وصول بايدن إلى البيت الأبيض.. هل يعزّز المبادرة الفرنسية؟
كمال ذبيان – «صدى الوطن»
تخطّى الرئيس المكلّف سعد الحريري، المهلة التي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لتشكيل حكومة جديدة في لبنان، ضمن المبادرة التي أطلقتها باريس لانتشال بلاد الأرز من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دون أن يحصل أي تحرك إيجابي على مسار ولادة الحكومة العتيدة، رغم زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، لبيروت، وحثّه القوى السياسية على السير قدماً بخارطة الطريق التي وضعها سيد الإليزيه تمهيداً لتحقيق الإصلاحات المطلوبة لإنقاذ لبنان.
الجمود الحكومي
مضى شهر تقريباً على تكليف الحريري الذي سمّى نفسه لرئاسة الحكومة، كمرشح طبيعي لها، نظراً لترؤسه أكبر كتلة نيابية سنّيّة في البرلمان، وفق قاعدة «الأقوى في طائفته» كما هو الحال مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأقوى مارونياً، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي الأقوى شيعياً من خلال تحالفه مع «حزب الله».
كذلك استند سعد الحريري في ترشيحه إلى إرث والده رفيق الحريري، الذي شكّل معظم حكومات ما بعد الطائف حتى اغتياله عام 2005، باستثناء حكومتين ترأسهما سليم الحص وعمر كرامي. وكأنه يقول «أنا الأصيل في السراي، ولن أقبل بديلاً عني»، مثلما حصل في مراحل سابقة بتولي نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام لرئاسة الحكومة أو كما حصل مؤخراً بتسمية السفير مصطفى أديب لتولي المنصب، والذي استقال بعد أسبوعين فقط من تكليفه عقب فشله في طرح تشكيلته الوزارية.
وبعدما تقدّم الحريري لاستعادة رئاسة مجلس الوزراء، مدعوماً من «الثنائي الشيعي» مقابل منح وزارة المال للطائفة الشيعية وفق قاعدة «التوقيع الثالث»، سرعان ما عادت الأمور إلى المربع الأول مع إصرار زعيم تيار «المستقبل» على تأليف الحكومة بنفسه، وأن تكون خالية من الأحزاب والسياسيين، ومكوّنة من مستقلين وأصحاب اختصاص.
لكن مواصفات الحريري هذه، تمت قراءتها من قبل «حزب الله» و«حركة أمل» بأنها انقلاب على الوعود التي قطعت للثنائي الذي يريد أن تكون لهما الكلمة الفصل في اختيار الوزراء الشيعة.
كذلك قدّم لرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الوعد نفسه، مع أن تكون له حقيبة وازنة، كالصحة أو التربية، لكن عندما بدأ البحث حول الحقائب المسيحية امتنع الحريري عن التشاور مع رئيس «تكتل لبنان القوي» جبران باسيل، وحصر المفاوضات مع رئيس الجمهورية، الذي حثّه –في المقابل– على التواصل مع باسيل، لأنه لا يجوز أن تتشكّل حكومة من دون الأخذ برأي المكوّن المسيحي الأكبر في البرلمان، وهو «التيار الوطني الحر». إلا أن الحريري أصرّ على عدم التواصل مع باسيل، من منطلق رفض عودة هيمنته على الحكومة، فجوبه برد من رئيس «التيار الوطني الحر»، بأنه لا يطلب حقائب له، ولكنه يطالب باعتماد معيار واحد، فتوقفت عملية تشكيل الحكومة وسط تعقيدات أخرى، من بينها المداورة في الحقائب السيادية، مما خلق حالة جمود غير محمودة على مسار التأليف، دعت الموفد الفرنسي إلى محاولة إعادة وصل ما انقطع بين الحريري وباسيل، عبر تأمين اتصال هاتفي بينهما. لكن الاتصال لم يتعدَّ الدقيقة الواحدة، واقتصر على السلام فقط، لتبقى ولادة الحكومة متعثرة.
الدور الأميركي
وسط التعقيدات الداخلية التي تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة، من خلال الشروط والشروط المضادة للأطراف السياسية المختلفة، والتي لم تهزّها الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان رغم الانهيار المستمر لسعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، لا يمكن تجاهل الأبعاد الخارجية لتعثر ولادة حكومة الحريري.
فمبادرة ماكرون بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) الماضي، قوبلت ببرود سعودي ورفض أميركي، حيث يرى المراقبون أن واشنطن دخلت على خط الأزمة اللبنانية، ليس لحلّها، بل لتعقيدها، وذلك من خلال موقف إدارة دونالد ترامب الرافض لأية حكومة في لبنان يشارك فيها «حزب الله».
وقد زار وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو باريس، ليبلّغ الرئيس ماكرون، بأن مبادرته ستسقط، إذا ما استمرّ في تواصله مع «حزب الله» المصنّف من قبل واشنطن وبعض دول الخليج كمنظمة «إرهابية» بجناحيه العسكري والسياسي، محذراً من أن إعطاء الشرعية للحزب، من خلال لقاء ممثلين عنه، هو موقف يتعارض مع السياسة الأميركية في المنطقة، التي تواجه إيران ونفوذها في الشرق الأوسط، باعتبار أن «حزب الله» يمثّل أحد أبرز أذرعها في الشرق الأوسط.
ويسعى الأميركيون ومن يدور في فلكهم إلى تحميل الحزب مسؤولية الانهيار والفوضى في لبنان، واتهامه بالتورط بالفساد وتقويض مقومات الدولة اللبنانية ومؤسساتها. وقد باشرت واشنطن خلال الفترة الماضية بتشديد الخناق على «حزب الله» من خلال فرض عقوبات على حلفاء مقربين له، وفق قانون «ماغنتسكي»، من ضمنهم الوزير جبران باسيل (التيار الوطني الحر)، والوزيران السابقان علي حسن خليل (حركة أمل) ويوسف فنيانوس (تيار المردة)، وقد تتوسع قائمة العقوبات لتشمل شخصيات أخرى.
وقد وفرت هذه العقوبات، غطاء أميركياً للحريري للمضي قدماً بتشكيل حكومة من دون أحزاب، فامتنع الأخير عن اللقاء بممثلي الكتل كما التزم الصمت، وقلّل من زياراته التشاورية إلى قصر بعبدا، للتباحث مع الرئيس عون حول الأسماء والحقائب، بتشجيع من مستشاريه الذي حثوه على التشدد في مواقفه وعدم التنازل عن المواصفات التي وضعها لشكل الحكومة.
ويقول المقربون من الحريري إن الموقف المتصلب الذي يبديه حيال التأليف، يهدف إلى استعادة ثقة الشارع السني، تحت شعار المحافظة على حقوق الطائفة، من خلال التمسك يصلاحيات رئيس الحكومة باختيار الوزراء، وذلك بعد أن تزعزعت تلك الثقة به نتيجة «التسوية الرئاسية» التي عقدها مع باسيل، والتي يقول المقربون من الحريري إنها أصبحت وراءه، وإنه بدأ صفحة جديدة في العمل السياسي، بإعادة تنظيم بيته الداخلي في «تيار المستقبل».
الحكومة متأخرة
بعد دخول واشنطن على خط تشكيل الحكومة، وعدم تسهيل المبادرة الفرنسية، لا شك أن ولادة الحكومة ستتأخّر أقله إلى ما بعد خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض، وعودة الديمقراطي جو بايدن إليه رئيساً هذه المرة، بعد أن كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما، حيث يتوقع بعض الخبراء أن يُحدث التغيير المرتقب تحولات في السياسة الأميركية في المنطقة، تشمل بالاتفاق النووي مع إيران والصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، مروراً بالملف اللبناني والسوري وغيرهما.
وبانتظار جلاء الصورة حول كيفية تعاطي إدارة بايدن المقبلة مع هذه الملفات، سيترتب على اللبنانيين مزيد من الانتظار، بسبب الأبعاد الإقليمية والدولية لأزمتهم، وهو ما سيزيد الوضع الداخلي تعقيداً في ظل تفاقم الأحوال الاقتصادية والمعيشية المتردية، وسط نذر برفع الدعم الحكومي عن المواد الأساسية كالمحروقات والطحين والدواء، وذلك بعد وصول الاحتياط المالي لدى المصرف المركزي إلى حافة الصفر، مما قد يؤدي إلى اندلاع اضطرابات أمنية واجتماعية فضلاً عن انفلات سعر صرف الليرة أمام الدولار والعملات الأجنبية، حيث قد يجد اللبنانيون أنفسهم في خانة الشعوب الأكثر فقراً في العالم، مع إفلاس الخزينة وارتفاع نسبة الدين العام.
غير أن وصول بايدن المرتقب إلى السلطة، بحسب المراقبين، سيمنح المبادرة الفرنسية دفعاً جديداً قد يتيح للحريري تشكيل حكومته العتيدة من نفس الطبقة السياسية الحاكمة، وإن كانت ستتألف من اختصاصيين. وقد حصلت تجارب سابقة، باعتماد وزراء أصحاب اختصاص، لكنهم لم ينجحوا في تحقيق ما هو مطلوب منهم، بعدما حاصرتهم الأحزاب بمطالبها الفئوية وفق مبدأ المحاصصة داخل المؤسسات.
ومن غير المستبعد أن تسير فرنسا في هذا الإطار ما لا تقبل به الدول، مع مراعاة بعض الشروط لاسيما وأن باريس تتدخل في أسماء الوزراء، وتحديداً في أربع حقائب وهي: الطاقة والاتصالات والعدل والمال، وهي وزارات تعتبر قاعدة الانطلاق نحو الإصلاحات.
عام مظلم
يقترب العام 2020 من نهايته، ولبنان يتخبّط بأزماته، فيما يستمر السياسيون في دفعه إلى مزيد من الانهيار والفقر والجوع، وسط تخلخل النظام السياسي، ومعه المصرفي والقضائي ومؤسسات الدولة المتهالكة.
في الواقع، يبدو الإصلاح في لبنان، شبه مستحيل. وهذا ما ظهر جلياً، خاصة مع رفض بعض القوى السياسية لإجراء تدقيق مالي جنائي لحسابات الدولة ومصرف لبنان المركزي، رغم ضغوط رئيس الجمهورية. وهو ما دفع شركة «ألفاريز ومارسال» إلى التخلي عن مهمة التدقيق التي تعاقدت من أجلها مع وزارة المال، بسبب عدم السماح لها بالكشف عن الحسابات بذريعة السرية المصرفية.
فلبنان لم يعتمد موازنة عامة منذ العام 2005 حتى 2017، كما لا تتوفر لديه سجلات حول كيفية صرف المال العام. ولعل أكبر دليل على ذلك فشل مجلس النواب في معرفة وجهة صرف نحو 11 مليار دولار، تلقاها لبنان كمساعدات أو قروض بعد عدوان تموز 2006، فضلاً عن تقاعس هيئات الرقابة عن القيام بدورها، لأنها موزعة على الطوائف وزعمائها الذين يتولون تعيين مسؤولي تلك الهيئات في ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي، وكذلك القضاء الذي تقع عليه مسؤولية كبرى في معاقبة الفاسدين، ولكنه يقف عاجزاً عن محاسبة مسؤول واحد.
وما أقدم عليه مجلس النواب بإصدار توصية للاستمرار في التدقيق، بعد قرار «ألفاريز ومارسال» بالمغادرة، ليس إلا محاولة لذرّ الرماد في العيون، و«خطوة مكشوفة» لم تحصل على ثقة اللبنانيين الذين يشهدون انهيار دولتهم، المهددة بالزوال.
Leave a Reply