لقد حظي الجمال باهتمام الإنسان منذ القدم، وقدّسته الحضارات البشرية المتعاقبة منذ آلاف السنين، على أن الحضارة لا يمثلها الشرق أو الغرب، بل يمثلها الإنسان القادر على تذوق الجمال كما عبر عن ذلك، الفيلسوف العربي الليبي الصادق النيهوم (1937– 1994).
أمام الجمال تشتعل الأحاسيس الروحية والوجدانية إلى درجة استهلال الدموع إزاء تجلياته العميقة. تقول الروائية العربية أحلام مستغانمي: «إذا صادف الإنسان شيئاً جميلاً مفرطاً في الجمال، رغب في البكاء»، فيما «لا شيء أجمل من ابتسامة تكافح للظهور مابين الدموع» بحسب الممثلة الأميركية ديمي لوفاتو.
والجمال ليس منظراً خارجياً وحسب، إذ يقول سقراط من زمن الإغريق بأن «الجمال بلا فضيلة زهرة بلا عبير»، فيما يقول الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين: «جمال بلا حياء وردة بلا عطر»، وحين تعمق الشاعر الفيلسوف نيتشه في رؤية الجمال قال: «إن أسمى أنواع الجمال ليس ذلك الذي يفتننا على الفور، بل الذي يتسلل إلينا ببطء نحمله معنا ونحن لا نكاد نشعر به».
إن مادعاني إلى تدوين هذه المقدمة، هو الخلل والعطب في مفاهيم الجمال الملتوية التي تنتشر بين أبناء وبنات جيل اليوم، فأي جمال يمكن أن يسر البصر إزاء تشويه الشعر بصبغة خضراء، والبشرة بالوشوم (التاتو) وأقراط اللسان والأنف؟
ربما هي ضغوط العصر على الشباب، حيث يأخذ الوهم، الأغلبية فينساقون بالموضة، وعادة ما يكتشفون الوهم متأخرين فتراهم يبحثون عن خبراء ومختصين لإزالة الأوشام والتشويهات عن أجسامهم! أ
أي جمال يمكن أن يبهر النظر إزاء ألوان وتسريحات الشعر الغرائبية السائدة كأن تكون على شكل عش اللقلق أو الأحفورات المتعرجة أو أخاديد من مقدمة الرأس إلى مؤخرته؟ في حين أن جمالية الشعر أبسط من ذلك بكثير.
أما البنات فقد رحن ضحية الوهم والصور الخادعة، حين انجررن إلى إجراء عمليات تشويه الوجه لا تجميله، بحيث تبدو وجوههن كوجوه الدمى، خالية من أية جاذبية ومرايا داخلية تفصح عن البريق الكامن وراء تقاطيع الوجه الاصطناعية.
رفقاً بالجمال الطبيعي أيتها الشابات وأيها الشبان، فما أحوجنا اليوم إلى جمعيات للرفق بالجمال على غرار جمعيات الرفق بالحيوان؟
Leave a Reply