عائد إسماعيل
لم تأتِ نازلة كورونا بخطبٍ واحدٍ معلوم، كما يتبادر إلى الأذهان، بل أفرزت معها عديد الكوارث المتسارعة المذهِلة المتفرعة منها، كما لو أنها كانت تنتظر صافرة انطلاق، حتى يُخيَّل للرائي أنّها السّاعة وقد أزفت، فانهار هذا التماسك الظاهري للأنساق الدولية، وتبدّد جبروت الأقوياء، وهزلت قدراتهم، وانفضحت حيرتهم، فانعكس ذلك على الشعوب التي طفقت تعوّض عن جزعها وقلّة حيلتها بطقوسٍ لا تنتهي من تخزين المؤن والاستسلام لأقدارها.
فما عدا ممّا بدا؟ وكيف خرج الإنسان من وعاء المنظومات، وكيف تهاوت قدسيّة روحه وقيمة حياته لتصبح تفصيلاً بسيطاً في معادلة مركّبة لحسابات الربح والخسارة ليقضي منهم ألوف في غضون أيّام، تارةً بسبب عدم الرغبة في خسارة التصدير، وأخرى بسبب الخشية من فقدان نافذة التبادل التجاري الوحيدة، وثالثةً لمخافة تأثّر ازدهار الاقتصاد؟
فما قيمة هذه الحضارة وما جدواها حين يتمّ التعاطي مع سادنها الإنسان بهذه الكيفية؟ وما نفع الذهاب إلى المريخ وما وراءه من الكواكب وخسارة الأموال الباهظة في استكشاف الفضاء مثلاً، عندما يُتَخلّى عن عائلة من أم وصغارها الأربعة المنكوبين جميعهم بكورونا في دولة عظمى نووية كفرنسا، فتُجبَر على مغادرة المستشفى بعد مضي أربعة أيام فقط فيها وهم في حالاتٍ حرجة بحجّة عدم سعة المستشفى، وتُترَك لتنتظر مصيرها في المنزل بلا رعاية؟ ناهيك عن عشرات القصص المتواترة المتظافرة، وليس أقلّها مآسي المسنّين الطليان.
الثابت أنّ المثال كرسالات السماء ونتاج الفلاسفة والحكماء، مثال متسام وأخلاقي قيمي باهر؛ بينما الأداء الأرضي الواقعي براغماتي ذرائعي في أحسن الأحوال، إن لم يكن مكيافيللياً نفعياً بغيضاً، أُسقط فيه الإنسان كما يسقط دوماً صريعاً ضحيَة الساسة.
جاءت الجائحة لتجلب معها مقبرتين إلى هذا العالم، إحداهما أخلاقية، والأخرى لتضم رفات الضحايا!
Leave a Reply