طغت المجزرة العرسالية بحق الجيش اللبناني على ما سواها من ملفات داخلية خلال الأسبوع الماضي، وبات واضحاً لجميع اللبنانيين أن «أجندات سياسية» تحمي المسلحين والإمارات السلفية، ولها امتداداتها وتأثيراتها على الأزمة السورية، كما الفرق بين سلاح يقصد القتل وبث سموم الفتنة وآخر يقصد المقاومة والحماية لم يعد بحاجة الى كثير من الشرح. وبرغم أنّ الروايات والنظريات تعدّدت حول ما حصل في البلدة البقاعية الواقعة على الحدود السورية، الا أن المؤكّد والذي يتّفق عليه الجميع أنّ الجيش اللبناني تعرّض لكمين فيها من قبل مُسلّحين، أدى الى استشهاد النقيب في الجيش، والذي تمّت ترقيته الى رتبة رائد، بيار بشعلاني والرقيب أول ابراهيم زهرمان وإصابة عدد من العسكريين بجروح حرجة.
وفي تفاصيل الحادثة التي لا تزال تلّفها خيوط من الإلتباس والغموض أنّ دورية عسكرية كانت تُلاحق خالد حميّد المعروف بحسب ما تردّد بصلاته بمجموعات سلفية مُسلّحة، بتهمة القيام بعمليات إرهابية مُتعدّدة، فدارت اشتباكات بين العناصر المسلّحة المنتمية الى «الجيش السوري الحر» وعناصر الجيش، حصدت المطلوب حميّد أيضاً. على أثر ذلك، طوق الجيش مُحيط البلدة، مُستقدماً تعزيزات عسكرية من أجل مُلاحقة المطلوبين وملقياً القبض على عدد منهم. أما رئيس بلدية عرسال علي الحجيري، فقد دافع عن المطلوبين دون أن ينسى زجّ اسم «حزب الله» في أحداث عرسال تماماً كالشيخ أحمد الأسير، لينفي الحزب لاحقاً أي ضلوع له في الحادث ولتُصدر استخبارات الجيش وثيقة لتوقيف الحُجيري للتحقيق. الى ذلك، دان كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الإعتداء، مؤكّدين على أنّ الجيش خط أحمر، أما رئيس تكتّل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون فقد شدّد أنه من الضروري أن تُعيد الدولة فرض سيادتها. من جهته، أكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي على عدم السكوت عن جريمة ارتُكبت «عن سابق تصميم».
على خط آخر، انضمّ سجال قديم من نوعه، جديد في مضمونه، الى لائحة السجالات اللبنانية المعتادة، هذه المرة بين كل من النائب بطرس حرب والمدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي حاتم ماضي. وقد بدأ السجال عندما اتّهم حرب ماضي بالإتّفاق مع «حزب الله» للتحقيق شكلياً مع محمود الحايك، المتّهم بمحاولة إغتيال حرب، والإفراج عنه في ذات اليوم، ورئيس الجمهورية سليمان بالتدخّل مع القضاء في القضية ذاتها. وفيما استخدم بطرس أسلحة من التهديدات، وجّه ماضي كتاباً الى وزير العدل شكيب قرطباوي طلب فيه إحالة الطلب الذي يتضمّن رفع الحصانة عن حرب بجرم التعرّض لرئيس الجمهورية والقضاء، الى المجلس النيابي. لاحقاً، نقل حرب عن رئيس الجمهورية استغرابه طلب رفع الحصانة، وانقسم السياسيون بين مؤيّد ومندّد كما هي الحال في كل سجال.
وفي السياق ذاته، شهدت الساحة اللبنانية سجالاً آخر على ضوء قانون الزواج المدني. فبعد أن صرّح المفتي قباني سابقاً بتكفير من يحاول قوننته، انتقد الرئيس سعد الحريري موقف المفتي، مؤكداً تأييده للقانون. ولم يكن هذا الموقف المتناقض تماماً مع موقف الشهيد رفيق الحريري بحد ذاته كفيلاً فقط بإثارة استهجان الهيئات الإسلامية ذات التوجهات المختلفة وإنما أيضاً بإثارة بلبلة في الأوساط «المستقبلية» التي ارتبك ممثلوها بين تأييدهم للقانون وعدمه. وقد شهد هذا الأسبوع أيضاً موقفاً للمطارنة الموارنة الذين قاربوا الموضوع بوجهيه الدستوري والديني، مؤكدين، وإن كان بطريقة غير مباشرة، تأييدهم للقانون، إن كان إلزامياً أو اختيارياً، شرط أن يتم تعديل المادة رقم 9 في الدستور، ومُشددين على أنّ «الذين يعقدون زواجاً مدنيّاً، إذا كانوا مؤمنين، فعليهم أن يصحّحوا وضعَهم بعقد زواج ديني، لكي يتمكّنوا من المشاركة في أسرار الكنيسة الأخرى».
في المضمار الإنتخابي، بدت مُبادرة الرئيس سعد الحريري المتعلّقة بقانون الإنتخابات والخالية من أي مضمون جديد بمثابة طريقة من طرقه لجس النبض اللبناني واستشراف الوقت المناسب لعودته الى لبنان. فالمبادرة ببنودها الأربعة والتي تضمّنت فيما تضمّنته إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها على أساس الدوائر الصغرى مما يضمن تمثيلاً لجميع الطوائف، وإنشاء مجلس شيوخ، جاءت في وقت تعدّدت فيه الإقتراحات والمبادرات. وكما حلّت المبادرة الحوارية الجنبلاطية في السابق على العديد من الأحزاب اللبنانية، بدأت كتلة المستقبل النيابية بالترويج لإقتراح الـ37 دائرة وفق النظام الأكثري، المنبثق من المبادرة الحريرية، فحلّت ضيفة على رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع في معراب وعلى النائب وليد جنبلاط في كليمنصو، لتخرج بوعود لدرس الإقتراح. ومن مبادرة الحريري الى اللجنة النيابية المصغّرة التي استأنفت هذا الأسبوع اجتماعاتها بأسلوب إيجابي ليُصار بحث في إقتراح عضو جبهة «النضال الوطني» النائب أكرم شهيّب والمستند على ما بين 64 بالمئة على أساس النظام الأكثري، و36 بالمئة على أساس النظام النسبي، وعلى أساس 13 دائرة وفق الأكثري والنسبي. وعلى الرغم من الإرتفاع في عدد الإقتراحات التي أضاف اليها النائب عاصم قانصوه اقتراحاً يهدف الى جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، يبدو بأنها ستتكاثر حتى يحين موعد الإستحقاق.
أمنياً، قفز موضوع تفجير الحافلة الذي أدى الى مقتل خمس إسرائيليين وشخص بلغاري في مطار بورغاس البلغاري، في تموز الماضي، الى الواجهة من جديد وذلك بعد أن صرّح وزير الداخلية البلغاري تسفيتان تسيفانتو بضلوع عنصرين من الحزب في التفجير. وفي حين نفى «حزب الله» ضلوعه في الحادث على لسان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، الذي شدّد على استهداف اسرائيلي للمقاومة، اعترفت المعارضة البلغارية أنّ حكومة البلاد أصبحت جزءاً من لعبة سياسية. يُجدر بالذكر أن الإتحاد الأوروبي أعلن أنّه سيبدأ البحث بوضع «حزب الله» على قائمة المنظمات الإرهابية بناء على ضغوطات أميركية على ما يبدو، ولكنه لم يأخذ بعين الإعتبار الإتهام البلغاري.
Leave a Reply