مرندا فالي، «صدى الوطن» بالاشتراك مع بيل ماكغرو من مجلة «بريدج» – نداء سامونا وعائلتها، كانوا ضمن موجة المهاجرين الكلدان الذين وجدوا فـي «الحي الكلداني» بديترويت موطناً جديداً لهم فـي سبعينيات القرن الماضي، حين كانت الأحياء السكنية الواقعة الى الجنوب من الميل السابع بين شارعي وودورد وجون آر، وارفة الظلال بسبب كثافة الأشجار وتفـيض حيوية ونشاطاً بسبب كثافة السكان.
منازل جديدة تم تشييدها شمالي الميل السابع.(صدى الوطن) |
كانت تلك الأيام صاخبة بذكريات أهالي الحي، مثل والد نداء، الذين كانوا يقضون أيامهم فـي لعب طاولة الزهر والورق فـي المقاهي الممتدة على طول شارع الميل السابع العريق الذي كانت تصطف فـيه المتاجر المملوكة للكلدان.
اليوم، الحي أصبح اسمه «نورث تاون»، وفـيه خليط من المنازل القديمة الصلبة، وأخرى متهالكة، إضافة الى ٧٢ منزلاً جديداً تنتشر بينها قطع الأراضي الخالية إلا من الأعشاب والحشائش.
معظم السكان الكلدان رحلوا عن الحي، تماماً مثل المقاهي التي كانت تزدان بها المنطقة، غير أن الكلدان لا زالوا يملكون ويديرون عدة مصالح تجارية على الميل السابع من بينها مطعم وورشة حدادة وسوق سمك بالجملة وفرن.
شارع مهجور في حي «نورث تاون». (بيل ماكغرو) |
هناك يأمل نشطاء فـي المجتمع المحلي بإعادة إحياء مجتمع شرق أوسطي جديد، من خلال اشغال عشرات المنازل التي بنيت حديثاً من قبل عائلات اللاجئين التي تتدفق حالياً من سوريا وسائر أنحاء العالم العربي.
ولكن حلم اعادة إحياء «نورث تاون» يحتاج الى تغيير بعقلية المسؤولين فـي بلدية المدينة الذين لا يبدون تحمسهم لخطة اقترحها «المجلس العربي الأميركي والكلداني» (أي سي سي) تطلب الإذن ببناء مجمعات سكنية ضخمة لاحتواء اللاجئين السوريين.
ويبدو أن إدارة رئيس بلدية ديترويت مايك داغن تفضل خططاً أقل طموحاً بالنسبة لحي «نورث تاون»، بسبب عدم وضوح ما إذا كان السوريون القادمون يفضلون العيش على الميل السابع، رغم أن هناك العديد من الأماكن الأخرى التي تحتضن جاليات شرق أوسطية كبيرة فـي أنحاء مترو ديترويت.
الولاء للحي
فـي حين أن السائق العادي على الميل السابع قد يعبر الحي الكلداني ولا يرى سوى مبان قديمة ومتهالكة، تختلف نظرة نداء سامونا نائبة رئيس العمليات فـي «أي سي سي»، وزملائها، الى المنطقة التي يرونها مفعمة بالأمل والوعود.
فقد أنفق المجلس ١٤ مليون دولار على بناء وتطوير مبانيه الخمسة التي توفر الخدمات الاجتماعية والإنسانية على طول الميل السابع كما يضغط باستمرار لتوفـير مقومات النجاح لمشروع إعادة إحياء المنطقة.
ويقول موظفو المجلس إن إحياء المنطقة أمر ممكن اذا تم توسيع المشاريع السكنية الواقعة الى الشمال من شارع الميل السابع شمالي، والتي -برأي المجلس- ستكون مناسبة لاستضافة اللاجئين السوريين وإعادة الحياة الى المنطقة باعتبارها حياً إثنياً يحمل نفس نبض وحيوية «الحي المكسيكي» فـي ديترويت.
وأكدت سامونا ان «هذا الحي له ميزة المشي، فالخدمات والمحلات تقع جنب بعضها البعض وانت بإمكانك ان تصل اليها مشياً على الأقدام وتصادف أشخاصاً يتحدثون لغتك الخاصة بالإضافة إلى وجود الكنيسة والمدرسة وعيادات الأطباء، كما ستفتح المزيد من المحال التجارية إذا ازداد السكان واستقر بهم المقام فـي هذه المنطقة».
وأشارت الدكتورة هيفاء فاخوري، رئيسة «أي سي سي»، إلى أن «المجلس» بقي صامداً لوحده فـي المنطقة حتى بعد رحيل الجيران الكلدان منه، وواصل تقديم خدماته للسكان المقيمين ومعظمهم من الأفارقة الاميركيين، بينما كان يعمل على تطوير المشاريع السكنية الجديدة شمال الميل السابع ويقوم بإدخال تحسينات على الشارع. «الآن، نحن نريد إيواء اللاجئين من سوريا»، اعلنت فاخوري، وأردفت «نحن نفكر (بإيواء) حوالي ٥٠٠٠ عائلة».
ولكن فـي إدارة داغن، لا يبدو ان رئيس دائرة التخطيط المدني، موريس كوكس، وآرثر جيمسون، مدير الإسكان والنهضة العمرانية فـي البلدية، يبادلان المجلس نفس الحماس لبناء مئات، ناهيك عن آلاف الوحدات السكنية الجديدة شمال الميل السابع.
وقد صرَّح كوكس انه حث المجلس على «اتباع استراتيجية أكثر تواضعاً، مع التركيز على هدم منتقى بعناية لمنازل مهجورة جنباً إلى جنب مع اعادة تأهيل وترميم المساكن القائمة، ومعظمها فـي منطقة جنوب الميل السابع.
وأضاف كوكس «ان البلدية اقترحت أيضاً على المجلس استكشاف سبل معالجة آفة الأراضي الخالية، حتى تزداد قيمة التخمين العقاري مما يؤدي بدوره إلى التنمية المنشودة».
لكن شيئاً واحداً يتفق عليه الجانبان، وهو دعم انماء شارع الميل السابع، بين وودورد وجون آر.
حالياً الشارع مثله مثل باقي الشوارع السيئة فـي ديترويت، حيث المباني التجارية المتهالكة محاطة بالمباني المهجورة والمغلقة بألواح خشبية، إضافة الى الأراضٍي المليئة بالأعشاب والأشواك وربما النفايات.
مسؤولو البلدية يودون تعزيز السكن على طول الشارع، كجزء من خطة أوسع تركز على زيادة الكثافة السكانية فـي مناطق معينة من ديترويت. وقد اقترح كوكس تحويل الميل السابع الى منطقة سكنية-تجارية مع اختيار مواقع محددة لبناء مبانٍ سكنية جديدة.
بالنسبة لملء الحي باللاجئين السوريين، قال أوستن، المتحدث باسم رئيس البلدية «ان المدينة لا يمكنها توجيه الناس إلى مكان واحد بعينه. وبالفعل، سوف تقع «نورث تاون» فـي منافسة حامية مع مناطق ذات كثافة سكانية عربية أميركية فـي مقاطعتي أوكلاند وماكومب، ناهيك عن ديربورن وأحياء وورنديل فـي ديترويت المتاخمة لمدينة ديربورن».
ولكن هذا الكلام لا يثبط من همة سامونا التي ردت بالقول «اننا سنواصل جهودنا لمحاولة التوصل إلى بعض الحلول الممكنة».
السوريون واللاجئون
ان قضية هجرة اللاجئين بسبب الحروب والفوضى فـي الشرق الأوسط، وأبرزهم القادمون من العراق وسوريا، أصبحت قضية سياسية خلافـية فـي بعض مناطق البلاد، ولكن الجاليات العربية والكلدانية (المسيحية العراقية) هي ذات جذور عميقة فـي ميشيغن، وخاصة فـي منطقة ديترويت.
فكرة قبول الوافدين الجدد تتمتع بتأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وقد عبر مسؤولون كبار مثل د الحاكم الجمهوري ريك سنايدر إلى داغن، رئيس بلدية ديترويت الديمقراطي، وغيرهم من قادة الكونغرس عن الرغبة فـي استقبال اللاجئين لأسبابٍ اقتصادية وكذلك إنسانية.
وقد سافر داغن الى واشنطن فـي ٨ تشرين الأول (أكتوبر) وعقد يومين من الإجتماعات مع المسؤولين فـي إدارة أوباما، بما فـي ذلك سامانثا باور، سفـيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وكان جزء من أجندته مشاركة المدينة باستقبال نصيبها من أعداد اللاجئين السوريين.
وتوقَّع داغن أمام الصحافـيين بعد اجتماعات العمل أنْ «تلعب ديترويت هذا الدور، مثل المدن الأخرى، وقد قلت للرئيس إن ديترويت ستسرع من خطواتها التحضيرية كما ينبغي أنْ تفعل ذلك المدن الأخرى».
وتستقبل ولاية ميشيغن ما معدله ٤٥٠٠ لاجىء سنوياً، وفقاً لمكتب الحاكم. وحتى نهاية شهر حزيران (يونيو)، استقر ٢٠٢٨ لاجئ فـي ميشيغن هذا العام – نصفهم من العراق و٥٠ شخصاً من سوريا.
من ناحيته، صرَّح ديف موراي، نائب السكرتير الصحفـي لسنايدر «ان الحديث عن الأرقام فـي هذه المرحلة سابق لأوانه، ولكن يمكننا أن نقول إننا بالتأكيد منفتحون على الفكرة لأننا نمثل ولاية مرحبة».
وأعلن البيت الابيض أنَّ الرئيس اوباما، أمر بقبول ما لا يقل عن ١٠ آلاف من اللاجئين السوريين خلال العام المقبل من أصل ٨٥٠٠٠ لاجئ ستقبلهم الولايات المتحدة فـي عام ٢٠١٦، علماً ان واشنطن رفعت الحدَّ الأقصى لعدد اللاجئين من جميع البلدان إلى ١٠٠ ألف فـي عام ٢٠١٧.
وقالت رشا باشا، التي تعمل مع وكالات انسانية فـي ديترويت لإعادة توطين اللاجئين السوريين ان معظم السوريين فـي جنوب شرق ميشيغن يعيشون فـي مقاطعة أوكلاند، لذلك تم توطين بعض الأسر اللاجئة السورية فـي مدينة بونتياك، مركز المقاطعة.
بالإضافة إلى قربهم من مواطنيهم السوريين، والأمن هو العامل المقرر فـي إيجاد أماكن للاجئين للعيش. «فهذه الأسر عانت الكثير»، بحسب باشا، وأضافت «هربوا من الحرب والقنابل تسقط وتولد لديهم الخوف الشديد. انهم يعانون من الضغط النفسي وجزء كبير من عملية ايجاد منازل لهم يعود الى عامل السلامة أيضاً».
حي مرحّب
اللاجئون المحتملون سيجدون فـي منطقة الميل السابع الكثير من المساعدة رغم أن عدد الجيران العرب يكاد لا يذكر.
فمنذ العام ١٩٩٨، بدأ «المجلس العربي الأميركي والكلداني» ببناء وترميم خمسة مبان فـي المنطقة -اثنان منها بطراز عربي- لتقديم مجموعة كاملة من الخدمات الانسانية والاجتماعية والاقتصادية، بما فـي ذلك الصحة السلوكية وبرامج الرعاية الاجتماعية الحكومية، وحل مشاكل تعاطي المخدرات وبرامج مساعدة المسنين. كما احتوت المباني على مرافق طب الأسنان وملعباً كامل الحجم لكرة السلة ومختبراً للكمبيوتر ومركز عناية صحية لمواطني ديترويت. ولكن فـي الوقت الذي وضع المجلس كل أوراقه فـي سلة شارع الميل السابع، بدأ الكلدان بالانتقال إلى الضواحي، وتركوا الحي لمصيره المحتوم كباقي الأحياء المهجورة فـي ديترويت، بما فـي ذلك شارع وست روبنسون الذي شهد أسوأ حالاته عام ٢٠٠٩ عندما كان يضم ٦٠ منزلاً مهجوراً من أصل ٦٦ منزلاً بين وودورد وتشارلستون.
وتقدر سامونا ان ما بين ١٥ الى ٢٠ بالمئة من سكان الحي كانوا من الكلدان. واستطردت «لقد اضمحل الحي بكامله، للأسف».
المجلس أيضاً قام بتجميل مظهر المنطقة عبر تحسين واجهات المحلات وبناء حديقة صغيرة إضافة الى تطوير المشروع السكني شمال الميل السابع (بنروز فـيلدج) المخصص لذوي الدخل المحدود.
وقد أقيم المشروع بالتعاون مع المعماري سام توماس، الذي شيد ٧٢ وحدة سكنية لذوي الدخل المنخفض على مرحلتين، بالاعتماد على التمويل الناتج عن الإعفاءات الضريبية. ومعظم المنازل التي شيدت مخصصة لأسرة واحدة. وبعضها لأسرتين.
وأوضحت فاخوري أن لديها طموحاً بجعل توماس يقوم بتوسيع مشروع الإسكان الى خمسة آلاف منزل. ولكن توماس أبدى حذراً من هذا المشروع الطموح، وقال انه ينتظر للتأكد من اكتمال عمل المرحلتين بشكل جيد ولتفهم سوق الطلب العقاري. وتابع توماس «أفضل بناء المساكن المطلة على الميل السابع، وتحويل بعض المباني هناك إلى مساكن، وبعض المحلات التجارية».
موقع مميز
الحي الكلداني القديم أو «نورث تاون» له مزاياه: فهو يقع فـي مركز منطقة ديترويت الكبرى المترامية الأطراف، وهو على بعد ميل واحد من حدود مقاطعة أوكلاند، كما يبعد ١٥ دقيقة فقط من وسط ديترويت، وأقل من ميل واحد من المباني النامية الجديدة فـي مركز المعارض القديمة (ستايت فـيرغراوندز)، وعلى الضفة الثانية من شارع وودورد هناك حي «بالمر وودز» التاريخي فـي ديترويت الذي يعتبر من أرقى أحياء المدينة وفـيه أجمل قصورها.
«قد تبدو الأمور متعبة فـي عدد قليل من الشوارع»، يقول عضو المجلس فريد بطايح، «ولكن هناك الكثير من النشاط يجري فـي الباطن ويبدو ان الأمور بدأت تطفو على السطح».
وقد يبدو هذا الكلام وكأنه وجهة نظر مفرطة بالتفاؤل فـي منطقة تحتوي على بعض الأماكن الأكثر سوداوية فـي المدينة التي تحمل أصلاً سمعة دولية غير محمودة. ولكن على شارع الميل السابع تجد محل حدادة وبويا (بي أند أس)، لصاحبه بيت كساب، يكرر صدى تفاؤل بطايح، حيث قال ان ورشته تعمل فـي إصلاح السيارات منذ عام ١٩٧٩، ويرى اليوم أملاً متجدداً من خلال إزالة الكتابة على الجدران وتنظيف الشوارع «إنها علامات التجديد».
وأضاف «اعتقد ان التحسينات فـي ازدياد.. نحن على ما يرام.. ليس لدي أي نية لمغادرة المنطقة، لكن نحن بحاجة إلى سكان جدد، فمن شأن ذلك أن يساعد كثيراً على الإنماء».
Leave a Reply