قبل ثلاثة عقود، في مثل هذا الأسبوع، غامر أسامة السبلاني بتأسيس «صدى الوطن» بمساعدة ودعم عدد قليل من الصحفيين الذين شاركوه في رؤيته ومغامرته. وعلى الرغم من أن الصحيفة لم تصدر عددها الصفر حتى ٢٣ كانون الثاني (يناير) من عام ١٩٨٥، إلا ان أسس وإرهاصات المؤسسة الإعلامية التي أصبحت من الرائدات، قد ولدت في السابع من سبتمبر (أيلول) عام ١٩٨٤.
وعلى مدى العقود الثلاثة المتتالية تبين أن المغامرة التي قادها السبلاني كانت محمودة العواقب لانها كانت رهاناً على قضايا الوطنين العربي والأميركي وعلى هموم الجالية والحقيقة.. فنجح الرهان.
وعبر تلك السنوات العجاف عملت الصحيفة على توثيق يوميات الجالية العربية الأميركية وإعلاء صوتها وشأنها ونشر شؤونها وشجونها، وإنجازاتها وإخفاقاتها، لتصبح مقروءة من قبل قاعدة عريضة من القراء من يهمه الأمر.
لقد شهدنا في «صدى الوطن» على نمو الجالية شبراً شبراً وقمنا بأرشفة وتشجيع سلسلة النجاحات العربية في كافة المجالات، ولكننا لم نألُ جهداً في الإشارة إلى أوجه القصور والتقصير فيها.
وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، طرحنا الكثير من الأسئلة التي كانت تراودنا ومنها التي كانت تأتينا من أبناء الجالية لرفعها إلى من هم في موقع السلطة والقرار، ولقد وفرنا في «صدى الوطن» منبراً مفتوحاً لكل الأصوات التي عادة ما تكون مقصاة وعصية على الوصول إلى وسائل الإعلام الكبيرة والرئيسية. كما أصدرنا تقارير خاصة ومفصلة عن قضايا الحقوق المدنية مع قناعات غير متأثرة بالمصالح السياسية والخاصة.
ومن أهداف التأسيس كان ولا يزال نشر وتقديم أخبار متوازنة وعادلة عن الجالية وحول العالم العربي، تتميز عن التغطية الكارثية المنحازة لوسائل الإعلام الأميركية للغزو الإسرائيلي، مثلاً، للبنان وإحتلال عاصمته بيروت في العام ١٩٨٢ على مرأى من العالم أجمع ومواصلة القمع الوحشي للشعب الفلسطيني على يد المحتلين الإسرائيليين.
وها نحن اليوم، نشهد فترة حرجة جداً يعيشها وطننا الأم، فصعود التطرف والتدخلات الخارجية السافرة وتأجيج الفتن الطائفية البغيضة وتفتيت المجتمعات العربية وانعدام الحريات وإستشراء الفساد يهدد بقاء الحضارة والهوية العربيتين بل المجتمعات برمتها.
إن معاناة شعبنا في الخارج لم تغب يوماً عن وعينا، ونحن ندرك أننا لا نستطيع أن ننأى بأنفسنا عن مآسي شعبنا وأوطاننا وهي تتكشف أمام أعيننا.
فلقد وضعت جريدتنا القضايا العربية في مقدمة إهتمامات مواقفها وسياستها التحريرية، من دعم القضايا العادلة وفي مقدمها القضية الفلسطينية إلى مكافحة الطائفية والمذهبية المقيتة والتطرف.
ولا يظنن أحد بأن مقاتلين ملثمين يقطعون رؤوس الرهائن والأبرياء ويلاحقون المسلمين وغير المسلمين، بأنهم يمثلون القيم العربية والإسلامية. فإننا نستطيع أن نجزم بأنهم لا يمثلون جاليتنا هنا ولا القيم التي نؤمن بها. لقد عملنا بلا هوادة من خلال موقعنا الإعلامي في الصحيفة وعلى شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على أن ننقل إلى مجتمعاتنا إدانة العرب الأميركيين لجرائم المتطرفين. ونحن نؤكد بأن هذه الجرائم الإرهابية غير مبررة ومرفوضة تماما.
على المستوى المحلي، كان هدفنا ولا يزال تغطية الأخبار بقدر استطاعتنا .. مهمتنا هي قول الحقيقة وكشف ما يحتاج قراؤنا إلى معرفته. لأننا نؤمن بالتزامن بقول الحقيقة لكلٍ من جاليتنا ومهنتنا.
لقد طالتنا مؤخراً انتقادات بسبب تغطية الاتجاه المخيف لحالات الانتحار المتكررة في جاليتنا. فمن المفهوم أنَّ الأسر المفجوعة لا تريد أن ترى أسماء أحبائها المتوفين على صفحات الجرائد. ومع ذلك، فالانتحار يبقى خبراً يستوجب النشر، وهو ظاهرة خطيرة ليست حكرا على مجتمعنا فقط. بل هو مصدر قلق للمجتمعات بأسرها ولقرائنا الحق في معرفة مثل هذه الأخبار وتداعياتها الوخيمة التي تنذر في مدنهم ومجتمعاتهم وأحيائهم بخطر لا يستهان به.
ومع حصول أربع حالات إنتحار موثقة وجريمة قتل واحدة أصابت العرب الأميركيين في ديربورن وديربورن هايتس خلال الأشهر الثمانية الماضية بالذهول، فإنه من الواضح أن لدينا مشاكل في الصحة العقلية والنفسية، ومشاكل تسلح في الجالية لا بد من معالجتها. ولذا سنستمر في تسليط الضوء عليها مع البقاء بعيدا عن الأخذ والرد والإثارة في نقل الخبر والوقائع.
وإذا كانت القضية تستحق النشر، فإننا سنقوم بنشرها، بغض النظر عن المشاركين والمتضررين أو المنتفعين. هذا هو عملنا، هذه هي مسؤوليتنا، مع تأكيدنا بأننا سنواصل القيام بواجباتنا المهنية وتغليبها على العلاقات الشخصية والإتجاهات السياسية أو أي حسابات أخرى.
وفي أرض الحريات التي يكفلها البند الأول في الدستور الأميركي، لن نقبل حتماً بفرض رقابة علينا من قبل أشخاص أو مجموعات تريد حجب الحقيقة عن الناس.
إنَّ تدفق المعلومات التي تصل في نهاية المطاف إلى صفحاتنا ليس طريقاً ذا اتجاه واحد. فإن أبواب مكاتبنا مفتوحة فعلياً لأي شخص يرغب بالمضي قدماً في مشاركته أو تقديم إسهامه الخاص. هواتفنا مفتوحة باستمرار لنتلقى إتصالات من أفراد جاليتنا الذين يرغبون أن يطلعوناعلى قصصهم وقضاياهم. مراسلونا وفي كثير من الأحيان يجمعون الملاحظات ويدونونها للمتابعة وتقصي الحقائق ونشرها إذا إستوفت شروط النشر. صفحات الرأي لدينا هي أيضاً مفتوحة لجميع الآراء طالما استوفت معايير الصحافة الرفيعة من نزاهة واحترام الرأي الآخر.
ونحن في هذه اللحظة التي نطفئ بها شمعتنا الثلاثين نجدد عهدنا بأننا سنواصل الدفاع عن قضايانا العادلة والمشتركة ونشر قصص نجاحاتنا مع عدم إغفال أوجه القصور فيها. كما سنستمر في تعزيز الحوار والقبول ببعضنا بعضاً ومحاربة التعصب والتمييز أينما وجد.
سنستمر في النضال من أجل الحفاظ على أجيالنا وحماية حقوقنا المدنية والدستور وحقوق المهاجرين ومستقبلهم.
وبينما نأخذ برهة للاحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيس هذا الصرح الإعلامي، يجب أن نشكر أولاً وقبل كل شيء، القراء، الذين قدموا لنا سبباً وجيهاً لمواصلة الكتابة والنشر على مدى العقود الثلاثة الماضية. كما نشكر المعلنين، الذين سمحوا لنا أن نعمم وننشر ونطور عملنا مع كل إصدار، والأهم من ذلك للحفاظ على إستقلالية قرارنا. أملنا هو أن يعيد القراء كرمهم العيني من خلال دعم مشاريعهم التجارية وارتيادها للتسوق.
وأخيراً، فإننا نعرب عن تقديرنا الكبير لفريق عملنا الحالي، والزملاء السابقين والحاليين، الذين كان تفانيهم في سبيل إنجاح الصحيفة ورفع مستواها المهني يشكل القوة الدافعة وراء تطورها. ولا يمكننا ترك هذه المناسبة تمر من دون إستذكار واحدة من مقاتلينا، رئيس التحرير التنفيذي لفترة طويلة من عمرنا الإعلامي الراحلة ماريانا كاي سبلاني التي تركت إرثا زاخراً من التاريخ الصحفي وألقت بظلها على كل عدد نُشر منذ بداية الصحيفة. لقد خسرت ماريانا معركتها مع سرطان الثدي وفجعت قلوبنا برحيلها في أول كانون الثَّاني (يناير) ٢٠١٣، لكن تراثها ما زال حياً بيننا.
وفيما نحن ندخل العقد الرابع لمسيرتنا الإعلامية في حضرة صاحبة الجلالة الصحافة، نتمنى أن نستمر في الارتقاء إلى مستوى توقعاتكم والوفاء بإلتزامنا لإيصال الحقيقة، كل الحقيقة.
نشكركم على دعمكم وإلى المزيد من العمل. الخلاق من أجل خدمة أبناء االجالية.
Leave a Reply