يتسلح رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بالواقعية في مواجهة التحديات التي تعترضه، سواء كانت عامة أم متصلة به، مبتعداً عن الاستعراضات البهلوانية التي يجيدها أبطال السيرك السياسي اللبناني.
لا يبالغ جنبلاط في تقدير وزنه، ولكنه يرفض في الوقت ذاته إنقاصه إلى حد «الذوبان». وعليه، بات الرجل منفتحاً على مبدأ القبول بحل وسط للتمثيل الدرزي في الحكومة، تاركاً التفاصيل لطاولة المفاوضات والمقايضات، عندما يحين أوان الجلوس إليها.
يتواضع جنبلاط أمام التحولات الإقليمية والدولية، فلا يدّعي أنه قادر على فك رموزها أو تفسير أبعادها، داعياً القوى الداخلية إلى حصر أولوياتها واهتماماتها في الهموم اللبنانية، وهو الذي يبدو مشغول البال على مستقبل الاقتصاد والليرة، وسط الضغوط المتصاعدة التي يتعرضان لها.
يقول جنبلاط لـ«صدى الوطن» إنه مستعد للتجاوب مع مبدأ التسوية في ما يخص التمثيل الدرزي في الحكومة، على قاعدة فن الممكن، «لكن حتى الآن لم يُقدَّم لي أي عرض جدّي، ومتى عُرض علي شيء من هذا القبيل سأكون مستعداً لدراسته ومناقشته، علماً أن هناك في بيئتي من انزعج مني عندما أعطيت قبل أيام إشارة إيجابية في هذا الاتجاه».
وينبه جنبلاط إلى أن الاستمرار في إطالة أمد التأليف الحكومي يترك آثاراً سلبية على الاقتصاد، محذراً من أن الدين العام لامس سقف 84 مليار دولار، «ولا أدري إلى متى نستطيع أن نتحمل هذا الضغط المالي المتزايد»، ومتسائلاً على طريقته: إلى أين؟
ويلفت جنبلاط إلى أنه لا يوافق الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري على تأكيدهما بأنه لا خطر على الوضع الاقتصادي والاستقرار النقدي، معتبراً أن المؤشرات الظاهرة ليست إيجابية.
الإصلاح ومكافحة الفساد
ويشدد جنبلاط على أولوية الإصلاح ومكافحة الفساد في هذه المرحلة، مشيراً إلى أن الجلسة التشريعية الأخيرة لمجلس النواب أقرت بعض المشاريع التي اعتمدها مؤتمر «سيدر»، ولكن يجب ألا نتجاهل أيضاً أن «سيدر» دعا إلى الإصلاح، فأين نحن منه وماذا نفعل لتحقيقه؟ لافتاً إلى ضرورة معالجة واقع الكهرباء الذي يستنزف الخزينة من دون أن يكون التيار متوافراً كما يجب، «وبالتأكيد الحل لا يكمن في السفن التركية».
ويرى جنبلاط أن الشرط الأساسي لنجاح الحكومة المقبلة يتمثل في محاربة الفساد بقوة واحترام المؤسسات، لافتاً إلى أن «الخلاف السياسي لا يجب أن يكون مبرِّراً للتهرب من تحمّل مسؤولياتنا وتأدية واجباتنا في هذا المجال، لأن الخلافات أصبحت جزءاً من تقاليدنا».
ويوضح جنبلاط أنه لم يكن يقصد الرئيس عون فقط عندما اعتبر أن «العهد فاشل»، «إذ أن المسؤولية تقع على منظومة متكاملة، نحن جزء منها»، لافتاً إلى ضرورة ألا نقطع الأمل في نجاح العهد، ومضيفاً: «نحن نعيش الآن على فتات المؤسسات التي بناها الرئيس فؤاد شهاب، إلا أننا لا نستطيع أن نستمر طويلاً على هذا المنوال».
قضايا خارجية
وينفي جنبلاط حصول تدخل سعودي في شأن تشكيل الحكومة الجديدة، مؤكداً أنه ليس صحيحاً أن الرياض هي التي تؤخر الولادة الحكومية، إلا أنه يشير إلى «أن السعودية لها تاريخ مع لبنان ونحن نستشيرها ضمن الممكن للوصول إلى حكومة تنطوي على الحد الأدنى من التوازن، آخذين بعين الاعتبار الظروف الإقليمية».
وبالنسبة إلى مستقبل العلاقة مع سوريا، يقول جنبلاط: موقفي معروف من النظام السوري، وما دام هناك نبض في عروقي فأنا على المستوى الشخصي لن أتصالح معه ولن أزور دمشق، ولكن إذا كانت هناك مصلحة للبنان في التنسيق مع الجانب السوري، فلا مانع بمعزل عن عواطفي الشخصية، علما أن التنسيق الامني قائم منذ فترة طويلة.
ويشير إلى أن الواقعية السياسية تقتضي الإقرار بأن النظام السوري باقٍ نتيجة التدخل الإيراني والروسي، وهو ليس باقياً فقط بل ربما يستعيد نفوذه في لبنان بشكل أسوأ مما كان عليه الأمر أيام الوصاية.
وعندما يُسأل عن رأيه في ما يجري على المستوى الدولي، يُفاجئك جنبلاط برد غير متوقع، قائلاً: خذوا رأي المحللين الاستراتيجيين وما أكثرهم، أما أنا فأعرف حجمي وقدراتي، وبدل أن نتلهى بقضايا أكبر منا بكثير، أظن أنه من الأفضل أن ينصب اهتمامنا على معالجة أزمة الكهرباء.
وعما إذا كان يعتقد بأن لدى البعض رهانات خارجية تؤخر تشكيل الحكومة، يجيب: «لا ينبغي أن يراهن أي طرف على الخارج وعلينا الكف عن الخوض في مغامرات من هذا النوع، وأنا أعتقد أن أفضل ما يمكن أن نفعله هو أن نحمي رؤوسنا من لعبة الكبار، وليس الانخراط فيها».
الطائف
هل حان الوقت لتعديل اتفاق الطائف الذي يتسبب، وفق قناعة البعض، في الأزمات المتلاحقة التي تواجه النظام السياسي اللبناني؟ يرفض جنبلاط بشدة هذا الطرح، متسائلاً: إذا كنا لا نستطيع أن نجد حلولاً لمسائل خدماتية يُفترض أن تكون من البديهيات، كيف لنا أن نُعدّل الطائف ونغير النظام؟ التوقيت غير مناسب بتاتاً لفتح هذا الملف.
وحول «معركة الإقالات» التي دارت مؤخراً بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«التيار الوطني الحر»، ودفع ثمنها موظفون محسوبون على الطرفين في الإدارة الرسمية، يقول جنبلاط ضاحكاً: الرفيق مروان حمادة والشيخ سعد الحريري «فوتوني بالقزاز». (في إشارة إلى قرار حمادة بإعفاء موظفة في وزارة التربية مؤيدة لـ«التيار الوطني الحر» من مهامها في رئاسة دائرة الامتحانات بناء على طلب الحريري، ما أدى إلى رد فعل مماثل من قبل «التيار»).
ثم يضيف جنبلاط وقد استعاد جديته: لقد تشكلت لجنة مشتركة تضمنا مع «التيار الوطني الحر» برئاسة اللواء عباس ابراهيم، وستكون مهمتي التعاون مع الجميع لتثبيت المصالحة.
Leave a Reply