نبيل هيثم – «صدى الوطن»
لم يكن ينقص مملكة آل سعود لتأكيد إخفاقاتها اليمنية سوى تأكيد وزارة الدفاع الأميركية عودة بعض من جنودها إلى اليمن، بذريعة «الحرب على الإرهاب»، وذلك بعد غياب استمر زهاء سنتين، أي منذ بدء الأزمة السياسية، التي أججتها السعودية نفسها، وجعلتها مبرراً لشن عدوان «عاصفة الحزم».
المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جيف ديفيس أقرّ بوضوح تقارير تداولتها بعض وسائل الاعلام الغربية في الآونة الأخيرة، حين أكد أنّ عدداً «صغيراً جداً» من الجنود الأميركيين أُرسل موخراً إلى اليمن لمساعدة التحالف السعودي في طرد تنظيم «القاعدة» من مدينة المكلا الساحلية، وكاشفاً عن تقديم الولايات المتحدة دعماً للقوات اليمنية (الموالية للرئيس المتراجع عن استقالته عبد ربه منصور هادي، ولقوات «التحالف»، لاسيما الإماراتية، شمل توفير معلومات استخباراتية، الى جانب وضع عدد محدود من العسكريين تحت تصرفها).
توقيت إعلان «البنتاغون» عن عودة الجنود الأميركيين يثير تساؤلات عدّة حول حيثيات هذه الخطوة وأهدافها الحقيقية، لا سيما بعدما تركت تداعيات سلبية على المفاوضات الدائرة في الكويت منذ نحو أسبوعين، والمتأرجحة بين التقدم والجمود واحتمالات الفشل.
تعثّر في الكويت
بدا واضحاً أن الإعلان الأميركي انعكس سريعاً على اجتماعات الكويت، فبحلول يوم السبت الماضي، وفي أول جلسة بعد انتشار خبر وصول جنود أميركيين إلى اليمن، كان الحوثيون يعلنون رفضهم جدول الأعمال المقترح من قبل الوسيط الأممي اسماعيل ولد الشيخ أحمد، ويطالبون بإخراج «الغزاة»، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة وحليفتها السعودية، قبل أن يتم تعليق المشاورات، في مؤشر على فشل الجولة التفاوضية.
ولعل التغريدات التي استقبل بها المتحدث باسم الحوثيين خير تعبير عن تأثير الخطوة العسكرية الأميركية على مفاوضات الكويت، فقد كتب محمد عبد السلام ان رفض انتهاك السيادة اليمنيّة ودخول قوّات أجنبيّة واحتلال موانئ ومطارات هو المعنى الحقيقي للدولة وللهوية الوطنية الجامعة… ومن يدّعي الشرعية ويتحدّث عن سلاح الجيش، عليه أن يخبرنا أولًا عن معنى السيادة والاستقلال والحريّة»، مضيفاً «يوم كنّا نقول القاعدة وداعش تتواجد في بعض مناطق الجنوب ويجب على الجيش أن يتولّى مهمة مواجهتهم استنكروا ذلك، واليوم نسألهم لماذا جاءت أميركا؟».
تعثر المفاوضات انعكس سريعاً في الميدان حيث استؤنف القتال على أكثر من جبهة عسكرية، فيما كانت السعودية تتلقى أولى رسائل الرد من الحوثيين، والمتمثل بإطلاق صاروخ باليستي تمكن الدفاعات الجوية السعودية لاحقاً من اعتراضه.
رسائل أميركية
بعيداً عن تنظيرات كتّاب النظام السعودي وحلفائه على صفحات الجرائد العربية المختلفة، حول أن الولايات المتحدة وجدت شركاء لها على أرض اليمن، لمحاربة الإرهاب المتمثل بتنظيمي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة في شبه جزيرة العرب»، فإنّ عودة الجنود الأميركيين، وإن بشكل محدود إلى اليمن، يطرح ثلاثة احتمالات.
أول تلك الاحتمالات هو أن تكون الولايات المتحدة، راغبة في تعطيل مفاوضات الكويت، وإطالة أمد الحرب الدائرة في اليمن، بهدف الاستمرار في الحرب العبثية.
وثاني تلك الاحتمالات هو أن يكون الإنزال العسكري الأميركي المستجد رسالة ردع غير مباشرة للحوثيين، مفادها أن السعودية ليست وحيدة في ميدان القتال، وإن كان الهدف المعلن من قبل «البنتاغون» هو محاربة إرهابيي «القاعدة» و«داعش».
ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة لعبت دوراً خلف كواليس الصراع اليمني منذ بدايته، حيث كثر الحديث في الاعلام الغربي عن وجود ما بين ٥٠ و٦٠ عنصراً امنياً في اليمن لتوفير الدعم والتنسيق للتحالف السعودي، بينما عمل ما بين ستة وعشرة مستشارين عسكريين أميركيين داخل مركز عمليات القوات الجوية السعودية في الرياض.
وعلاوة على ذلك، فقد أمرت ادارة باراك أوباما الجيش الأميركي، خلال العام الماضي، بإرسال ذخيرة دقيقة التوجيه من مخزوناتها لسد النقص في امدادات التحالف السعودي، في محاولة فاشلة لانقاذ سمعة آل سعود، وغسل أيديهم من دماء أطفال اليمن.
وأما الاحتمال الثالث، فهو أن تكون الخطوة الأميركية رسالة مباشرة للسعودية نفسها، ومفادها أن ثمة انزعاجاً من قبل القيادتين العسكرية والسياسية في الولايات المتحدة بشأن عمليتي «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» اللتين احبطتا سنوات طويلة من الحرب الأميركية ضد الإرهاب في اليمن، عبر افساحهما المجال أمام سيطرة تكفيريي «القاعدة» و«داعش» على مناطق عدة في جنوب اليمن ووسطه وشرقه.
وأيّا يكن الاحتمال المرجح، فإن واحداً من الاحتمالات الثلاثة السابقة الذكر يعكس بشكل لا لبس فيه الفشل الذي تواجهه مملكة آل سعود.
وإذا كان الهدف من الإنزال الأميركي ضرب مفاوضات الكويت، فإن ذلك سيعد انتكاسة خطيرة للرياض الراغبة في الخروج السريع من المستنقع اليمني، بعدما تكبدت هزيمة واضحة، دفعتها الى النزول عن شجرة التعنت، والقبول بالحوار مع الحوثيين، برغم التقارب الواضح بينهم وبين إيران.
وفي حال كان الهدف الأميركي توجيه رسالة ردع غير مباشرة للحوثيين، فإنّ ذلك يمثل دليلاً إضافياً على أن العدوان السعودي على الشعب اليمني انتهى إلى فشل ذريع، استوجب الاستعانة بالحليف الأميركي في محاولة لترميم الموقف الميداني.
وأما في حال كان الهدف الأميركي توجيه رسالة للسعوديين بشأن تداعيات العدوان على اشتداد شوكة «القاعدة» و«داعش»، فإن ذلك يعد، وبوضوح الشمس، إقراراً أميركياً بأن السعوديين ليسوا الشريك الذي يمكن الاعتماد عليه في مجال محاربة الارهاب، لا في اليمن، ولا في أي مكان آخر، كسوريا، وهو ما يقطع الطريق أمام محاولات السعودية تشكيل ما يُعرف بـ«التحالف الاسلامي لمحاربة الإرهاب».
تدخّل مستجد في سياق معقّد
أبعد من ذلك، فإن التدخل الأميركي المستجد في اليمن يأتي ضمن سياق معقد في العلاقات بين واشنطن والرياض، بعدما برزت قضايا خلافية عدة، لم تنجح الابتسامات الديبلوماسية بين عادل الجبير وجون كيري في اخفائها.
وفي سياق الاحتمال الثالث، فإن الانخراط العسكري الأميركي في اليمن قد يكون بمثابة رسالة إلى الداخل السعودي ايضاً، ومفادها أن مغامرات ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان قد أتت بنتائج عكسية في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما يعيد رفع رصيد ابن عمه ولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف، الذي نجح خلال عهد عمه الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز في تقديم أوراق اعتماده للأميركيين بملف متخم بالانجازات المتعلقة بمحاربة «القاعدة» في شبه جزيرة العرب.
في العام ٢٠٠٨، اتفق مسؤولون سعوديون وأميركيون على صفقة أسلحة بقيمة قياسية بلغت ٦٠ مليار دولار، ووصفت حينها بـ«صفقة العصر»، التي باعت بموجبها الولايات المتحدة للسعودية عشرات المقاتلات من طراز «أف ١٥»، ومروحيات هجومية، وأسلحة متقدمة أخرى، جعلت المملكة النفطية ثالث قوة عسكرية في الوطن العربي، بعد مصر والجزائر. اتى ذلك في سياق التحولات التي ادخلها الرئيس الأميركي باراك أوباما على السياسات الأميركية في الشرق الاوسط، والتي توجها بالانسحاب من العراق، وكان الهدف حينها تعزيز قوة حلفاء أميركا في مواجهة «القاعدة» من جهة، وتكثيف الضغط على ايران من جهة ثانية.
بعد ثماني سنوات، كان المشهد يتبدد، فمع آخر زيارة قام بها أوباما للسعودية كان واضحاً ان الهوة بين وجهتي نظر واشنطن والرياض قد اتسعت بشدة، بعدما برز أول اصطدام على خلفية الموقف السعودي من الاتفاق النووي، فيما جاءت العثرة الاكبر في اليمن، ما بدأ يثير تساؤلات داخل الادارة الأميركية حول جدوى الاتكال على «حليف مزعج» كنظام آل سعود.
تهجير الشماليين .. مقدمات التقسيم؟
للمرة الاولى منذ حرب العام ١٩٩٤، يجد اليمنيون أنفسهم اليوم بين مخالب التقسيم والتشرد والاقتتال الاهلي.
آخر تجليات هذا الواقع برز الأسبوع الماضي، حين تواردت انباء عن قيام الميليشيات الموالية لعبد ربه منصور بتهجير مئات الشماليين من عدن، في إطار ما يسمّى «الخطة الأمنية».
وبحسب المراقبين اليمنيين فإن الحملة ترمي إلى «تطهير» عدن على أساس مناطقي مع طرد كل المواطنين الشماليين منها، وهو أثار موجة استياء عارمة في اليمن، لا سيما في ظلّ التطورات الاخيرة في الجنوب مع وصول القوات الأميركية، ما يوحي بنيّة عزله تماماً.
الترحيل شمل أكثر من 800 عامل، جميعهم من أبناء محافظات الشمال، وغالبيتهم من محافظة تعز، بحجة عدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية،
لم تكن عملية التهجير في أسلوبها تحمل الانسانية والاحترام الذاتي، حيث نقل المرحلون من نساء وأطفال على متن شاحنات مكشوفة الى المعسكرات، تمهيداً لترحيلهم الى محافظتهم في الشمال. وصعدت «الحملة الأمنية» شراستها، بعدم السماح لكافة المرحلين بنقل أدواتهم، ومصادرة كل شيء يقع تحت ملكيتهم.
وأثارت «الحملة الأمنية» ردود أفعال واسعة وغضب اًشديداً في أوساط الشعب اليمني، حيث عدّها الكثيرون سابقة خطيرة تقوض الوحدة اليمنية.
وفي أول رد رسمي صادر عن الجهات الجنوبية القائمة على هذه «الحملة الامنية»، قال مصدر مسؤول في قوات هادي إن الاجراءات تشمل «مجهولي الهوية» وانها ستستمر حوالي ستة أشهر. لكن ناشطين حقوقيين يمنيين دحضوا تلك المزاعم، حيث نشروا عبر صفحات التواصل الاجتماعي، صوراً لعدد كبير ممن جرى ترحيلهم من عدن وهم يحملون أوراقاً ثبوتية رسمية، ما يدل على «كذب الحملة» وانها تستهدف فقط أبناء الشمال وبشكل عنصري.
وأدانت حركة «أنصار الله» وحزب «المؤتمر الشعبي العام» تلك الممارسات «التي تعكس بجلاء، النوايا السيئة والمبيتة لأطراف معروفة بالعودة بالوطن اليمني إلى عهود الصراعات».
Leave a Reply