تونس – الثورة الحقيقية لا تنتهي مع سقوط النظام. هذا ما يتمسك به التونسيون اليوم حيث مازالت شوارع البلاد تشهد تظاهرات يومية في كافة أرجاء محافظات تونس للحفاظ على ما تحقق وتطهير مركز القرار من ما تبقى من أتباع نظام زين العابدين بن علي الذي أصبح فاراً من وجه العدالة بعد إصدار مذكرة توقيف دولية بحقه.
ضغط الشارع على ”حكومة الالتفاف على الثورة” أثمر مرة أخرى، ولكن هذه المرة بفرض تسوية، ليس من المؤكد استمراريتها. فقد قالت قيادة المركزية النقابية الخميس الماضي انها “موافقة” على بقاء محمد الغنوشي، آخر رئيس وزراء في عهد بن علي، في منصبه.
ومن جهته، أعلن محمد الغنوشي عن تشكيلة الحكومة الجديدة التي احتفظ فيها تسعة وزراء بمناصبهم، في حين ضمت 12 وزيرا جديدا وكلفت شخصيات مستقلة بوزارات سيادية.
وقال الغنوشي في خطاب بثه التلفزيون التونسي إن هذه حكومة انتقالية ومؤقتة ستبقى إلى أن تكتمل مهمتها وهي الوصول بالبلاد إلى الديمقراطية.
وإضافة إلى التعديل الوزاري، تسعى تونس أيضا إلى تشكيل مجلس “حكماء” لقيادة البلاد للانتقال من مرحلة الحكم المطلق لبن علي إلى ما يطالب به الشعب التونسي من حكم ديمقراطي. كما خرج الجيش التونسي عن صمته، فوقف رئيس أركانه الجنرال رشيد عمّار، يخطب في آلاف المتظاهرين أمام مقر الحكومة في العاصمة، معلنا نفسه “حامي” الثورة و”ضمانتها”، وحذرهم من ان يركب اناس اخرون ثورتهم، واشار الى ان هناك قوى تدعو الى الفراغ الذي يولد الرعب الذي يولد بدوره الدكتاتورية.
وخلت الحكومة الجديدة من الوزراء المحسوبين على النظام السابق، باستثناء ثلاثة منهم وهم محمد الغنوشي الذي احتفظ بمنصب رئيس الوزراء، ومحمد النوري الجويني الذي أُسندت إليه حقيبة التخطيط والتعاون الدولي، ومحمد عفيف شلبي الذي أسندت إليه حقيبة الصناعة والتكنولوجيا.
وخلت التشكيلة الجديدة من الوجوه الإسلامية أو اليسارية المعروفة، وحافظ فيها أحمد نجيب الشابي الأمين العام المساعد للحزب الديمقراطي التقدمي على حقيبة وزارة التنمية الجهوية والمحلية، وأحمد إبراهيم الأمين العام الأول لحركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) على حقيبة التعليم العالي والبحث العلمي.
وأسندت وزارة الداخلية إلى فرحات الراجحي خلفا لأحمد فريعة، والدفاع إلى عبد الكريم الزبيدي خلفا لرضا قريرة، والخارجية إلى أحمد ونيس خلفا لكمال مرجان الذي أعلن استقالته في وقت سابق.
واوضح مرجان في تصريح لـ”وكالة تونس افريقيا للانباء” (وات) الحكومية “قررت التخلي عن مهامي كوزير للشؤون الخارجية” وذلك “اعتبارا لمصلحة تونس ودعما لعمل حكومة الوحدة الوطنية في قيادة البلاد نحو بر الامان”.
واضاف مرجان ان استقالته جاءت ايضا “في سبيل ان تؤتي الثورة الشعبية التي تعيشها بلادنا اليوم ثمارها وتحقق تطلعات شعبنا الى الحرية والعزة والكرامة”.
وقبل التعديل الوزاري، تزامنت تطورات الأسبوع الماضي مع إرسال واشنطن مساعد وزيرة خارجيتها جيفري فيلتمان الى تونس في اول تدخل اميركي علني مباشر في الشأن الداخلي التونسي، للاجتماع بالحكومة الانتقالية المرفوضة من الحركة الشعبية، الأمر الذي كان بمثابة الضربة القاضية لحكومة الغنوشي بعد أن ثار غضب الشارع وحاصر المحتجون قصر الحكومة بالقصبة في العاصمة حيث سجلت صدامات.
“عودة النهضة”
من جهته ينوي زعيم حزب “النهضة” التونسي الاسلامي راشد الغنوشي الذي يعيش منفيا في لندن، العودة الاحد المقبل الى تونس بعدما غادر بلاده منذ ما يفوق العشرين عاماً.
وكان راشد الغنوشي اسس عام 1981 حركة “النهضة” المتأثرة بجماعة “الاخوان المسلمين” في مصر، ويؤكد حالياً انها تمثل اسلاما حديثا وهي قريبة من حزب العدالة والتنمية التركي.
وفي انتخابات العام 1989 حصلت حركة النهضة على 17 بالمئة من الاصوات ما دفع نظام بن علي الى قمعها بشدة وحظر نشاطها. وغادر الغنوشي عندها الى الجزائر ثم الى لندن. وفي عام 1992 حكم عليه غيابيا بالسجن المؤبد مع عدد اخر من المسؤولين الاسلاميين بتهمة التآمر للاطاحة بالرئيس.
ملاحقة بن علي
من ناحية أخرى، أثارت الاتهامات التي وجهها القضاء التونسي إلى الرئيس السابق زين العابدين بن علي والمذكرة الدولية الصادرة لجلبه ردودا غاضبة لدى فئات مختلفة من الشارع التونسي اعتبرتها مجرد تهم بسيطة مقابل ما اقترفه الرئيس السابق في حق تونس والتونسيين من جرائم طيلة عقدين من الزمن.
ويرى عدد كبير من مكونات المجتمع التونسي أن القضاء لم يوجه تهما بالقتل العمد للرئيس السابق باعتباره المسؤول الأول عن إعطاء أوامر إطلاق واستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين في مسيرات سلمية مما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء.
عائلة بن علي في كندا
وفي أوتاوا، قال وزير الجنسية والهجرة الكندي جايسون كيني إن أفراد عائلة بن علي الذين وصلوا إلى كندا يحملون إقامة دائمة ومن حقهم التواجد في البلاد.
ونقلت شبكة “سي بي سي” الكندية عن كيني تأكيده الأحد تواجد أفراد من عائلة بن علي في كندا “وهم مقيمون دائمون ما يمنحهم حقاً قانونياً في التواجد هنا”، غير أنه شدد على أن أي شخص يريد القدوم من تونس إلى كندا يتعين عليه الحصول على تأشيرة دخول وقد يصعب ذلك على شخص لا يستطيع العودة إلى بلاده.
ونقلت الشبكة عن مصادر حكومية أن خمسة من أفراد عائلة بن علي بينهم صهره وصلوا إلى مونتريال على متن طائرة خاصة.
وكان متحدث باسم وزارة الخارجية الكندية قال إن بلاده لا ترحب بالمقربين من الرئيس المخلوع.
وأعرب أفراد من الجالية التونسية في كندا عن استيائهم من استضافة أقارب بن علي.
Leave a Reply