عواصم – في الوقت الذي كانت شوارع تونس تهتز تحت أقدام المتظاهرين الغاضبين والرئيس التونسي يعد العدة للهروب من البلاد، كانت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون توبخ الأنظمة العربية من الخليج في ختام جولة لها على دول المنطقة مطالبة بضرورة إصلاح المؤسسات الفاسدة وإنعاش النظام السياسي الراكد وإلا فانها معرضة لخطر الهزيمة في مواجهة “التشدد الاسلامي”.
وكانت كلمات كلينتون التي تختتم جولة استغرقت خمسة أيام في منطقة الخليج شديدة اللهجة خلال تجمع لزعماء المنطقة في قطر وقالت ان عدداً كبيراً من حكومات الشرق الاوسط لا تلحق بركب التغيرات السكانية والسياسية.
وقالت كلينتون في كلمة شديدة الصراحة بشكل غير معتاد أمام حضور يشمل ممثلين لدول تعتبر من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة منها السعودية ومصر “كل بلد بالطبع أمامه التحديات الخاصة به وانجازاته. لكن في أماكن كثيرة للغاية وبطرق كثيرة للغاية تغرق مؤسسات المنطقة في الرمال”.
وكان محور التركيز الرئيسي لكلينتون في جولتها هو التشاور مع حلفاء رئيسيين حول قضايا ملحة مثل البرنامج النووي الايراني. لكن في كل بلد أكدت كلينتون الحاجة الى مشاركة سياسية أكبر من جماعات المجتمع المدني في منطقة تزيد فيها أغلبية من تقل أعمارهم عن 30 عاماً.
كلمات كلينتون دقت ناقوس الخطر، وما هي إلا ساعات وكان الرئيس التونسي قد هرب من بلده تحت وطأة غضب الثورة الشعبية التي كانت لها امتدادات مرعبة لزعماء الوطن العربي في كل أنحائه، فساد جو التوتر والارتباك، ووقع هؤلاء الزعماء بين خيارين، إما إرضاء الشارع بخطوات استباقية أو تجاهل الأمر، ووحده الرئيس الليبي معمر القذافي كان في موقعاً هجومياً حيث أنب التونسيين على ما فعلوة بـ”الزين”.
وكان لا بد للزعماء العرب أن يلتقوا ليتدارسوا خطة مواجهة، فاجتمعوا في شرم الشيخ تحت عنوان القمة الاقتصادية العربية.
ويمكن الاستخلاص من نتائج هذه القمة أنهم توصلوا الى اعتماد تكتيك “التجاهل”.
ورغم أنه في بداية أعمال القمة، حذر الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، القادة المجتمعين، من إمكانية انتقال ثورة تونس إلى دول عربية أخرى، موضحا أن “المواطن العربي في حالة غضب وإحباط غير مسبوقة”، لم يعر الرئيس المصري الثورة التونسية أهمية، وآثر الاختباء خلف إصبعه،، معتبرا أن “قضية التشغيل وإتاحة فرص العمل واحد من أهم ما نواجهه من تحديات”.
ولم يصدر عن القمة الاقتصادية الثانية التي اختتمت أعمالها في شرم الشيخ، برئاسة حسني مبارك، قرارات قد تخفف من نسبة احتقان الشارع العربي الذي يئن تحت نير ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبطالة. وأكد القادة “ضرورة إعطاء التشغيل وخاصة تشغيل الشباب أولوية وأهمية كبرى لمواجهة تحدي البطالة وأخطارها على الأمن الوطني والقومي، وتعزيز التعاون العربي في هذا المجال”.
وأعرب أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بصفته رئيس القمة السابقة، عن أمله في “تكاتف جهود الأشقاء في تونس لتجاوز هذه المرحلة الدقيقة، والوصول إلى توافق وطني يحقق الأمن والاستقرار”. وأعلن أن صندوق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والذي يبلغ رأسماله ملياري دولار، سيدخل حيز التنفيذ قريبا.
وأصدرت القمة “الاقتصادية” بيانا “بشأن مكافحة الإرهاب والتدخلات الخارجية” أكدت فيه أن “الملوك والرؤساء العرب يجددون إدانتهم للإرهاب بكل صوره وأشكاله والتزامهم بالقضاء على أي بؤر إرهابية في أي موقع من الوطن العربي”، غير أنهم أضافوا أنهم “يعربون عن رفضهم الكامل لما تم رصده من محاولات بعض الدول والأطراف الخارجية التدخل في شؤون الدول العربية بدعوى حماية الأقليات في الشرق”.
الغضب العربي
ولكن بعيداً عن منتجع شرم الشيخ وقصور الزعماء العرب كان الشارع العربي يغلي من المحيط الى الخليج وينظر الى شجاعة التونسيين متمنياً أن يحذو حذوهم، فيما كان منظرو الأنظمة العربية يقيمون المقارنات ويؤكدون لأصحاب السلطة في بلدانهم أن التجربة التونسية “يستحيل” أن تنطبق عليهم.
وشهد عدد من الدول العربية الإعلان عن إجراءات للتخفيف من معاناة السكان رغبة في تجنب التعرض لما شهدته تونس والإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي.
في مصر، سارعت الحكومة المصرية إلى إدخال تعديلات على قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى تعديلات اقتصادية، في محاولة يبدو أن الهدف منها امتصاص الغضب الشعبي، حيث قام عدة أشخاص (أربعة حتى صدور هذا العدد) بإحراق أنفسهم احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية.
وفي موريتانيا، أعلنت الحكومة إطلاق برنامج عاجل للتخفيف من معاناة السكان الأكثر فقرا جراء ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، موضحة أن البرنامج سيبدأ بفتح متاجر بجميع أنحاء البلاد لبيع السلع الأساسية بأسعار مدعومة. ويشمل البرنامج أيضا إجراءات ترمي إلى توسيع فرص التشغيل، وتشجيع زراعة المواد الغذائية والنشاطات المدرة للدخل.
وفي سوريا، قررت السلطات زيادة دعم زيت التدفئة بنسبة 72 بالمئة أي بما يعادل 33 دولارا شهريا. وقال وزير المالية محمد الحسين إن الزيادة في دعم زيت التدفئة ستكلف الدولة 326 مليون دولار سنويا، وسيستفيد منها نحو مليونين من العاملين بالدولة والمتقاعدين من بين عدد السكان البالغ 23 مليون نسمة.
وقام الأردن، الذي شهد تظاهرات مناوئة للحكومة، بإجراءات مماثلة، حيث أعلنت الحكومة عن خطة تبلغ تكلفتها 225 مليون دولار لخفض أسعار عدة أنواع من الوقود وسلع أساسية من بينها السكر والأرز.
وفي السودان، هددت المعارضة بالنزول إلى الشوارع إذا لم تعزل الحكومة وزير المالية وتحل البرلمان بسبب قرار رفع أسعار سلسلة من المواد الغذائية إضافة إلى منتجات البترول، وذلك ضمن محاولات الخرطوم معالجة العجز في ميزانيتها. لكن حزب المؤتمر الوطني رد على ذلك بتحذير المعارضة من أنه لن يتم التسامح مع احتجاجات الشوارع، علما بأن السلطات تنحي باللائمة في مشكلات البلاد الاقتصادية على الأزمة المالية العالمية وانفصال الجنوب.
وفي صنعاء قررت السلطات اليمنية إعفاء موظفيها من 50 بالمئة من ضرائب الدخل. في غضون ذلك تظاهر الف طالب يمني الاحد في صنعاء داعين الشعوب العربية الى الانتفاض على حكامها على غرار ما جرى في تونس. وخرج الطلاب من حرم جامعة صنعاء وساروا نحو السفارة التونسية يرافقهم عدد من النشطاء الحقوقيين.
وهتف المتظاهرون “من صنعاء الف تحية لتونس الحرية” ورددوا ايضا “ثورة ثورة يا شباب ضد الحاكم الكذاب” و”ثورة ثورة يا شعوب ضد الحاكم المرعوب”.
كما أمر أمير الكويت بصرف منحة مالية قدرها ألف دينار (3560 دولارا) لكل كويتي ولد قبل الأول من شباط (فبراير) 2011، كما أمر بصرف مواد غذائية أساسية بالمجان للمواطنين حتى نهاية آذار (مارس) 2012. ويتوقع أن يبلغ إجمالي ما سيصرف نقدا وفقا لتوجيهات الأمير نحو أربعة مليارات دولار على سكان البلد النفطي البالغ عدد موطنيه 1.12 مليون نسمة.
تسعى السلطات الجزائرية إلى تهدئة الأوضاع واحتواء الأزمات الاجتماعية، بعد ارتفاع محاولات الانتحار حرقا، على طريقة التونسي محمد البوعزيزي، منذ بداية الأسبوع إلى ثمان حالات احتجاجا على الأوضاع المعيشية المزرية. ووجهت وزارة الداخلية والجماعات المحلية تعليمات لولاة الجمهورية بفتح أبواب الحوار مع المواطنين وعدم الاستهانة والاستخفاف بمطالبهم، وشددت على ضرورة حل كل “ما يتعلق بالسكن والشغل”.
Leave a Reply