مريم شهاب
كل ضيعة بينها وبين الدني – جسر القمر – وطالما فـيها قلب بيشد قلب – مهما تعرّض للخطر – ما بينهدم جسر القمر (سعيد عقل)
فـي المسرحية الرحبانية «جسر القمر» تطلب البنت المسحورة من شيخ المشايخ أن يحررها ويخلصها من سجنها على جسر القمر ويسألها كيف، وتجيبه بالحب!! أجابها «يا حسرتي عالحب ختيرنا، وضاع عهد الحب وكبرنا، بس عندي ابن بعدو شب، تعَي معي بكون ناطرنا». جواب شيخ المشايخ بوادي وطلب البنت الصبية بوادي آخر.
الصبية بالحب تريد إزالة الخلاف بين أهل «القاطع» وأهل القرية، الذين يفصل بينهم جسر القمر، وتسعى لمصالحة الناس فـي ذلك المكان الخلاب، ورفع العتب بين ناس القرية البسطاء ونشر المحبة التي غيبها الغضب والزعل بين أبناء القريتين.
«الزعل غربة» هكذا تصدح فـيروز، صبية جسر القمر. ولكسر تلك الغربة تقول للقرويين هناك كنز مرصود تحت الجسر الذي يربط بين القريتين. ولأن «الضيعة ما بتسوى بلا عيد». العيد يجمع المتخاصمين والزعلانين، ويأتي المهنئون من القاطع الآخر ومن الجهة الأخرى للنهر وتضاء القناديل ويلتقي العشاق على الدروب التي يضيئها القمر، وتظهر البنت المسحورة وتغني للجميع:
نحنا ما عنا حجر – لا مزارع ولا شجر – إنت وأنا يا حبيبي – بيكفـينا ضو القمر
تلتقي الأيدي وهي تحفر تحت الجسر بحثاً عن الكنز، وتتصافى القلوب ويأمر شيخ المشايخ بفتح قنوات المياه لتروي أرض القاطع وتروي القلوب العطشانة للإلفة بينما نور القمر يشرق ليقهر الظلام ويدحر العتم، وتغيب برودة الزعل وتشع حرارة دفء القلوب ويظهر الكنز للجميع.
ربما من يقرأ هذه الكلمات يظن أن الأخوين رحباني وفـيروز، مبدعي مسرحية «جسر القمر» ولشدة ولعهم بالضيعة وبساطتها بنوا فـي تلك المسرحية معالم قرية افتراضية، مهما تعقدت الحياة فـيها وبين أهلها، تكون نهايتها سعيدة. لكن الحقيقة الأزلية وببساطة شديدة، الكنز المفقود فـي هذا العالم هو الحب.
نفتقد اليوم القرية الحلم ولبنان الوطن الحلم الذي زرعه الرحابنة فـي ذاكرتنا. وننسى أن الأفكار الراقية والعظيمة بدأت بحلم. الآن، معظم اللبنانيين بلا حلم أو سُرقت منهم الأحلام. أحلامهم هزيلة وسقيمة، تشبههم أو يشبهونها. تنطبق على اللبنانيين حكاية تيسي الماعز التي تعلمناها ونحن صغار. فقد التقى التيسان فوق جسر ضيق فرفض الأول أن يترك الثاني يمر ورفض الثاني أن يترك الأول يمر، وأخذا يتناطحان ويتدافعان إلى أن هوى كلاهما فـي النهر، وقد كان الحل فـي غاية البساطة أن يمر الأول ثم الثاني، أو العكس أيضاً. لكن الحلول البسيطة لا ترضي التيوس.
لبنان اليوم أشبه بالصبية المسحورة فـي مسرحية الرحابنة «جسر القمر» لن يفك أسره من السحر سوى بمحبة أهله. أن يحب الجنوب الشمال والساحل الجبل والعكس بالعكس. أن يجمع الحب الشيعة والسنة وكذلم الموارنة الأرثوذكس والكاثوليك والدروز. ببساطة أن تعم المحبة بين الجميع. ما من زمن لم يمر اللبنانيون فـيه بمحنة وجودية، ودوماً كانت نجاتهم بالمصالحة وإزالة الخلافات ورفع العتب.
قال أحدهم، علمتني الغربة معنى الوطن. ربما هذا الكلام هو حلم، تماماً مثل حلم الأخوين رحباني فـي مسرحياتهما العديدة. ليأخذ الجميع كل شيء، فقط اتركوا لبنان، والباقي من جماله ودعوا القمر يضيئ فوق تلاله الخضر.
Leave a Reply