بدأ يشعر أنه لم يعد مؤثراً فـي انتخابات رئاسة الجمهوريةوجعجع يتطابق معه فـي خوفه بعد تجربته فـي السجن
يعرف عن النائب وليد جنبلاط ان لديه «انتينات» تلتقط التحولات المحلية والاقليمية والدولية، ويملك «بوصلة» سياسية ترشده الى تبديل مواقعه السياسية وتغيير مواقفه، وقد تعود اللبنانيون على التحولات التي يلجأ اليها، تحت عنوان انه يقرأ ويمتلك معلومات، ويتبين فيما بعد ان تحليله وتقديراته تكون خاطئة، مما يدفعه الى التراجع والاعتذار، وكل ذلك دون ان يحاسبه احد على تقلباته، بسبب انفراده في القرار داخل جماعته «الجنبلاطية» الموروثة منذ مئات السنين مع وصول آل جنبلاط الى الشوف وتحولهم الى اقطاعية وانشاء حزبية خاصة بهم وفق الفرز الذي كان قائماً في الجبل بين القيسية واليمنية.اما في داخل حزبه التقدمي الاشتراكي، فلا مساءلة ولا محاسبة، ولا تغيير في القيادة ولا رئاسة الحزب التي ورثها جنبلاط من والده كمال جنبلاط بعد اغتياله في آذار من العام 1977.لذلك فان التبدلات التي يقوم بها جنبلاط، هي ارث سياسي، كان والده يلجأ اليها، وتحت عنوان «البراغماتية» او الواقعية، وهي بالمعنى السياسي التقليدي اللبناني الحصول على المحاصصة والانتفاع من النظام السياسي، وتغيير التحالفات وفق المصالح الشخصية والسياسية بعيداً عن المصلحة الوطنية.وما حصل مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي منذ ثلاث سنوات، وتغيير موقعه السياسي وتبديل موقفه، يشير الى انه ذهب بخياره السياسي مع المشروع الاميركي في المنطقة وانخراطه به في لبنان ضد المقاومة وسوريا بعد ان كان يسمي نفسه حليفاً استراتيجياً لهما، فاذا به يعمل لانهاء المقاومة وسلاحها وحتى تصفية قيادتها، والسعي الى احتلال سوريا من قبل اميركا واسقاط نظامها، وهو يذهب الى الولايات المتحدة ليحرض عليهما، وكان صريحاً في زيارته الاخيرة عندما اعلن عن ذلك من واشنطن، وقد سبق له ان قام بهذه المحاولة قبل العدوان الاسرائيلي في صيف عام 2006، لكن فشل العدو الاسرائيلي اربك اميركا ومعها حلفائها في لبنان، ومنهم جنبلاط الذي قال بعد زيارة له قبل عام الى اميركا، واثناء جلسات طاولة التشاور في تشرين الثاني الماضي، توجه الى مسؤولي «حزب الله» قائلاً لقد خسر مشروعنا وربح مشروعكم.ويعود جنبلاط من واشنطن هذه المرة، ولكنه بحالة يأس من ان تبيع أميركا حلفائها كما فعلت في اكثر من دولة، اذ يخشى ان تتم تسوية في معركة رئاسة الجمهورية، ويأتي مرشح تكون لسوريا علاقة به، كما يعيش قلقا من ان يتم تأخير المحكمة ذات الطابع الدولي بإغتيال الرئيس رفيق الحريري، وان لا يصل تقرير لجنة التحقيق الدولية برئاسة سيرج برامرتس الى نتائج تدين مسؤولين لبنانيين وسوريين، وتقدم ادلة ضدهم، بعد ان ابلغ برامرتس القضاء اللبناني بأن اللجنة لا توصي بإعتقال الضباط الاربعة، ويمكن اطلاق سراحهم، وهذا ما كان سيفعله القاضي الياس عيد، لكن التدخل السياسي في القضية كفّ يده عن الملف.ولذلك فان التوتر الذي يظهر على جنبلاط نابع من خوفه ان تتم التسوية عليه، وقد اطلق اتهاماته ضد حلفائه الذين وصفهم بالخونة ويجب اعدامهم سياسياً ومعنوياً، بعد ان شعر ان قوى 14 شباط بدأت تتضعضع وقد لا تصمد حتى انتخابات رئاسة الجمهورية، ولا تؤمن الانتخابات بالنصف زائدا واحدا، وبات يقلق من ان تفقد الاكثرية النيابية السلطة، ويحصل الانقلاب المضاد وتعود المعارضة الى الامساك بالحكم من خلال رئيس جمهورية ليس بعيداً عنها وعن سوريا، وتتحكم بالحكومة اذا ما امتلكت الاغلبية النيابية.فذهب جنبلاط الى اميركا لينبه المسؤولين فيها من احتمال انهيار «ثورة الارز» وخسارة الحكم في لبنان اذا ما حصل تهاون او تنازل في موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية، حيث يشعر انه ليس له التأثير فيها، بعدما كان والده يساهم في صناعة الرؤساء في لبنان منذ «الثورة البيضاء» التي اطاحت بالرئيس بشارة الخوري في العام 1952 ومجيئ عضو الجبهة الاشتراكية الوطنية كميل شمعون حليف جنبلاط رئيساً للجمهورية، ثم في انتخاب الياس سركيس وقبله في انتخاب سليمان فرنجيه.فكل ما يقلق رئيس «اللقاء الديمقراطي» هو ان تتم الانتخابات الرئاسية، دون ان يكون له رأي فيها، وقد اعلن مسبقاً انه ونواب حزبه الستة لن يصوتوا لمرشح تسوية وتوافق، كما فعل في جلسة انتخاب الرئيس اميل لحود عام 1998، حيث وقف ضد ارادة سوريا بترشيح لحود، ومنذ ذلك الحين بدأ التوتر بينه وبين القيادة السورية، التي كانت بدأت تعيد رسم سياسة جديدة في لبنان، بعد كف يد كل من عبدالحليم خدام وحكمت الشهابي عن الملف اللبناني، وهما صديقان وحليفان لجنبلاط ومعه رفيق الحريري.فالتسوية ترعب زعيم المختارة، وهو يتذكر دائماً كيف ان والده الذي وقف ضد قرار دولي-عربي-اقليمي عام 1976 بوقف الحرب الاهلية بدخول القوات السورية الى لبنان التي تحولت الى قوات ردع عربية ووقوفه ضد هذا القرار، قد دفع حياته ثمناً لذلك، وهو يضع في حسابه ان تمر التسوية عليه ايضاً، وان رفع سقف اعتراضاته وتصعيد تصريحاته ومواقفه، انما لتحسين شروطه وتحصين وضعه من اية تحولات قد تجري يذهب هو ضحيتها.وما ينطبق على جنبلاط، ينتظر حليفه الجديد جعجع الذي مر بتجربة صعبة، عندما انقلب على اتفاق الطائف، الذي قبل به، واراد تطبيقه وفق مواصفاته ومصالحه، لجهة حصته في السلطة، وتمثيله الآحادي للمسيحيين والموارنة تحديداً، ثم تفسير مضمونه باتجاه قيام لا مركزية سياسية، بما يخدم مشروعه للفدرالية والكونفدرالية فوقف بوجه التسوية بعد ان قبل على مضض تجريده من سلاحه، فتم فتح ملف الحرب له والاغتيالات والجرائم التي شارك فيها او امر بتنفيذها، وكان نصيبه السجن 11 سنة، بقرار اقليمي-دولي، وقد اخرجه قر ار مماثل من السجن بعفو بعد ان حصل تغيير في موازين القوى الداخلية في لبنان، وحصول تباعد اميركي-سوري حول لبنان، كان من نتيجته خروج القوات السورية منه، وعودة العماد ميشال عون وخروج جعجع من السجن.من هنا فان جنبلاط وجعجع يتطرفان في مواقفهما، خوفاً من ان يمر قطار التسوية عليهما فيخسران ما جنياه من «ثورة الارز».
Leave a Reply