تقول الراوية: بعدما حطّم أصنامهم ودعاهم إلى عبادة الإله الواحد الأحد، قرر قوم النبي ابراهيم (ع) طرحه في النار المستعرة. وقف الجميع يتفرجون بينما انسلت ضفدعة من بين الجموع وفي فمها ماء رشته على ألسنة اللهب، وجاءت حرباء تحمل في فمها قشة يابسة وطرحتها في النار أيضاً.
لا الماء سوف يطفئ النيران، ولن تزيد القشة النار التهاباً، لكنه.. الموقف والنية. النية الطيبة مقابل النية السيئة. الموقف السامي مقابل السلوك الوضيع.
يضع العقل في الكف، ما حدث في المركز الإسلامي في مدينتا ديربورن، على خلفية حضور بعض الضباط الإسرائيليين لفعالية اجتماعية يحضرها كل سنة ممثلون من جميع الأديان. قامت القيامة عند أصحاب النفوس الهزيلة والجاهلة، رغم أن البعض منهم يحملون شهادات جامعية عليا، ولكنهم ذوو أهداف صغيرة، ونظرات قاصرة، ولهم قلوب فاحمة. هؤلاء الذين ارتفع عندهم منسوب التكبر والعجرفة ضد المركز والقائمين عليه واصفين إياهم بالخيانة وإساءة الأمانة والسعي إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي.
وتشكلت «جبهة نصرة» ضد المركز الإسلامي تطالب برحيل أمنائه (كلن يعني كلن) حتى أن البعض طالب روح الزعيم جمال عبد الناصر للعودة لكي يرى «اللي جرى واللي كان». فجأة تذكروا الشيخ محمد جواد شري وكان عندهم نسياً منسياً، مولولين باكين على ما فعله أمناء الجامع الكبير حين سمحوا ووافقوا على دخول العسكريين الإسرائيليين إلى قاعات المسجد.
يا لطيف، يا للهول، كما قال يوسف بك وهبة. يجب حالاً مقاطعة المركز. إنه العار والشنار!
من حضر من اليهود ذهب إلى مصالحه ودخلنا نحن في الخلافات والأحقاد والجدل البيزنطي العقيم ومقالات السفه والاعتباط.
فقط سؤال لكل أمراء «جبهة نصرة المركز الإسلامي»: أين تعيشون؟ ومع من تتعاملون؟ هل تعيشون معزولين عمن حولكم هنا في عاصمتكم ديربورن؟ تتعاملون معهم في الجامعات والبنوك والمدارس والتجارة.. فما هي الخطيئة الكبرى لو جاء إسرائيليون إلى المركز؟
قد يقول قائل إنهم قتلة وأعداء ومغتصبون. لا أحد ينكر ذلك، ولهذا بالضبط يجب حضورهم .. لكي يفهموا أننا شعوب قابلة للحياة. شعوب صاحبة حقوق. ومثلما يدافعون عن أهلهم نحن أيضاً لدينا الحق بالدفاع عن أهلنا ولنا الحق في أن نشرح للعالم مأساة شعب يأبى الذل ويسعى للحرية وكسر طوق الاحتلال.
هذه هي الحقيقة، يجب كسر الطوق الإعلامي السلبي الذي يصور المسلمين والعرب بصورة بشعة ومقززة. حقوق الشعب الفلسطيني ليست عند إسرائيل فقط بل عند الذين أهرقوها من العرب والمسلمين، وقبل حماية الحق الفلسطيني وحقوق الشهداء والمقاومة، عبر التناحر والمسخرات، فلنحمِ حقوقنا هنا، في الولايات المتحدة.
وحتى لو جاء ترامب ونتنياهو إلى المركز الإسلامي، سوف يبقى المركز إسلامياً في ديربورن وسوف يبقى منارة تشع منها روح التسامح وقيم الإسلام العظيم، وكما وقى الله نبيه إبراهيم من نار قومه الفجرة، صلاتنا إلى الله العلي القدير –في هذا الشهر الفضيل– أن يهدي النفوس الضالة ويبرد الرؤوس الحامية، فما يحتاجه المركز الإسلامي ليس البطولات بل الشفاء، وليس المسكنات بل الهدوء، وليس الثورة بل الترميم، وليس جبهة النصرة بل جبهة المحبة والأخلاق والمسؤولية.
Leave a Reply