خليل إسماعيل رمَّال
المقاومة الإسلامية الوطنية فـي لبنان هي ملكة المقاومات، ليس لها مثيل فـي العالم أجمع. صمتها أبلغ وأخطر من كل الكلام وأغلى من الألماس. سكوتها المطبق يجعل الرعب والذعر والهلع يدبُّ فـي الكيان الغاصب الذي باتت تعرف دواءه وتتفوق عليه فـي الحرب النفسية التي اخترعها ليرهب بها أعداءه العرب ونجح فـي ذلك إلى حدٍ كبير- إلى أنْ جاء عصر المقاومة!
إسرائيل المعتدة دوماً بعملياتها العسكرية الجراحية الصاعقة ضد اهدافٍ عربية غير مباليةً بردود فعل العالم كله وحتى الحاضن الأميركي، لأول مرة تشعر بالندم على حماقتها الرسمية فـي اغتيال ستة كوادر من المقاومة وجنرال إيراني فـي القنيطرة السورية وتكاد تعتذر وتقدم التبريرات فـي الوقت الذي انتقد فـيه الإعلام العبري العملية ووصفها بالمتسرعة وبأنها نتيجة خلل. ونشر غسيل الكيان الوسخ كذلك يحدث لأول مرة ليس كرمى لعيون المقاومة، بل بسبب الارتباك ثم الخوف من رد حزب الله الذي هو آتٍ لا ريب فـيه. وانتظار وترقب الرد والثأر لشهداء المقاومة هو أشد مضاضةً وحرق أعصاب عند العدو من الفعل نفسه. فمجرد خبر صغير تداوله المستوطنون الصهاينة عن تسلُّل مجموعة من حزب الله إلى المستوطنات، شل الحياة فـيها وأغلق المنطقة بكاملها. والحساب اليوم أصبح مضاعَفاً بعد استشهاد إبن القائد العسكري ومحقق التحرير جهاد عماد مغنية. ذلك أنَّ علاقة مغنية بالسيِّد حسن نصرالله هي أكثر من خاصة واستشهاد جهاد مغنية له نفس الوقع لاستشهاد السيِّد هادي نصرالله وبالنسبة لسيد المقاومة فانه خسر اليوم الإبن الثاني.
لقد أتقنَتْ المقاومة التعامل مع إسرائيل العدو المجرم الذي لا يرحم فنعت شهداءها ولم تنبس بحرفٍ زائد واحد وتركت جمهورها الذي كان يغلي، ليملأ صفحات التواصل الاجتماعي والإعلام بالدعوة إلى الرد والانتقام. والحقيقة أنَّ على هذه الدعوات أنْ تتوقف لأنَّ المقاومة أدرى بشِعاب خطواتها وهي وحدها قادرة على تحديد الوقت والزمان والكيفـية حسب متطلبات المعركة وعليها أنْ تحسب الأمور بدقة من دون تأثيرات شعبية انفعالية أو غير ذلك. وإذا أردنا تحليل هدف نتنياهو والعواقب المنتظرة من المجزرة الاخيرة لوجدنا ما يلي:
١- كلام السيِّد نصرالله أحدث زلزالاً فـي إسرائيل خصوصاً تأكيده للمؤكَّد بأن المقاومة انتقلت من مرحلة تحرير المواقع إلى الحفاظ عليها ولذا بات دخولها إلى الجليل وما بعد الجليل (ما أجمل هذه العبارة مثل ما بعد بعد حيفا) فـي الحرب المقبلة عاملاً جدياً وأنَّ ما تسميه إسرائيل عدم حصول حزب الله على أسلحة كاسرة للتوازن أضحى دقَّة قديمة فلدى ترسانة الحزب أسلحة قد تخطر على بالها وما لا يخطر على بالها. هذا التحدي لا يمكن أنْ يهضمه الكيان القائم على ثكنة عسكرية والباني لأسطورته على أساس العنجهية والقوة التي لا تُقهَر فأراد أنْ يغير من قواعد الاشتباك واختبار الحزب مجدَّداً من دون أنْ يتعلَّم الدرس ظنَّاً منه أنه يستفـيد من الهجوم الإرهابي على مجلة «شارلي أيبدو» الخاطئة وتصدُّر نتنياهو لتظاهرة باريس. بالمناسبة، الذين تظاهروا من أجل فرنسا خصوصاً من المسؤولين العرب والذين عبروا عن تمسكهم بحرية الرأي مثل السعودية المكتظة معتقلاتها بسجناء الرأي، لم نرهم يتظاهرون لأجل الرسول الذي أصرت المجلة المنحطة على إهانته. طبعاً، فالتهجم على اليهود معاداة للسامية أما الاساءة لنبي الاسلام فحرية رأي!
٢- وصل إلى نتنياهو أنَّ الإتفاق النووي الإيراني الغربي أصبح وشيكاً خصوصاً بعد تهديد االرئيس الاميركي أوباما للكونغرس بالفـيتو إذا فرض عقوبات جديدة على إيران، فأراد قلب الأوضاع ظنَّاً منه أن عز اسرائيل باقٍ كالسابق ومن أجل البقاء فـي السلطة. لكن حتى الأمم المتحدة الخرساء أدانت الانتهاك الاسرائيلي وهذه سابقة.
٣- جنت على نفسها «براقش صهيون» فالجبهة العسكرية ضد اسرائيل لم تعد محصورة بالجنوب ولبنان، بل أصبحت تشمل الجولان ومنحت المقاومة وإيران وسوريا حق فتح الجبهة بعد نقض اتفاق فض الاشتباك. كما أنَّ اسرائيل اضطرت للكشف عن حلفها مع الإرهاب التكفـيري الذي يدَّعي الغرب محاربته وهذا يستدعي من محور المقاومة التخلُّص من هذا السرطان واستئصال شأفته فـي سوريا ولبنان والعراق والقضاء على إمارتي عرسال وطرابلس وملاحقة المجرم شادي المولوي ربيب ميقاتي والصفدي.
وعلى الهامش اللبناني لا بد من كلمة: زعماء لبنان من أمثال وليد جنبلاط يورثون أبناءهم، المرفَّهين الآتين من أوروبا وأميركا، الإقطاع والنيابة أما أمثال عماد مغنية فـيؤرخون أبناءهم بالشهادة.
Leave a Reply