الاغتيال الجسدي قدر العائلة اما الاغتيال السياسي فإلغاء لها
لم يعد النائب وليد جنبلاط يخشى من «الاغتيال الجسدي»، وان كان هذا القدر يضعه في اطار الموروث العائلي، من اغتيال علي جنبلاط الى جده فؤاد ووالده كمال، ويسكنه هو ايضاً، وهو ما يردده في مجالسه، الا ان ما يقلقه هو «الاغتيال السياسي»، وهذا ما اعلنه مؤخراً، في تصريحاته الصحافية، وما أكده في الجمعية العمومية لحزبه التقدمي الاشتراكي في بعقلين عندما اشار في كلمته، الى ان نتائج الانتخابات النيابية المقبلة، هي بمثابة «حياة او موت»، لقوى 14 آذار، وهي بالنسبة اليه تتعلق بوجوده السياسي، وبزعامة آل جنبلاط السياسية، التي تمتد الى حوالي أربعمائة سنة، وان اكثر ما يقلق الزعيم الجنبلاطي، هو العودة السورية الى لبنان من خلال ما ستسفر عنه الانتخابات النيابية، اذ اعلن بصراحة ان نجاح المعارضة، سيقضي على «الحركة الاستقلالية»، وستكون نهاية «ثورة الأرز» التي كانت صناعة اميركية، سينتهي مفعولها مع رحيل الرئيس جورج بوش وادارته عن البيت الابيض، وهو ما عاد به جنبلاط من نتيجة بعد زيارته الى واشنطن.فحالة العداء التي ذهب فيها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تجاه سوريا، وبقاء نظامها حياً سياسياً، وعودة تطبيع العلاقات معه دولياً، وفشل رهانه على تغييره، ثم استعادة العلاقات مع الدولة اللبنانية، كل ذلك دفع بجنبلاط الى الخوف من اغتياله سياسياً، وان يتقدم خصومه السياسيين في المعارضة الدرزية لحصد مقاعد نيابية، وهذا ما يشغله في هذه المرحلة، مستذكراً ان السوريين كانوا يقدمون له الانتخابات عبر قانون يرضيه، فيفوز بكتلة نيابية تؤمن له حجز مقاعد وزارية في الحكومة، وبعد خروج السوريين من لبنان، ذهب الى حزب الله وحركة امل، ليفوز بالمقاعد في عاليه-بعبدا وفي البقاع الغربي-راشيا، وقد أمّن له التحالف الرباعي 17 مقعداً في مجلس النواب، وهو عدد لم يحظَ به والده كمال جنبلاط في عزه السياسي والوطني.فلدى جنبلاط تجربة في محاولة اغتياله سياسياً، بعد التمديد للرئيس اميل لحود ثلاث سنوات في رئاسة الجمهورية، وقد وقف ضده، وحرض الرئيس رفيق الحريري ان لا يغطي العهد بتشكيل الحكومة، في شبه مقاطعة له، وحاول الطرفان استدراج الرئيس نبيه بري لكنهما فشلا، فكان الرد عليهما، بتكليف الرئيس عمر كرامي تشكيل الحكومة التي شارك فيها ممثلون عن الدروز عبر كل من: طلال ارسلان (الحزب الديمقراطي اللبناني)، محمود عبد الخالق (الحزب السوري القومي الاجتماعي)، وئام وهاب (تيار التوحيد البناني)، وقد شكل تعيينهم وزراء، نكسة كبيرة لجنبلاط، لا سيما توزير وهاب الذي رأى فيه محاولة لكسر الهيمنة الجنبلاطية على القرار الدرزي، ثم دخوله طرفاً ثالثاً خارج الثنائية الدرزية (الجنبلاطية-الارسلانية)، كما ان وصول قومي درزي الى المقعد الحكومي، شكل خرقاً ايضاً لما هو مألوف، وهو ما سيفتح الباب لمشاركة درزية من خارج التقليد الدرزي، ويقدم نموذجاً جديداً، وقد حصلت سوابق في توزير عصام نعمان وقبله سامي يونس، وعادل حمية وحسن مشرفية وفؤاد النجار وانور الخليل والعماد سعيد نصرالله واللواء محمد طي ابو ضرغم وقد قوبل توزيرهم برفض جنبلاطي-ارسلاني، او عدم رضى عن وصولهم.فالاغتيال السياسي الذي تحدث عنه جنبلاط، يقصد به تحجيم كتلته النيابية، حيث توقعت مصادر خبراء الانتخابات ومكاتب الاحصاء، ان يفقد اربعة مقاعد درزية او ثلاثة في عاليه وبعبدا وراشيا والبقاع الغربي، ومقعد حاصبيا مرجعيون الذي يشغله النائب انور الخليل، وهو غير محسوب من كتلته بل من كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها الرئيس نبيه بري.ولن تكون خسارته درزية فقط، بل مسيحية ايضاً، اذ هو سيفقد ثلاثة نواب مسيحيين في دائرة بعبدا، اضافة الى نائب مسيحي في عاليه، وسيفرض عليه نواب مسيحيون في الشوف لن يكونوا من كتلته النيابية، حتى لو كانوا من كتلة حليفة، كالنائب السابق غطاس خوري الذي سيترشح في الشوف، والنائب عن «القوات اللبنانية» جورج عدوان، اضافة الى دوري شمعون. ولن يكون النائب باسم السبع في كتلته النيابية عن المقعد الشيعي في بعبدا، حيث يرجح ان يكون للمعارضة.وستكون كتلة جنبلاط الفعلية، بين سبعة او عشرة نواب، وسيخسر حوالي نصف ما هي عليه الآن، وفي المقابل قد تقوم كتلة نيابية درزية معارضة تضم طلال ارسلان، فيصل الداوود، وئام وهاب، انور الخليل، وهذه الكتلة محكومة بما ستقرره المعارضة لجهة المرشحين والدوائر التي سيترشحون عنها.ووصول كتلة نيابية درزية معارضة، يحرر القرار الدرزي من سيطرة جنبلاط على المقاعد الدرزية، وتفتح الطريق لإعادة البحث في قانون مشيخة العقل للطائفة الدرزية، الذي استفاد جنبلاط من عدم وجود معارضة درزية في مجلس النواب، فمرره تحت عنوان «الاجماع الدرزي النيابي» عليه، وادى ذلك الى وجود شيخي عقل، واحد بالقانون الشيخ نعيم حسن، وآخر بالأمر الواقع هو الشيخ ناصر الدين الغريب الذي سماه «لقاء خلدة»، بحضور كل القوى السياسية والحزبية والفعاليات ورجال الدين المناوئين لجنبلاط.ولا يقف الموضوع عند هذا الحد، فجنبلاط الذي اعترف بهزيمته العسكرية في 7 ايار الماضي اثر حوادث بيروت والجبل بين المعارضة من جهة واطرافالحكومة اللا شرعية من جهة ثانية، وسلم بالهزيمة السياسية في انتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان، ثم في تشكيل حكومة وحدة وطنية نالت المعارضة فيها الثلث الضامن، فهو يخشى مع انكسار المشروع الاميركي في لبنان والمنطقة، ان تحصل المعارضة على الاغلبية النيابية، حيث تشير الاحصاءات الى انها ستفوز بها بحوالي 70 مقعداً، مما يعني امساكها بالقرار في الحكومة من رئيسها الى الأكثرية فيها، وسيعني ذلك نجاح سوريا في وصول حلفائها، وان الانتقام السياسي سيكون اولاً من جنبلاط على حساب توزيره في الحكومة، التي قد لا يدخلها ويبقى معارضاً لها، وسينعكس ذلك عليه في التعيينات الادارية والتشكيلات العسكرية وفي الخدمات، وهذا كله يفقده من رصيده السياسي وحضوره الشعبي، وهو بهذا المعنى يعتبر نفسه معرضاً للاغتيال السياسي، اي لوجود الزعامة الجنبلاطية، التي استمدت قوتها من خلال مؤسسات الدولة، وما كانت تقدمه لمحازبيها وانصارها من وظائف وخدمات، فاستفاد كمال جنبلاط من العهد الشهابي الى اقصى الحدود، ثم من عهد الرئيس شارل حلو، وبعده الرئيس سليمان فرنجية، وعندما بدأ المعسكر الاشتراكي يظهر في المنطقة، تقرب منه، وتلقى دعماً كبيراً من المنح التربوية والتعليمية والصحية والمالية، اضافة الى السلاح، ووقف الى جانب المقاومة الفلسطينية، فأمنت له غطاءاً اسلامياً وعربياً ودعماً معنوياً ومادياً، فبات الناطق بإسم المسلمين في لبنان يسمي رئيس الحكومة منهم، ويمتحن رئيس الجمهورية، وهو ما ورثه منه ابنه وليد بعد اغتياله، اذ احتضنته سوريا ووفرت له كل الدعم لا سيما في حرب الجبل اثناء الاحتلال الاسرائيلي وأعوانه من «القوات اللبنانية»، وفرضته رقماً صعباً في المعادلة الداخلية، وامنت له كل قوانين الانتخاب التي توفر له الفوز، وكذلك وزارة المهجرين ووزارات اخرى التي كانت خزان المال السياسي والخدمات له.فإذا ما انعدمت كل هذه المؤثرات والحوافز، فإن جنبلاط سيفقد ليس فقط الخدمات بل الموقع السياسي، ولا يعود فاعلاً، ويتقدم معارضوه وينمو حضورهم السياسي والشعبي لا سيما من هم خارج الزعامتين التقليديتين، الجنبلاطية والارسلانية، وفي مقدمهم «تيار التوحيد اللبناني» ورئيسه وئام وهاب.
Leave a Reply