واشنطن
بعد نحو ستة أشهر من الانتظار، عقدت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، يوم الأربعاء الماضي، جلسة استماع لمناقشة تثبيت رئيس بلدية ديربورن هايتس، بيل بزي، في منصب سفير الولايات المتحدة لدى تونس، بينما لم تحدد اللجنة –حتى الآن– موعداً للنظر في تعيين رئيس بلدية هامترامك آمر غالب بمنصب السفير الأميركي لدى الكويت.
وكان الرئيس دونالد ترامب قد أعلن في آذار (مارس) الماضي عن تعيين المسؤولَين العربيين الأميركيين مكافأةً لهما على دعم حملته الانتخابية في سباق البيت الأبيض لعام 2024.
وجاءت جلسة الاستماع حول تعيين بزي سلسةً نسبياً أمام لجنة العلاقات الخارجية التي من المقرر أن تصوت في وقت لاحق على إحالة ترشيحه إلى مجلس الشيوخ بكامل أعضائه.
وقال رئيس البلدية الذي مازال يتولى مهامه على رأس حكومة ديربورن هايتس: «تسعى الولايات المتحدة إلى علاقة مثمرة ومفيدة للطرفين مع تونس» مؤكداً أنه سيسعى من خلال منصبه الجديد إلى «تعزيز التعاون والفرص التجارية بين البلدين، والقضاء على التهديدات، وتمتين الاستقرار في المنطقة». وأضاف المسؤول اللبناني الأصل: «أتطلع إلى البناء على أكثر من 200 عام من الصداقة مع تونس لتعزيز مصالحنا المشتركة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، واحتواء الهجرة غير الشرعية، وبناء علاقات اقتصادية وثقافية متينة».
وبمجرد إقرار تعيينه في مجلس الشيوخ، من المتوقع أن يعلن بزي استقالته من رئاسة بلدية ديربورن هايتس لشغل أعلى منصب دبلوماسي أميركي في الدولة العربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط في شمال أفريقيا، والبالغ عدد سكانها نحو 12.3 مليون نسمة.
وكان بزي قد هاجر إلى الولايات المتحدة مع أسرته المتحدرة من مدينة بنت جبيل في جنوب لبنان وهو في سن الثانية عشرة.
وخدم بزي لمدة ٢١ عاماً في سلاح مشاة البحرية الأميركية قبل أن يخوض غمار السياسة المحلية في ديربورن هايتس لأول مرة عام 2017، حين انتخب عضواً في مجلس المدينة.
وفي مطلع العام 2021 تم تعيينه رئيساً للبلدية لإكمال ولاية العمدة الراحل دان باليتكوالذي توفي أواخر عام 2020.
وفي نوفمبر 2021، انتخب سكان ديربورن هايتس، بزي لرئاسة البلدية لولاية كاملة من أربع سنوات، ولكنه لن يقوم بإكمالها، على الأرجح، بسبب تولي منصبه الجديد في السلك الدبلوماسي الأميركي.
وبمجرد استقالته سيقوم مجلس بلدية ديربورن هايتس بتعيين رئيس بلدية مؤقت حتى انتهاء ولاية بزي مطلع عام 2026.
وفي شهادته يوم الأربعاء الماضي، أقر بزي (61 عاماً)بالتحديات التي تواجهها تونس، مشيراً إلى أنه زارها عدة مرات خلال مسيرته المهنية، سواءً كعمدة أو في القطاع الخاص، واصفاً إياها بمجتمع «نابض بالحياة» يتمتع أبناؤه «بإمكانات هائلة».
ورغم تسميته من قبل الرئيس الجمهوري، تم تقديم بزي إلى اللجنة من قِبل السناتور الديمقراطي عن ميشيغن غاري بيترز، الذي أقرّ له بأنه «في وضع جيد» لتمثيل الولايات المتحدة في تونس، مشيراً إلى تاريخه في خدمة المجتمع كرئيس بلدية إلى جانب فترة خدمته في سلاح مشاة البحرية.
وقال بيترز: «طوال تلك الفترة، كان يتواصل بانتظام مع الدبلوماسيين وقادة الدول للتعاون في توزيع المساعدات الإنسانية، والتدريب على الدفاع، وإعادة بناء البنية التحتية الحيوية»، لافتاً إلى أن هذه الخبرات ستفيده كثيراً في منصبه الجديد، في حال تأكيده.
وأشاد بيترز بقيادة بزي «الثابتة» لديربورن هايتس، كأول رئيس بلدية مسلم في تاريخ المدينة، معتبراً ذلك دليلاً على استعداداً للمساهمة في خدمة مجتمعه.
وقال السناتور الذي يعتزم التقاعد مع نهاية ولايته الحالية مطلع عام 2027: «مع أننا قد لا نتفق على كل قضية، إلا أنني واثق تماماً من أنه سيتولى هذا المنصب الجديد بنفس مستوى الالتزام والنزاهة الذي تحلى به في كل مهمة كُلّف بها».
من جانبه، ذكّر السناتور الجمهوري عن ولاية أيداهو جيمس ريش، الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس، بزي بأنه سيشهد في تونس «تحديات تنامي الديمقراطية الهشة»، وأنه سيكون مسؤولاً عن تمثيل صوت الولايات المتحدة وقيَمها في العاصمة تونس.
وأكد السناتور ريش أن تونس تلعب دوراً متزايد الأهمية في مكافحة الإرهاب، ومراقبة الهجرة، والملاحة التجارية الدولية، مبلغاً بزي يأن الولايات المتحدة بحاجة إلى «تعزيز الاستقرار في المنطقة، وحماية المصالح الأميركية».
وسأل ريش، بزي عن وضع تونس من الناحيتين السياسية والجيوسياسية، متسائلاً عن اختلافها عن جيرانها، مثل الجزائر والمغرب، وعن المظاهرات الأخيرة ضد الحكومة. فأجاب بزي بأنه سيكون «متواجداً على الأرض للتحدث إلى مختلف المسؤولين الحكوميين، وكذلك الشعب التونسي، لأرى ما هي قضاياهم الرئيسية، وأتعرف على بعض مخاوفهم، وأعمل مع نظرائنا الحكوميين في تونس لنرى ما يمكننا فعله للعمل معاً».
بدورها، حذّرت كبيرة الأعضاء الديمقراطيين في اللجنة، السناتور عن ولاية نيوهامبشير جين شاهين، بزي من تنامي نفوذ الصين المطرد في تونس. كما أعرب ديمقراطيون آخرون في اللجنة عن مخاوفهم من تنامي التطرف في تونس وتأثيره على الشباب الذين ينضمون إلى جماعات إرهابية مثل «داعش».
وطلبت شاهين مساعدة بزي في استدامة تمويل برامج وزارة الخارجية، مثل مبادرة الشراكة الشرق أوسطية MEPI، التي أتاحت لبزي السفر إلى تونس عام ٢٠١٩ ولقاء مسؤولين منتخبين ومواطنين، وزيارة دار أيتام ومدارس وجامعات.
وقالت شاهين: «أعتقد أن هذا البرنامج بالغ الأهمية لضمان تشجيع الناس على التفكير في أهمية ما يحدث في دول أخرى بالنسبة للولايات المتحدة، وأشعر بخيبة أمل لأنه من بين البرامج التي ستُلغى».
وأضافت: «آمل أن تدافعوا عن استمرار هذا التمويل».
وجاءت أصعب أسئلة لبزي من السناتور كريس مورفي، وهو ديمقراطي من ولاية كونيتيكت، الذي زعم أن الرئيس التونسي قيس سعيد أصدر أمراً باعتقال أحد الناخبين في ولايته، بتهمة الإرهاب بعد أن أرسل تقريراً عن انتهاكات حقوق الإنسان في تونس إلى وزارة الخارجية الأميركية.
وسأل مورفي عن جدية بزي في مناهضة استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، وخاصةً المواطنين الأميركيين داخل تونس وخارجها. فأجاب بزي بأن إحدى مهامه كسفير ستكون حماية المواطنين الأميركيين في تونس.
وقال: «سواء كانوا زائرين أو عاملين أو مقيمين في الخارج، وإذا كانت هناك أي مشاكل أو مخاوف بشأن أي من الأميركيين المعتقلين أو المحتجزين، لأي تهمة، فسأتشاور مع إدارتنا، وكذلك مع نظرائنا الحكوميين في تونس».
فردّ مورفي بأنه كان يأمل بـ«التزام أوسع» من بزي، قائلاً: «أتفهم أن مسؤوليتك الأولى هي حماية الأميركيين وسلامتهم. لكنني أعتقد أيضاً أنه من المهم لك أن تتحدث باسم حقوق التونسيين، وكذلك الأميركيين التونسيين، عندما يتعلق الأمر بانتقاد الحكومة».
وبينما ينتظر بزي تصويت لجنة العلاقات الخارجية على إحالة ترشيحه إلى مجلس الشيوخ مجتمِعاً، لايزال رئيس بلدية هامترامك آمر غالب ينتظر تحديد موعد لجلسة الاستماع أمام اللجنة.
Leave a Reply