كان أبي، يعبث أحياناً بالكلمات.
فيسألني مثلاً عن معنى القبلة أين تكون؟؟
فأقول له : القبلة سرٌ معقود بين الشفتين وجسرٌ، لايعبره إلا الغاوون!
من بعض عادات العرب، التي برأيي يجب تجاوزها، أو على الأقل البحث فيها، هي عادة التقبيل عند اللقاء سواء بين أصدقاء أو أهل أو معارف من بعيد لبعيد. وأنا شخصياً أحسب مئة حساب في تواجدي أثناء زيارات عائلية أو مناسبات دينية أو دنيوية، وأحاول قدر المستطاع مصافحة الآخرين عن بعد وترك مسافة بيني وبينهم إذ لعلّ الإشارة تصل إليهم إني أعفيهم من عصرهم لي بالحضن ورشرشتي بسيلٍ من القبل وبدون ضوابط، فهناك من يقبل مرّة على الخد الأيمن في المرة الأولى ثم على الخد الأيسر، ثم يبدأ الدورة من جديد من دون تحديد عدد المّرات، مما يربك المقبِّل والمقبَّل في آن. وياحبيبي، كما يحدث في أحيان كثيرة، عندما تتخطى القبلة الخد فتأتي على الشفتين أو مادونها، عندها، يرحمك الله، روائح الحمص والشاورما والأراغيل تنساب إلى منخريك من أفواهٍ بينها وبين فرشاة ومعجون الأسنان عداء مزمن.
مع الإحترام للعادات والتقاليد العربية فإن فوضى القبلات تربك التواصل الإجتماعي وتثير فضول الشعوب الأخرى، خصوصاً عادة تقبيل الرجل للرجل عند اللقاء، إذ أجد في هذه العادة ما يستحق التجاوز عنها في هذا العصر.
نقل أحد المستشرقين الغربيين – الميجر دكسون، في كتابه «عرب الصحراّء»، بعد أن قضى سنوات طويلة في بلاد الخليج، واصفاً القبل والتحية عند العرب: «يُحيِّ البدوي الشيخ أو الرجل من ذوي الشأن بالسلام عليكم، ويزيد عليها بقبلة على الأنف أو على الوجنتين، وقبلة الأنف هي أكثر إنتشاراً، ولطالما أحرجتني هذه التحية، فقد قبلني مرة ستة رجال في وقت واحد!»
طبعاً، وهذا مايحرجني أنا شخصياً، عندما «تحدف» إحداهن نفسها للسلام عليّ، كالقضاء المستعجل، وأنا لاحول لي ولا قوة لردعها عن معانقتي وتقبيلي. إن الإرباك الذي تتركه عادة التقبيل عند اللقاء أكثر من جوانبها الإيجابية، وفي الوقت الذي نجد أن الوعي الصحي قد تقدم كثيراً، نرى أن العديد من الأهل والأقارب يقبلون أولادهم الصغار «بوش توبوش» يعني بالفم الملآن والشفاه التي بلا حياء. هذه القبلات السمجة والمقرفة هي أسوأ القبلات وأخطرها، لأن الله يعلم وحده من باس أحدهم أو إحداهن وأي مكان وطأته هذه الشفاه قبل الهجوم على شفتي الطفل البريء وفمه، «تعبيراً» عن الحب له، هذا عدا عن تقبيل الكلاب والحيوانات كنوع من التحضّر والتقدم.
شو الغلط، عند اللقاء وبدل الغرق في جحيم من القبل، تبادل أجمل تحية: وهي السلام عليكم مع المصافحة، هل هناك أفضل منها؟!
أما أجمل قبلة، فكانت ولازالت. مابين إثنين يضمهما شفق الحب، هذا حسب رأي الشاعر محمد علي شمس الدين صاحب الأبيات الأولى في المقال.
Leave a Reply