تسوية سياسية تُنقذ لبنان من العتمة الشاملة
مرة جديدة تسري نظرية التسوية السياسية على ملف حيوي بالنسبة للشعب اللبناني. مرّ ملف الكهرباء بـ”شق النفس” بين بواخر وزير الطاقة جبران باسيل المدعوم من الوزير محمد الصفدي ومعامل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
ورست التسوية على استئجار البواخر لتأمين الطاقة بحوالي 270 ميغاوات لفترة أقصاها ثلاث سنوات، وعلى الإسراع في تنفيذ معامل 1500 ميغاوات بإشراك القطاع الخاص.
ومع ذلك، فلن ترسو البواخر في المياه اللبنانية قبل أيلول المقبل، وبالتالي سيستمر التقنين ويصل لحدود العشر ساعات يوميا.
وحاول ميقاتي تقديم التسوية على انها انجاز له وإن كان اعترف بأن “لا غالب ولا مغلوب” من خلال الإعلان أنه نجح في خفض مدة استئجار البواخر من خمس سنوات الى ثلاث والكمية من 360 ميغاواط الى 270، وبالتالي خفض كلفة العقود، في حين ستترافق هذه الخطوة مع تشييد معامل جديدة وتفعيل مؤسسة كهرباء لبنان وتعيين مجلس ادارة لها.
بدوره، وزير الطاقة اعتبر أن “هناك من افتعل معركة وهمية لا أصل لها”، مشيراً الى ان ما حصل في جلسة الحكومة هو “إعادة تصويب مسار النقاش على أساس أن استئجار البواخر هو ممر إلزامي لا يتعارض مع بناء معامل جديدة كما يطرح الرئيس ميقاتي”.
وفي ما خصّ تمسك ميقاتي بالتفاوض مع الشركات على سعر أفضل، اعتبر باسيل أن التفاوض لم ينته أصلاً، ونحن كنا في طور استكمال البحث مع الشركتين الأميركية والتركية حول العقد والشروط المالية، قبل ان يستجد موقف رئيس الحكومة الذي خلط الأوراق.
وأوضح باسيل انه يمكن استحضار الباخرتين اللتين نحتاج إليهما خلال شهر آب المقبل، إذا صفت النوايات ولم يتصرف أحد على أساس ان ذلك يشكل خسارة له، مشيراً الى أنه يحتاج الى أسبوعين كحد أقصى لاستكمال التفاوض مع الشركتين الأميركية والتركية حول التفاصيل العالقة.
وخلال النقاش الكهربائي، أشار وزير المال محمد الصفدي، حليف ميقاتي وخصمه في هذا الملف، الى أنه سبق لمجلس الوزراء أن اتخذ قراراً يقضي بتأهيل معملي الجية والذوق “وهذا يعني أن المباشرة بالتأهيل ستؤدي حكماً الى خفض في إنتاج الطاقة، مما يوجب علينا تأمين بديل عن طريق البواخر، حيث كلفة الإنتاج أرخص من المعامل بـ15 بالمئة ولمدة ثلاث سنوات”.
وسبق التوصل الى التسوية عاصفة سياسية كادت تطيح بالحكومة، بعد تمسك كل من باسيل وميقاتي بمواقفهما المتناقضين، في ظل نأي الرئيس نبيه بري بنفسه عن المساهمة في معالجة المشكلات الحكومية؛ في رسالة امتعاض واضحة من اداء ميقاتي، على خلفية عدد من الملفات؛ في طليعتها تعيين هيئة ادارة قطاع النفط.
وكان لافتا انضمام الوزير الصفدي المحسوب من حصة ميقاتي الى الوزير باسيل في دعم مشروع شراء البواخر، حيث أيد الصفدي في تقريره، بصفته وزيرا للمالية، استئجار، على ان تحصر مدة الاستئجار بثلاث سنوات، ريثما يتم إنشاء معامل الإنتاج بطاقة 700 ميغاوات، مقترحا أن يكون استئجار البواخر محصوراً فقط بتوفير كمية من الطاقة تعادل الطاقة التي ستنقص نتيجة توقف الوحدات الإنتاجية في مصنعي الذوق والجية لإعادة تأهيلها.
واعتبر التقرير ان استئجار البواخر لن يزيد الأعباء المالية على الميزانية المعتمدة لكهرباء لبنان، باعتباره يأتي بديلاً عن توقيف معملي الذوق والجية لإجراء الصيانة، بل ذهب التقرير إلى القول إن كلفة إنتاج البواخر ستكون أقل من كلفة إنتاج هذين المعملين بنسبة 15 بالمئة كحد أدنى.
من جهته، مارس الرئيس ميشال سليمان دوراً وسطياً محاولا تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف، ولعب دورا ملحوظا في تطرية الأجواء قبل الجلسة الأخيرة للحكومة.
جنبلاط يعلن الهزيمة
في سياق آخر، رسم النائب وليد جنبلاط حدود موقعه الإقليمي بعدما ذهب بعيدا أيضا هذه المرة في استدارته باتجاه معاداة النظام السوري، فأعلن القطيعة التامة معه “مهما كانت الأكلاف، وسواء بقي النظام أم لم يبق”، معتبراً أن “لحظة التخلي الحقيقية” والتي لن تتكرر تتمثل في عودته الى استئناف التواصل مع النظام والرئيس بشار الأسد بعد سنوات القطيعة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وبدا لافتا اعتراف جنبلاط بأنه يعلم أنه “يخسر سياسيا”، لكن موقفه أقرب الى إعلان الهزيمة بفعل تراجع الموجة الضاغطة على سوريا، وعدم قدرة المعارضة على تحقيق انتصارات تُذكر.
ومع ذلك، لم يقطع جنبلاط كل خطوط التواصل، فأكد تواصله المستمر مع “حزب الله” من خلال مسؤول لجنة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، مؤيدا بقاء سلاح المقاومة “الى أن تأتي تسوية سياسية تضع هذا السلاح في عهدة الدولة، اذا ما قدر لنا ان ننشئ دولة، وبالتالي لا يجوز أن نجعل من هذا الأمر مبعث توتر دائم”.
ورداً على سؤال حول إمكانية عقد لقاء بينه وبين سعد الحريري، أجاب جنبلاط “لمثل هكذا لقاء ثمنه السياسي، وأنا لست مستعداً لدفعه، وبالتالي أنا راض بواقعي الحالي وباق في الحكومة على علاتها”.
Leave a Reply