيس الاحتقان المذهبي. مع العلم انه عند العجز عن ايجاد الدليل والمؤشرات والمعطيات الحقيقية يبدأ الحديث عن المستفيد من الاعمال التخريبية كمقدمة للاتهام، ويرد المنطق ذاته على اصحاب نظرية المستفيدين باتهام المتهِمِين بانهم يستفيدون من اتهام من يتهمونهم، وبالتالي وفق منطقهم فهم اولى بالاتهام.
والابقاء على التوتر بين باب التبانة وجبل محسن يصب في نفس الخانة التنفيسية التي يعمل عليها بكل ما اوتى من قوة النائب الحريري! وما يدور في بيروت من قبل تيار المستقبل من ضخّ لكم هائل من الاشاعات والخبريات الكاذبة عن ما حصل في بيروت في 7 ايار، هو السبيل الانجع لتخفيف الاحتقان واحتوائه.
وحملة المقاطعة الاقتصادية التي يخوضها تيار المستقبل ضد الفريق الآخر. فقد وعد سعد الحريري بان يتم مقابلها بناء عشرات الالاف من الوحدات السكنية التجارية في النجف وفي كربلاء حول المزارات الشيعية المقدسة، وأداً للفتنة المذهبية وتعبيراً عن وحدة المسلمين والتئامهم تحت راية المال والاعمال.
ينتظر تيار المستقبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة، ويتمنى ان يقف الزمن ولا يأتي الموعد، لانه يعلم بأن اكثريته اصبحت في الموقع المقابل نتيجة القانون الانتخابي بالدرجة الاولى، وفك تحالفه مع «حزب الله» الذي شكل اكثريته على ظهره، بالدرجة الثانية. إضافة الى شبكة تحالفاته الضعيفة والمقطعة، فحليفه الأساسي النائب وليد جنبلاط بدأ يأخذ موقعا وسطيا في الاشتباك السياسي اللبناني، وحليفه الآخر سمير جعجع الاضعف مسيحياً، لن يسعفه في الملمّات، وبوادر اختلاف مع الوزير الصفدي ظهرت في مقاطعة الاخير لزيارة السنيورة العراقية، ولم يبق للنائب الحريري سوى التمترس خلق طائفته واشعارها بأن الخطر «الفارسي-الحزبلاهي» يطوقها من الجهات الاربع. فها هو بعد «حزب الله» الجنرال عون يريد ان ينتزع صلاحيات رئيس الحكومة ويغزو السرايا ويجعلها مرتعاً له ولحلفائه كما فعلوا بالوسط التجاري في بيروت. فتتحول السرايا الى مقام مقدس للطائفة السنية (يثابر السنيورة على اقامة صلاة الجمعة فيها لاعطائها الرمزية الدينية الطائفية)، والحريري هو مخلص الطائفة ومنقذها وبطلها الذي سيمنحها العزة والكرامة بعد ان استباحها الشيعة وعاثوا فيها فساداً. فتتجمع الطائفة بسلفييها وبإسلامييها وبجمعياتها الاهلية وبتياراتها الصغيرة والكبيرة حول المنقذ والمخلص، وتطوبه زعيماً اوحد للسنة في لبنان، ولكن بأجنحة سلفية قاعدية لطالما حاربها والده وزجها في السجون. ولكن لماذا لا يمتلك الحريري الجرأة ويتبنى تلك التيارات السلفية والجهادية رسمياً وينشئ تيار المستقبل السلفي!؟
Leave a Reply