راهن على المشروع الاميركي ففشل واحداث 7 ايار غيّرت سلوكه
بيروت – قبل خمس سنوات افترق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس “تيار التوحيد” وئام وهاب، وذهب كل منهما في اتجاه سياسي، بعد ان كانت تجمعهما مع القوى الوطنية والتقدمية، ثوابت سياسية اساسية كدعم المقاومة والعلاقة المميزة مع سوريا، وموقع الدروز الوطني المواجه للمشاريع الاميركية والمخططات الاسرائيلية.
وقع الخلاف السياسي على التمديد للرئيس اميل لحود، في صيف 2004، وكان جنبلاط اعلن تأييده لبقاء رئيس الجمهورية في منصبه، لاسباب استراتيجية تتعلق في الصراع مع اسرائيل، والموقف الوطني الذي وقفه الرئيس لحود مع المقاومة، وكانت موضع تقدير وثناء من رئيس “اللقاء الديمقراطي”، الذي كان يصفه بالرجل الوطني اللاطائفي وابن بيت جميل لحود الذي كانت تربطه علاقات سياسية مع المرحوم كمال جنبلاط، الذي رشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية، واقترحه وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية، وكانت ممارسته اقرب الى القوى اليسارية والحركات النقابية.
فمع تبدل موقف جنبلاط من قبوله التمديد للحود ورفضه له، بدأ التباعد مع سوريا التي رأت مصلحة لبنانية وقومية في ان يبقى في قصر بعبدا، لان ثمة مؤامرة على المقاومة وسلاحها، ولا بد من ضمانة على رأس الهرم في الدولة اللبنانية، لا يفرط بالمقاومة، اضافة الى ان الاحتلال الاميركي للعراق، شجع بعض الاطراف اللبنانية للانخراط في المشروع الاميركي للمنطقة، الذي اعلنه الرئيس جورج بوش ويقوم على تعميم الديمقراطية من خلال بناء “شرق اوسط جديد” وقد ظن هؤلاء ومنهم جنبلاط نفسه ان رياح التغيير قادمة الى العالم العربي، وستطال النظام في سوريا، الذي رأى جنبلاط انها فرصة للانتقام منه، والاستفادة من التحولات الدولية، وقد رفع شعاراً “لم نعد وحدنا في العالم وما علينا الا الصمود”.
هذا التحول في موقف “زعيم المختارة” اوقع الخلاف بينه وبين حلفائه القدامى في حركة “امل” و”حزب الله” و”الاحزاب الوطنية”، وكذلك مع سوريا، وانتقل الى ضفة سياسية اخرى، فتحالف مع “لقاء قرنة شهوان” بعد مصالحته مع البطريرك صفير، الذي اصدر بياناً شهيراً في ايلول2000، يطالب بانسحاب القوات السورية، ولم يكن مضى سوى اربعة اشهر على اندحار قوات الاحتلال الاسرائيلي من الجنوب، فلاقى جنبلاط بيان المطارنة الموارنة، والقى خطاباً قوياً في مجلس النواب ضد سوريا، ووجه انتقادات لها، لا سيما ضد الرئيس السوري بشار الاسد، الذي خلف والده في الرئاسة، حيث اصطف جنبلاط الى جانب نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الذي سحب منه ملف الوضع اللبناني، كما استبعد العماد حكمت شهابي من رئاسة الاركان، والذي كان صديقاً لجنبلاط ويؤمن له الغطاء السياسي، وقد حاول من خلال تحالفه مع الثلاثي خدام – الشهابي – غازي كنعان، ان يدخل على تناقضات سوريا الداخلية، ومدّ يده الى بعض الاطراف المعارضة السورية.
وفي ظل هذه الاجواء التي وضع جنبلاط نفسه فيها، بدأت تظهر علامات عدم الثقة بينه وبين القيادة السورية الجديدة برئاسة بشار الاسد، ونظر اليها على انها ستكون اقرب الى اطراف اخرى في الساحة اللبنانية منه ومن حلفائه الذين كانوا على علاقة مع الثالوث السوري، كما شعر ان القوى السياسية الدرزية التي كانت مهمشة ستأخذ دورها، وستكون شريكة في السلطة، ولن يبقى القرار الدرزي آحادياً او محتكراً من طرف واحد تأمن له كل الدعم في قوانين الانتخاب الى صندوق المهجرين والوصول الى الوزارات والحصول على الوظائف لمحازبيه وانصاره.
وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، عندما تشكلت اول حكومة بعد التمديد، وترأسها الرئيس عمر كرامي بعد اعتذار الرئيس رفيق الحريري بضغط من جنبلاط كي لا يغطى العهد الممدد له، وقد ضمت هذه الحكومة في صفوفها وئام وهاب وهو اول وزير درزي من خارج الاصطفاف التقليدي، ومن دون ان يسميه احد من الزعامتين الدرزيتين الجنبلاطية والارسلانية، مما خلق نقزة لديهما، وكانت لدى جنبلاط اكبر من ان شخصاً يكسر الاحتكار السياسي، ويدخل الى نادي العمل السياسي من باب الوزارة، وان هذا الموضوع سوف يؤسس لحالة تعددية داخل الطائفة الدرزية، وهو ما حصل فعلاً اذ بعد استقالة حكومة عمر كرامي اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ذهب وهاب الى تأسيس تيار سياسي اطلق عليه اسم “تيار التوحيد اللبناني”، وجاء الاعلان عنه في ظرف سياسي وامني معقد، وتطورات داخلية صعبة، وضغط التحقيق الدولي بجريمة مقتل الحريري وما رافقها من تسريبات اعلامية، وتحضير شهود زور، تسببوا باحتجاز الضباط الاربعة: جميل السيد، على الحاج، ريمون عازار ومصطفى حمدان، حيث القى اعتقالهم نوعاً من “الارهاب السياسي” على المعارضة، التي تصدت لهذه الحملة، وكان وهاب رأس الحربة فيها، وخاض معركة سياسية واعلامية، وضعته من ضمن المعادلة السياسية، وساعدته على انطلاق “تياره السياسي الجديد”، فاستقطب بمواقفه الجريئة وشفافيتة المواطنين، وبدأ التدفق الشعبي نحوه، وفتحت له المنابر الاعلامية واللقاءات الشعبية فمثل حالة سياسية وشعبية، كانت محط انظار اللبنانيين، واستوقفت الكثير من الدول العربية والاجنبية، امام اندفاعة وهاب الذي لم يوفر احداً في تصاريحه ومقابلاته، فتجرأ على زعامات لبنانية متخطياً الخط الاحمر، وكذلك زعماء عرب من ملوك وامراء، معرياً انظمتهم، وكان ابرز مواقفه تعريته للتحقيق الدولي في اغتيال الحريري، وعدم اهتمامه للمحكمة الدولية لانه يجري تسييسها.
شكلت مرحلة الاربع سنوات صراعاً بين نهجين ومشروعين، كان جنبلاط في المشروع الاميركي ولم يخف موقعه، لا بل جاهر انه راهن عليه بعد ان كان مع بداية الحرب على العراق ضده ومتخوفاً منه، ومن انه مدخل الى تفتيت المنطقة، فاذا به بعد صدور القرار 1559، الذي عارضه لكنه عملياً كان يظهر في مواقفه انه يعمل لتنفيذه بالمطالبة بخروج القوات السورية، ووضع سلاح المقاومة بعهدة الجيش وحصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة، ورفض تحويل لبنان الى هانوي، في حين كان وهاب مع المقاومة وفي صفوف المعارضة يرفض المشروع الاميركي، ويدعو جنبلاط الى التخلي عنه، لانه ليس موقعه فيه، وان لا يراهن على نجاحه بتغيير النظام السوري الذي طلب من واشنطن ان تنفذ رغبته فكان جواب وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كونداليزا رايس، ان المطلوب تغيير سلوك النظام، وبدأ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يعلن سقوط مشروعه لا سيما بعد انتصار المقاومة في صد العدوان الاسرائيلي صيف 2006، ولم يعد امامه الا ان يبدأ بتغيير سلوكه هو، ولكن ارتباطاته العربية في المحور السوري– المصري، وعلاقاته مع الادارة الاميركية السابقة، كانت تؤخر انقلابه على موقعه، وكان قلقاً من التحولات التي تحصل على الصعيدين العربي والدولي، وان لا تكون لصالحه، بعد ان اعترف بسقوط مشروعه وفشله، وقد زادت قناعته بالخسارة، بعد احداث 7 ايار، التي كان هو رأس الحربة في الضغط داخل حكومة فؤاد السنيورة لاتخاذ القرار بإزالة شبكة اتصالات المقاومة، التي كان ردها سريعاً، والذي لم يكن جنبلاط يتوقعه بالرغم من تحذير مخابرات الجيش من ان مثل هذا القرار، قد يأخذ البلاد الى مواجهة عسكرية وفتنة داخلية، التي رأها جنبلاط تصل الى عمق الجبل، فشعر بالخطر، وقرر الانعطاف، بعد ان كانت المعارضة لا سيما الدرزية منها، تنصحه بعدم الذهاب بعيداً في العداء مع المقاومة والتحريض عليها، واعتبار سلاحها انه سلاح الغدر، وتوجيه اتهامت ضدها، وكذلك نحو سوريا التي كانت سنده في حرب الجبل، وضمنت بقاء الدروز فيه بمواجهة القوى الانعزالية المتحالفة مع اسرائيل.
وكان وهاب اول الناصحين لجنبلاط، ان يغير سلوكه لانه لا يستطيع ان يأخذ طائفة الموحدين الدروز الى غير موقعها الطبيعي والتاريخي، وان تفك ارتباطها بالقضايا الوطنية والقومية وفي طليعتها قضية فلسطين والوقوف الى جانب المقاومة، واعتبار سوريا العمق القومي للدروز وملجأهم في كل المراحل المصيرية، التي عاد جنبلاط واعترف لها بهذا الموقع ودورها في مساندة والده في احداث 1958 ودعمه في حرب الجبل 1982.
وفي العام الأخير، بدأ جنبلاط التموضع سياسياً في غير موقعه مع قوى 14 آذار، اذ هاجم شعار “لبنان اولا” واعتبره تحييداً له عن الصراع مع اسرائيل، وفك ارتباطه بالقضايا العربية، وعاد ليستعيد خطاب الحركة الوطنية اللبنانية، ويدعو الى تذكر فلسطين، وتحولت لغته من “ثورة الارز” الى دعم “الثورة الفلسطينية” التي كان كمال جنبلاط اول المؤيدين لها وانشأ جبهة مساندة لها، ووقف الى جانبها عندما تعرضت الى التصفية، وقد كانت لمواقف وليد جنبلاط الاخيرة، تجاوباً من قبل القوى الوطنية والاسلامية، وبدأت تتعاطى معه ايجاباً، وكثر الحديث من قبله عن اخطأ ارتكبها وساء باللهجة التي توجه بها نحو الرئيس بشار الاسد، كما أعلن انه ارتكب خطيئة في صدور القرار عن الحكومة ضد شبكة اتصالات المقاومة.
هذه المواقف الايجابية بعد احداث 7 ايار من العام الماضي، ترجمت بلقاءات مع قيادات “حزب الله”، والتي توجت بلقاء جنبلاط مع الامين العام السيد حسن نصر الله؟، فمثل بداية الانفتاح، وفتح الطريق لاخرين من المعارضة ان ينطلقوا باتجاه جنبلاط لاستيعابه واستعادته الى موقعه الطبيعي، لاسيما بعد ان بدأ جنبلاط يتلمس خطورة اندلاع فتنة سنية–شيعية، وتخوف ايضاً على موقع ووضع الدروز اذا ما اندلعت هذه الفتنة، وقرر ان يعود الى الموقع الوطني الذي كانت طائفة الموحدين وما زالت فيه، وان يحيدها ويبعد الجبل عن مثل هذا الصراع، وانفتح في حوار مع الوزير طلال ارسلان، واستكمله مع وهاب، بعد اشارات ايجابية صدرت عنه تجاهه، بدءاً من حادثة كفرحيم التي نجا منها رئيس “تيار التوحيد”، وكادت ان توقع مجزرة واستنكرها جنبلاط وسلّم الفاعلين، وارسل موفدين الى وهاب للتهدئة، والذي قدّر موقفه وفتح باب الاتصالات بينهما، وعندما حان موعد اللقاء، واصبح طبيعيا حصل، وكان تأكيد من الطرفين بعد مصارحة، ان موقع الدروز هو مع المقاومة ومع علاقة مميزة مع سوريا، كما تم التحذير من صراع سني–شيعي تستخدمه المحكمة الدولية، في ظل وما اوردته مجلة “دير شبيغل” من اتهامات حول تورط “حزب الله” في اغتيال الحريري، والذي قد يتحول تقرير “دير شبيغل” الى قرار ظني قد يفجر الوضع الداخلي اللبناني لاستهداف المقاومة عبر زجها بحرب داخلية، وهو ما يقلق رئيس التقدمي الذي ينبه الى خطورة الاوضاع، لاسيما مع وصول المتطرفين الى الحكم في اسرائيل، واحتمال ان يقوم بنيامين نتنياهو بعدوان جديد على لبنان، اذ ان المناورات العسكرية تؤشر الى ذلك، ترافقها تصريحات تصعيدية اسرائيلية من ايهود باراك وافيغدور ليبرمان، وهو ما دفع بجنبلاط الى قراءة التطورات التي حصلت في العامين الاخيرين، من تبدل موقف اميركا وفرنسا من سوريا، والحوار معها وعودة سفيريهما اليها، واستعادة العلاقات السورية – السعودية الطبيعية، حيث رأى رئيس “اللقاء الديمقراطي” ضرورة متابعة هذه الوقائع، والسير معها، فكان خطابه الهادئ، والدعوة الى عدم توريط لبنان في حرب اهلية جديدة، حيث استفاد من احداث 7 ايار، وهو يدعو سعد الحريري الى التكيف مع المتغيرات وان يقفز فوق اغتيال والده من الموقف من سوريا وتركها للمحكمة التي لم توجه اي اتهام ضد النظام السوري، وان يزور دمشق ويفتح صفحة جديدة، ليقوم جنبلاط من بعده بترتيب زيارته الى سوريا، والعودة الى موقعه السابق وهو ما عجّل لقاءه مع وهاب!
Leave a Reply