ديربورن – «صدى الوطن»
فـي قرى وبلدات ومدن الشرق الأوسط، لا تعتبر المخترة وظيفة رسمية ولا منصباً حكومياً بقدر ما ينظر إليها كلقب مستمد من زمن الزعامات الشعبية، حيث كان المخاتير يضطلعون بمهامهم وأدوارهم بدون مقابل، والتي تأتي فـي مقدمتها مساعدة السكان وعقد الصلح بين العائلات والأسر المتخاصمة، مستمدين أدوراهم وشرعيتهم من محبة الناس بالدرجة الأولى.
مختار شبريحا ورئيس رابطة مخاتير صور يتوسط حشداً من أبناء الجالية خلال حفل تكريمي في قاعة «بيبلوس» بمدينة ديربورن. |
ومع نشوء الدول الوطنية بمؤسساتها الحكومية وتشريعاتها التنظيمية، ظل المخاتير يقومون بأدوارهم التقليدية، بالتوازي وبالتعاون مع المؤسسات الحكومية بصيغها الحديثة، مع تبدلات طفـيفة، باتت تقتضي إجراء انتخابات تفضي إلى تسمية هذا الشخص أو ذاك مختارا، بعد أن كان المخاتير يتوارثون اللقب عن آبائهم وأجدادهم.
اللقاء مع مختار بلدة شبريحا، رضا حمد عون، يعيد إلى الأذهان تلك النسخة العريقة للمخترة التي يلتف حولها الجميع، وذلك لما يتميز به من استعداد لخدمة أبناء بلدته بدون تمييز أو تفريق، ومن دون مقابل مالي، ولعل هذه الأسباب كافـية لانتخابه، وإعادة انتخابه بالتزكية، لهذا المنصب منذ العام 1998.
رضا حمد عون: المخترة إما أن تكون زعامة شعبية أو مصدر ارتزاق.(بنت جبيل دوت أورغ) |
وهو بالإضافة إلى ذلك يشغل منصب رئيس «رابطة مخاتير قضاء صور»، منذ العام 2002، والتي تضم 129 مختارا يمثلون 70 قرية إضافة إلى أحياء مدينة صور.
فـي لقاء مع صحيفة «صدى الوطن»، اعتبر المختار حمد عون أن المخاتير هم من الفئات المساهمة فـي تقوية أواصر العلاقات الاجتماعية، وهؤلاء يختارهم الناس لإدارة شؤونهم اليومية وتذليل المصاعب التي تواجههم ما أمكن، بالإضافة إلى كونهم مرجعاً رسمياً تعتمده معظم المؤسسات الحكومية التي تطلب من المواطنين مراجعة مخاتيرهم والاستحصال على بعض البيانات الثبوتية، خاصة تلك المتعلقة بمعاملات الأحوال الشخصية، مثل شهادات الولادة والوفاة والزواج وإخراجات القيد وغيرها.
أما عن الهدف المرجو من «رابطة مخاتير قضاء صور»، فـيرى حمد عون أن هدف الرابطة هو التواصل بين جميع مخاتير لبنان بشكل عام، لما لذلك من أثر إيجابي على تنمية مشاعر الألفة والمحبة خاصة فـي ظل الأوضاع المتشنجة فـي لبنان التي تترعرع فـيها الحزازات المناطقية والطائفـية، فالمخاتير فـي هذا السياق، يلعبون دورا وطنيا وإنسانيا لا غنى عنه.
إذن دور المختار إجتماعي تنموي بامتياز، فضلا عن أنه فـي أحيان كثيرة لا بديل عنه، خاصة فـي القرى والبلدت النائية التي لا توجد فـيها بلديات تسيّر مصالح الناس وتؤمن لهم الخدمات اللازمة لتسيير شؤونهم ومصالحهم وأعمالهم. وهنا يؤكد حمد عون على أن المهام المناطة بالمخاتير تتعدد وتتنوع لتشمل مختلف مناحي الحياة، الاجتماعية والثقافـية والخدماتية، إضافة إلى كونهم عنصرا من عناصر التآلف والتحابب والمودة بين أبناء البلدة الواحدة، إذ أنهم غالبا ما يكونون فـي مقدمة الصفوف عند فض الخلافات وعقد الصلوح بين المتخاصمين.
والمختار لا يتقاضى راتبا على جهوده و«دوامه الوظيفـي» قد يمتد على مدى الأربع والعشرين ساعة فـي اليوم، وعلى مدار السنة، بلا عطل ولا إجازات.
ومع أن بعض المخاتير باتوا يتقاضون المال مقابل بعض الخدمات التي يقدمونها لأبناء قراهم وبلداتهم، خاصة تلك التي تطلبها المؤسسات الحكومية، مثل التصديق على شهادات الولادة أو الوفاة، إلا أن المختار حمد عون «يفضل الطريقة التقليدية للمخترة»، فهو لا يتقاضى أي مقابل جراء خدماته، ويعلل ذلك بقوله: «إذا أراد المختار أن يلعب دوراً جامعاً فـيجب أن تكون خدماته مجانية لأن ذلك يكسبه مصداقية ولا يكبله بأية قيود أو محاذير.. فـيكون حرا فـي المجتمع الذي يعيش فـيه والمواقف التي يتخذها». وينوه على أن المخترة إما أن تكون زعامة شعبية أو مصدر ارتزاق.
وتؤثر الأوضاع السياسية الحالية فـي لبنان -حيث تعاني معظم وزارات ومؤسسات الدولة اللبنانية من شلل كبير، وذلك على خلفـية شغور منصب الرئاسة وتأجيل الانتخابات النيابية- على دور المخاتير بصورة مباشرة، فتزداد الأعباء الواقعة على عواتقهم مما يستوجب عليهم مضاعفة الجهود وابتكار وسائل جديدة لإنجاز المتطلبات التي يحتاجها الناس فـي حياتهم وشؤونهم اليومية. وفـي هذا الخصوص يقول حمد عون، الذي يقوم حالياً بزيارة الى ديربورن حيث تتواجد جالية كبيرة من أبناء قضاء صور، إنه «فـي مثل هذه الظروف، على المختار أن يكون ابتكارياً فـي مساعدة المجتمع المحلي ورعاية مصالح الناس، خاصة وأن البلديات تعتمد على مداخيل الضرائب والجبايات التي تقوم بها «وزارة الداخلية والبلديات» والتي تصرف على صيانة الطرقات وتنظيف الشوارع وغير ذلك من الأمور الخدماتية.
وحول زيارته إلى الولايات المتحدة، قال حمد عون إن أحد أهداف الزيارة هو تفقد أحوال جالية بلدة شبريحا وعموم الجالية اللبنانية، لافتاً الى أن منطقة ديترويت تحتضن أكثر من مئة عائلة من شبريحا.
وبعد اللقاءات العديدة مع أبناء البلدة وفعالياتها، تم الاتفاق على تأسيس ناد اجتماعي بإسم «نادي شبريحا الثقافـي الاجتماعي»، حيث قام رجل الأعمال شاكر عون بالتبرع بمبنى للنادي، الذي من المتوقع أن يتم الإعلان عن إطلاقه خلال ستة أشهر. وأشاد حمد عون بدور المغتربين اللبنانيين الذين ساهموا بأدوار رئيسية فـي تنمية البلدات والقرى التي جاؤوا منها، سواء عبر التبرعات المباشرة إلى مختلف أنواع المؤسسات والمنظمات المجتمعية والدينية، أو عبر مساعدتهم المباشرة لعائلاتهم وأقاربهم.
من ناحيته، قال رجل الأعمال شاكر عون تعليقا على تأسيس النادي الجديد: «لقد استفدنا من وجود المختار حمد عون بيننا وناقشنا فكرة تأسيس ناد ليكون جسر تواصل بين أبناء بلدة شبريحا المهاجرين والمقيمين فـي لبنان».
وأضاف: «وانطلاقا من تقديري لأهمية العمل المجتمعي والجماعي قدمت لهم المكان ليمارسوا النشاطات التي تفـيدهم والتي تعود على مجتمع المدينة بشكل عام بنتائج إيجابية».
وكان رجال الأعمال شاكر عون وكايد بزي وكمال طرفة قد أقاموا، الإثنين قبل الماضي، حفل عشاء تكريمي على شرف المختار حمد عون فـي قاعة «بيبلوس» بحضور قنصل لبنان العام فـي ديترويت، بلال قبلان، ورؤساء مؤسسات وجمعيات عربية وحشد من الفعاليات الدينية والثقافـية والاجتماعية.
Leave a Reply