برافو “جبّانة الدول العربية” للأنظمة الجبانة على “إنتصارها” الموصوف الجديد بفرض عقوباتٍ على سوريا بعد إنذارٍ مذل لإجبارها على توقيع برتوكول المراقبين الذي ينتهك السيادة الوطنية السورية، وهذا معنى لم ولن تعرفه الأنظمة الراكعة واللاعقة لأحذية أسيادها. السرعة التي تمت بها إعطاء المهلة لسوريا ثم فرض العقوبات على عجل وفي أحد فنادق القاهرة بعيداً عن “ميدان التحرير” الذي كان يشتعل ثورةً ضد الحكم العسكري القمعي والمسبب بإيقاع الشهداء، تحمل دلالةً ذات مغزى!
فالجامعة “الخرفة” لم يرف لها جفنٌ وهي تكاد تكون قاب قوسين أو أدنى من الإجرام الذي أظهره جنرالات مبارك، لكن اختير لها التصعيد الخطير ضد سوريا بسبب سيناريو معد سلفاً، مما يفسر هذه السرعة القسوة في التعاطي مع الشأن السوري والقيام بخطواتٍ غير مسبوقة، لم تتجرأ “جامعة الجبن” أن تقوم بها ضد العدو الحقيقي حتى في عز مجازره ضد الفلسطنيين واللبنانيين والشعوب العربية المحاذية للكيان المصطنع!
تصوروا أن مشيخة قطر والسعودية طلبتا من رعاياهما أن يغادروا سوريا ويعودوا إلى بلادهم بينما عدد الأجانب المرتزقة في دول الخليج هم أكثر من السكان المحليين. وقطر التي أنهت فعلياً المقاطعة العربية ضد إسرائيل بإنشاء علاقات “ثقافية وتجارية” مع دولة العدو عبر مكتب إتصال تجاري إسرائيلي (وهذا أخطر من “كامب ديفيد”، لأن “السلام” مع إسرائيل هنا ينطلق من شبكة مصالح إقتصادية وثقافية أولاً) في حين تريد قطر مقاطعة البضائع السورية ووقف التعامل مع البنك المركزي السوري وتجميد أصول المسؤولين السوريين! ولا بأس أن يستقبل أمير قطر المجرمة القاتلة، تسيبي ليفني، في الدوحة أو أن يسرح جزار قانا المنحط شمعون بيريز في أسواق الخليج حيث يلاقي كل أنواع “الضيافة العربية” بينما ممنوع الآن سفر قادة سوريا أو إستقدام الطيران المدني السوري إلى دول الخليج! يريدون “نصرة” الشعب السوري من جهة، ثم يعملون على إفنائه من جهة ثانية، عبر تجويعه وإفقاره بالعقوبات المجرمة، متناسين أغلبية الشعب الذي هب لنصرة وطنه وجيشه ورئيسه مديناً قرار “الجبانة العربية”. انهم أسوأ من كبير الخونة المستسلمين أنور السادات! وكم كان قلب قناة “التزويرة” ولقيطتها “العبرية” رقيقاً عندما كانتا تنقلان مؤتمر الوزير وليد المعلم الصحافي فقطعتا الارسال عندما عرض شريط مجازر المسلحين ضد أبناء الشعب السوري.
وإذا كان قرار عقوبات دول “جبانة الدول العربية” مرسوماً سلفاً، فلا ندري كيف تم تمريره من قبل دول وطنية ودول لحقها “الربيع العربي” كتونس والجزائر وحتى اليمن. العراق كان الدولة الوحيدة التي قالت أنها لن تطبق العقوبات المدانة أما لبنان فقد “نأى بنفسه” عنها. والله إنه بلد الغرائب وحتى مفرداته السياسية غريبة الأطوار مثل “لا غالب ولا مغلوب” أو مفهوم الوسطية أو “قوة لبنان في ضعفه”! واليوم نشهد مفردة جديدة: النأي بالنفس.. وهي هرطقة سياسية.
لماذا لا يعلن لبنان مثلاً الرفض المطلق لقرار العقوبات بدل النأي الذي يذكر بمواقف وليد جنبلاط المائعة والناكرة للجميل؟ كان الأجدى بلبنان أن يقف موقفاً صلباً أولاً من أجل مصلحته وثانياً من أجل صلة القرابة والجغرافيا والعرفان بالجميل. فالكل يعرف أن لبنان، البلد السائب والاقتصاد المهرهر، هو أول من سيتأثر بالعقوبات على سوريا. ففي السبعينيات اغلقت سوريا الحدود مع لبنان فعلت الصرخة وكاد بلد “خيال الصحرا” أن يختنق! وهذا الموقف المائع يشبه نجيب ميقاتي الذي يبدو أنه ليس منسجماً مع وزير الخارجية عدنان منصور المشهود له بالجرأة لأنه الوحيد بين أسلافه إستدعى السفير الأميركي مرتين لخرقه للسيادة اللبنانية!
وعلى سيرة ميقاتي وتهديده بالإستقالة إذا لم يتم تمويل المحكمة الإسرائيلية، فيا سلام على هكذا دولة لم تتمكن من حل معضلة التمويل إلا بعد تدخل حلال المشاكل وعراب الحلول الرئيس نبيه بري بينما كان رئيس الجمهورية متفرجاً وليس لاعباً! ومن دون مواربة ومداورة، فإن ميقاتي وفريق “سعد الطائر” هما الرابحان الوحيدان في حل تمويل المحكمة بإغاثتها عن طريق سلفة “الهيئة العليا للإغاثة”. ففريق “١٤ عبيد زغار”، الذي فشل فشلاً ذريعاً ومزرياً في مهرجان طرابلس، تلقى جرعة حياه جديدة بتمويل محكمته من دون كشف شهود الزور وإعادة النظر في برتوكول المحكمة التي هربتها حكومة السنيورة غير الشرعية. فما لم يتمكن سعد الحريري من تحقيقه بالقوة، أنجزه نجيب ميقاتي بالدلع والتهديد بالإستقالة التي خاف منها البعض على إستقرار البلاد.
لكن عن أي إستقرار يتحدثون والمحكمة المجرمة تستهدف المقاومة وتبرئ إسرائيل، وهي مسيّسة حتى النخاع، ولم تأخذ حق الضباط الأربعة الأبرياء؟ حتى سعد أبدى إستعداده للتخلي عن أبو المحكمة واعترف بشهود زور في ورقته الشهيرة من أجل البقاء في السلطة. أما اليوم، فهناك من ينوب عنه وكأنه يحكم السراي فعلياً بالريموت عبر موقع “تويتر”. إنه موقف أغرب من الخيال، أن يعطى المال لعدوٍ يتربص بنا شراً لكي يستمر في سمومه ولا نعرف كيف يتصرف بهذا المال. ثم أين أصبحت قضية الحواسيب ونقلها عبر إسرائيل ورشوة غيرهارد ليمان وأدلة إدانة إسرائيل؟ انها “الطاحونة اللبنانية” مقابل “الجبّانة العربية”!
Leave a Reply