فراس حمادة
ذات مرة سئل إيلون ماسك مؤسس شركة «سبيس أكس» الفضائية والمدير التنفيذي لشركة «تيسلا» للسيارات الكهربائية عما إذا كان يؤمن بالله، فأجاب بأنه يؤمن بقوانين الفيزياء.
فجواب ماسك يشير إلى أنه تابع لحركة فكرية حديثة ومذهب فكري جديد يحاول أن يفسر الكون ويجيب على التساؤلات الوجودية من خلال تطور العلوم التجريبية بدلاً من التجريد الفلسفي واللاهوتي.
كان ستيفن هوكينغ من رواد هذا التيار الذي سعى لنظرية الوحدة لقوانين وأطر الفيزياء تحت عنوان نظرية الأشياء كلها. ومن رواد هذه النظرية الفيزيائي المشهور لورنس كراوس وريتشارد دوكينز عالم النشوء والارتقاء التطوري. وما يميز هذا التيار أنه يطرح فكره بديلاً عن الدين في محاولة تفسير الكون والوجود بغير خالقٍ وأنه يصف نفسه بالتحرري وفي حقيقة الأمر أن هذا التيار قد حرر نفسه من القيود الأخلاقية بنفيه وجود خالقٍ عاقل متجرد يحاسب الناس على أفعالهم.
وبالمعنى الفلسفي التجريدي كانت الفلسفة بركيزتها الإغريقية وامتدادها الإسلامي والغربي (العلم بالموجودات بما هي موجودة حسب تعريف الفارابي) تجيب على سؤال «لماذا كان الكون والوجود» على أن العلوم الطبيعية وتوابعها تتصدى «لسؤال كيف تكونت الحياة وتشكلت الموجودات؟».
فأحد أعمدة هذا الطرح هو استبدال الفلسفة التقليدية بفلسفة قوانين الفيزياء التي تحكم العالم المادي من حيث أنها تلغي دور الفلسفة في التوسط بين العلم والدين. لقد قدس جل المشتغلين بالإلهيات، الفلسفة فاعتبروها حكمة متعالية وبجلّوا سقراط وأفلاطون ولقبوا أرسطو بالمعلم الأول.
اعتبر صدر المتألهين الشيرازي والفارابي وابن سينا (العقل الأول أو الكلي ركيزة فلسفته اللاهوتية) وكذا بيكون وكانت وديكارت أن الفلسفة والعلوم العقلية التقليدية بما فيها السببية هي آلة التجريد التي تحكم كلية العلوم والمنهج العلمي وربط الظواهر الطبيعية بعلّة منشئها.
وفي الحقيقة أن المفكرين أمثال كروس وهوكينغ ودوكينز وقعوا في مغالطة مع أهم أصول العلوم الطبيعية والفيزيائية التي هي مجال اختصاصهم فنفيهم لأي وجود خارج عن المادة استتبع القول بأزلية المادة مما يدحض أشهر نظرية في تاريخ الفيزياء الحديثة وهي نظرية بدء تشكل الكون أو الانفجار العظيم.
ثم أنهم بنفيهم قانون السببية وانتظام الكون (التي تحدث عنه دافيد هيوم) نفوا حتمية انسجام تأثير العلة على المعلول مع تغير الزمن وتحدوا بعض أسس الاستقراء والمنطق الأرسطي بما يوحي بحالة من الفوضى المنهجية وعدم ضبط للمعايير التي تحكم تعليل وفهم قوننة الظواهر الطبيعية.
في خضم هذا اللج المتأجج من أفكار هؤلاء الباحثين في فلسفة العلوم من تيار كروس وهيتشينز ودوكينز اللذين لا يرون وضوح التصميم الإبداعي في الكون يُمنح أحد مجافي هذا المسلك وهو الفيزيائي الرياضي رودجر بنروز الفائز بجائزة نوبل للفيزياء لعام 2020.
وما يميز أبحاث بنروز أنه أثبت رياضياً استحالة تشكّل الكون بشكل عشوائي واستحالة انتظامه باجتماع مليارات الصدف. وقد اعتمد في برهانه على معادلة الأنتروبيا في قوانين الميكانيك الحرارية.
وحيث أن مؤشر الأنتروبيا يكون مرتفعاً في المنظومات العشوائية فقد أثبت بنروز أن مؤشر العشوائية بُعيد الانفجار العظيم، أي وقت نشوء كوننا الفيزيائي منذ ما يقارب 13.8 مليار سنة، هو صفر، وبلغة الأرقام 1 مقسوم على 10 أس 10 أس 123 أو 1/10^10^123 (بالاعتماد على معادلة بكنشتين–هوكينغ للإنتروبيا وعلى تقدير وجود 10 أس 80 من مجموع جزيئات البروتون والنترون 10^80).
مما يعني أن الكون كان شديد الانتظام والإحكام من اللحظات الأولى لنشوئه وهذا ما يثبّت فرضية التصميم الذكي. «هذا يوضح مدى الدقة التي هدف إليها الخالق دقة جزء واحد من 10 أس 10 أس 123. إنه لأمر مذهل»، حسب ما جاء في كلام بنروز.
لقد آمن بنروز أن الكون سفر مكتوب بلغة الرياضيات إذ أثبت من خلال هذه اللغة خرافة الصدفة في المنظومات المفيدة والمعقدة فارتقى فلسفياً ولاهوتياً إلى صفة الحكمة بوضع الأشياء في مواضعها بهذه الجزئية بعد أن أحكم في ذلك استقراءه واستنتاجه فاتّبع سبباً…
Leave a Reply