تغيير سلوك ام تبديل مواقف وتحقيق مصالح؟تسود فكرة في لبنان عن النائب وليد جنبلاط، ان لديه «انتينات»، تتركه يبدل مواقفه ويغير مواقعه، وهو بذلك يقرأ التحولات الدولية والتطورات الاقليمية، ويتموضع وفق ما تمليه عليه مصالحه السياسية والشخصية، فيصفه البعض بانه واقعي في السياسة، وليس من اصحاب المبادئ الثابتة، فيستدير مع الرياح الاقليمية والدولية، وهذه «مدرسة جنبلاطية» تأسست مع استيطان آلـ جنبلاط جبال الشوف في القرن السابع عشر.لذلك كان يؤخذ على المرحوم كمال جنبلاط انه كان يذهب الى الرئيس فؤاد شهاب حاملاً لائحة مطالب تبدأ بانتساب لبنان الى دول عدم الانحياز، وصولاً الى اخر مطالبه نقل دركي، فكان شهاب يقرأ من اسفل اللائحة ويكتفي جنبلاط الاب بنقل الدركي، وعلى خطاه يسير وريثه السياسي والابن سر ابيه، فيحشر نفسه في قضايا كبرى ويختصر مطلبه بتأمين المال لصندوق المهجرين او تقسيم الدوائر الانتخابية على قياس مصالحه السياسية، او تعيين رئيس للاركان او قائد للشرطة القضائية.هذه هي مطالب وليد جنبلاط لا اكثر ولا اقل، وقد تعرف عليه الرئيس رفيق الحريري جيداً، فعندما كان يهاجمه وينتقده، ويصفه بـ«الحوت المالي» او يطلق على قريطم لقب «الكرخانة»، فكان يعرف ماذا يريد، فيستدعي مروان حمادة وغازي العريضي ويبحث معهما بمطالب رئيسهم المالية ويلبي حاجته، وينتهي الاشكال ويعود رفيق الحريري الحليف في «السراء والضراء» لجنبلاط.وفي العام الاخير لنهاية عهد الرئيس اميل لحود، وقبل التمديد له في 2004، وقف جنبلاط داعماً لخيار التمديد، واشاد بلحود اللاطائفي والذي وقف الى جانب المقاومة، واكد انه مع التمديد له اذا كان يخدم الاستراتيجية السورية، وهذا الكلام اعلنه في رشميا امام لحود، بعد ان حصل على مطالبه انه في اول حكومة بعد التمديد سينال حقيبة اساسية، وسيعزز صندوق المهجرين بالمال، وستكون حصته في الدرك حوالي الف عنصر وقد يرتفع العدد مع زيادة الدورات، اضافة الى توزيع الدوائر الانتخابية بما يخدم مصالحه بان تكون له كتلة نيابية اساسية.وقبل اسبوع من التمديد لرئيس الجمهورية، انقلب جنبلاط على وعده، واعلن رفضه ان يبقى لحود في قصر بعبداً، وجاء موقفه هذا متزامناً مع صيغة قرار كانت تعده فرنسا واميركا ضد تعديل الدستور ومع اخراج القوات السورية من لبنان ونزع سلاح المقاومة، وقد اصدر مجلس الامن القرار 1559 في 2 ايلول 2004 عشية جلسة مجلس النواب التمديد للحود.راهن وليد جنبلاط على ان المجتمع الدولي قرر اخراج سوريا من لبنان، وان نظامها سيسقط بعد انهيارصدام حسين في العراق واجتثاث حزب البعث، وان الفرصة مؤاتية للثأر من القيادة السورية، والانتقام لوالده كما اعلن هو بعد خروج القوات السورية من لبنان، واتهم نفسه بانه كان جباناً، ورفع شعارات العداء لسوريا ورئيسها بشار الاسد، وتناوله بعبارات نابية ولا تليق برجل سياسي، وذهب بخياراته الى حد المطالبة بتغيير النظام، وتوجه الى واشنطن مطالباً ادارتها الاسراع في اسقاط حكم الرئيس الاسد، لان استمراره سيشكل خطراً على لبنان و«ثورة الارز» التي التحق فيها جنبلاط، حاملاً راية مشروع جورج بوش «للشرق الاوسط الجديد» وتعميم الديمقراطية، وترجم خياره السياسي الجديد، بان فتح ابواب الاتصالات واللقاءات مع المعارضة السورية، التي من اركانها نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام الذي كان جنبلاط كما رفيق الحريري «الاطفال المدللين» لديه، فلا يرفض لهما طلباً، وكان يسعى مع غازي كنعان وبالتعاون مع حكمت الشهابي الى انهاء وتحجيم الخصوم السياسيين لهما، بحيث سدت الابواب امام كل السياسيين السنة البارزين للوصول الى رئاسة الحكومة، وتم تدبير مؤامرات ضدهم كالرئيسين سليم الحص وعمر كرامي، كما لم تعط القوى الدرزية الفاعلة اي دور لها، وتم تعطيل وشل كل حركة اعتراض على اداء جنبلاط وعلى المغانم التي كان يحصل عليها من الدولة والخزينة.وعندما لاحت رياح تغيير في المنطقة بدأت من العراق مع الاحتلال الاميركي له، بدأ جنبلاط يقترب اكثرمن المشروع الاميركي ويتبناه ويدعو علناً الى احتلال سوريا واسقاط نظامها، الا ان امنياته ورغباته كانت لا تترجمها الادارة الاميركية، التي كانت تلاقي صعوبة في تغيير النظام او احتلال سوريا، لان ورطتها انكشفت في العراق، وظهرت اكاذيب ومزاعم بوش، بان لا اسلحة دمار شامل في العراق وان لا علاقة بين البعث وحركة «طالبان» واسامة بن لادن، وغرق الجيش الاميركي في المستنقع العراقي، وبات من الصعوبة المغامرة من جديد في حرب ضد سوريا التي لم تلب الطلبات الاميركية، وتوقف دعمها للمقاومة في فلسطين والعراق ولبنان.ومع الهزائم التي كانت تلحق بالمشروع الاميركي، كان جنبلاط يحاول ان يلاقي نافذة للخروج من ورطته، بعد ان برز مدى علاقته بالمعارضة السورية المدعومة من اميركا والسعودية، فاستقبل وفد «الاخوان المسلمين» واستمر على تنسيقه مع خدام، فارسل الى سوريا يتوسلها ان تفتح له باب النجاة، لانه سيعود اليها، ووسّط كل من الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، والرئيس نبيه بري والوزير سليمان فرنجية وروسيا وايران وموفدين دوليين، كما اطلق تصريحات ايجابية تجاه سوريا ورئيسها في مرحلة من المراحل، لكن الجواب السوري كان حاسماً ان ابواب دمشق لن تفتح له، لان الشعب السوري لا يقبل بمن وجه كلاماً غير لائق ضد رئيسه، ومن تورط بالعمل لتقويض نظامه ووحدة شعبه، فليس له مكان في سوريا التي تعاقب قوانينها كل من يتعرض لرئيس الدولة بالقدح والذم، او يهدد وحدة الشعب ويثير النعرات الطائفية والمذهبية فيه، لان جنبلاط يتحدث كثيراً عن «اقلية علوية» تحكم اكثرية سنية، وهذا يهدد الامن القومي لسوريا.وكلما وصلت الوساطات الى طريق مسدود، كان جنبلاط يرفع من خطابه التصعيدي ضد سوريا، عله بذلك يعيد تحريك وصل ما انقطع، وهو اعتاد على هذا الاسلوب سابقاً، لكن هذه المرة بلغ تورطه مكاناً، لا يمكن لسوريا ان تغفر لمن طالب باحتلالها واسقاط نظامها، وقد اعترف علناً، بانه سأل وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس لماذا التأخير في تغيير النظام فكان جوابها، اننا نريد فقط تغيير سلوكه، ونزل كلامها عليه صدمة، وبدأ يبحث عن طرق جديدة للنجاة، لاسيما بعد احداث 7 ايار الماضي، عندما تحركت المعارضة وقررت اعادة التوازن الداخلي، وتصحيح الوضع داخل الحكومة، وهذا ما حصل، فشعر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ان قوى 14 شباط وحيدة في المعركة، وان المدمرة «كول» التي ارسلتها الادارة الاميركية، مرت بالسواحل اللبنانية ولم تتوقف، فقرر اعادة التموضع، وذهب الى حلفاء لسوريا يطلب المصالحة معهم، لتفتح طريق دمشق امامه، لكن القيادة السورية كانت حاسمة، انها مع الوفاق الداخلي ومع الاستقرار، ولكنها لن تطأ رجلي جنبلاط ارضا دعا الى احتلالها.وقد حاول بعض السياسيين الايحاء ان تفاهم جنبلاط مع الوزير طلال ارسلان، هو مقدمة ليقوم الاخير بفتح قنوات اتصال لجنبلاط مع سوريا، وتبين ان لا صحة لكل ذلك، لان المصالحة في الجبل، لا تتعدى حدود رفض استخدام العنف واللجوء الى السلاح، ولا تبدل في الموقف والمواقع السياسية، وهو ما اعلن عنه كل من جنبلاط وارسلان، وانهما باقيان على تحالفاتهما السياسية والانتخابية، وان كل ما يفعله رئيس «اللقاء الديمقراطي» هو انه يحاول ان يقايض بين مقعد نيابي يعطيه لرئيس الحزب الديمقراطي اللبناني في عاليه، مقابل حصوله على مقاعد اخرى لا سيما في بعبدا والبقاع الغربي-راشيا، وظهر حجم المصالحة انه لا يخرج عن كونها تبادل مصالح.فإرسلان لم يحمل معه وساطة الى سوريا من جنبلاط الذي اكد انه لم يطلب منه ذلك، وان كل ما يجري بين الرجلين، هو توفير مناخ سياسي غير متشنج، لتحقيق التهدئة، وهذا ما يفسر وجود «حزب الله» في الاجتماع الذي عقده مع الحزب التقدمي الاشتراكي في داره ارسلان في خلدة، وحضره مسؤولو المناطق التي شهجت اشتباكات محدودة في ايار الماضي، لازالة الاحتقان وفتح المناطق على بعضها ولبدء عام دراسي هادئ.فبعد اربع سنوات من رهانه على المشروع الاميركي، هل بدأ جنبلاط يغير سلوكه، ويعلن فشل خياره السياسي؟. واذا اعلن عن ذلك كيف ستتم محاسبته، وكيف سيدفع ثمن ذلك سياسياً، هل بالتنازل للمعارضة الدرزية، وبالغاء الاحادية في القرار السياسي وليس لصالح ثنائية درزية مع ارسلان، التي واجهت رفضاً من قوى المعارضة الدرزية التي لا تسمح باعادة احيائها، بل بالتنوع السياسي داخل الطائفة الدرزية خصوصاً والجبل عموماً، وان لا تكون مناطق مغلقة على اي طرف حزبي وسياسي، او احتكار الوظائف في الدولة، اوان تبقى المختارة و خلدة ممرين اجباريين للدروز للعبور منهما الى مؤسسات الدولة.تغيير السلوك يبدأ من هذه الوقائع، وعندها يتم البحث بالمسائل الكبرى.
Leave a Reply